[ ص: 343 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة التحريم
سورة ( ( يا أيها النبيء لم تحرم ما أحل الله لك ) ) إلخ سميت ( سورة التحريم ) في كتب السنة وكتب التفسير . ووقع في رواية لصحيح أبي ذر الهروي تسميتها باسم ( سورة اللم تحرم ) بتشديد اللام ، وفي الإتقان وتسمى ( سورة اللم تحرم ) ، وفي تفسير البخاري الكواشي أي بهمزة وصل وتشديد اللام مكسورة وبفتح الميم وضم التاء محققة وتشديد الراء مكسورة بعدها ميم على حكاية جملة ( لم تحرم ) وجعلها بمنزلة الاسم وإدخال لام تعريف العهد على ذلك اللفظ وإدغام اللامين .
وتسمى ( سورة النبيء ) - صلى الله عليه وسلم - وقال الآلوسي : إن ابن الزبير سماها ( سورة النساء ) . قلت ولم أقف عليه ولم يذكر صاحب الإتقان هذين في أسمائها .
واتفق أهل العدد على أن عدة آيها اثنتا عشرة .
وهي مدنية . قال ابن عطية : بإجماع أهل العلم وتبعه القرطبي . وقال في الإتقان عن قتادة : إن أولها إلى تمام عشر آيات وما بعدها مكي ، كما وقعت حكاية كلامه . ولعله أراد إلى عشر آيات ، أي أن الآية العاشرة من المكي إذ من البعيد أن تكون الآية العاشرة مدنية والحادية عشر مكية .
وهي معدودة الخامسة بعد المائة في عداد نزول سور القرآن نزلت بعد سورة الحجرات وقبل سورة الجمعة .
[ ص: 344 ] ويدل قوله ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) أنها نزلت بعد سورة المائدة كما سيأتي .
وسبب نزولها حادثتان حدثتا بين أزواج النبيء - صلى الله عليه وسلم - .
إحداهما : ما ثبت في الصحيح عن عائشة أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - كان شرب عسلا عند إحدى نسائه اختلف في أنها ، أو زينب بنت جحش حفصة ، أو ، أو أم سلمة . والأصح أنها سودة بنت زمعة زينب . فعلمت بذلك عائشة فتواطأت هي على أن أيتهما دخل عليها تقول له ( إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير ) ( والمغافير صمغ شجر العرفط وله رائحة مختمرة ) وكان النبيء - صلى الله عليه وسلم - يكره أن توجد منه رائحة وإنما تواطأتا على ذلك غيرة منهما أن يحتبس عند وحفصة زينب زمانا يشرب فيه عسلا . فدخل على حفصة فقالت له ذلك ، فقال : ، أراد بذلك استرضاء بل شربت عسلا عند فلانة ولن أعود له حفصة في هذا الشأن وأوصاها أن لا تخبر بذلك عائشة لأنه يكره غضبها فأخبرت حفصة عائشة فنزلت الآيات .
هذا أصح ما روي في سبب نزول هذه الآيات . والتحريم هو قوله : ولن أعود له ، لأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - لا يقول إلا صدقا وكانت تقول لقد حرمناه . سودة
والثانية ما رواه ابن القاسم في المدونة عن مالك عن قال : حرم رسول الله زيد بن أسلم أم إبراهيم جاريته فقال ( والله لا أطؤك ) ثم قال : هي علي حرام فأنزل الله تعالى ( يا أيها النبيء لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ) .
وتفصيل هذا الخبر ما رواه عن الدارقطني عن ابن عباس عمر قال : مارية في بيت حفصة فوجدته حفصة معها ، وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها . فقالت حفصة : تدخلها بيتي ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك . فقال لها : لا تذكري هذا لعائشة فهي علي حرام إن قربتها . قيل : فقالت له حفصة : كيف تحرم عليك وهي جاريتك فحلف لها أن لا يقربها فذكرته حفصة لعائشة فآلى أن لا يدخل على نسائه شهرا [ ص: 345 ] فأنزل الله تعالى ( يا أيها النبيء لم تحرم ما أحل الله لك ) . وهو حديث ضعيف . دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأم ولده