وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا تذييل لما سبق من الأمر في قوله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا ، فإن قوله ( من خير ) يعم جميع فعل الخير .
وفي الكلام إيجاز حذف . تقدير المحذوف : وافعلوا الخير وما تقدموا لأنفسكم منه تجدوه عند الله ، فاستغني عن المحذوف بذكر الجزاء على الخير .
و ( ما ) شرطية . ومعنى تقديم الخير : فعله في الحياة ، شبه فعل الخير في مدة الحياة لرجاء الانتفاع بثوابه في الحياة الآخرة بتقديم العازم على السفر ثقله وأدواته وبعض أهله إلى المحل الذي يروم الانتهاء إليه ليجد ما ينتفع به وقت وصوله .
و ( من خير ) بيان لإبهام ( ما ) الشرطية .
والخير : هو ما وصفه الدين بالحسن ووعد على فعله بالثواب .
ومعنى ( تجدوه ) يجدوا جزاءه وثوابه ، وهو الذي قصده فاعله ، فكأنه وجد نفس الذي قدمه ، وهذا استعمال كثير في القرآن والسنة أن يعبر عن عوض الشيء وجزائه باسم المعوض عنه والمجازى به ، ومنه قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - في الذي يكنز المال ولا يؤدي حقه . مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع يأخذ بلهزمتيه يقول : أنا مالك أنا كنزك
وضمير الغائب في ( تجدوه ) هو المفعول الأول لـ ( تجدوا ) ومفعوله الثاني ( خيرا ) .
[ ص: 289 ] والضمير المنفصل الذي بينهما ضمير فعل ، وجاز وقوعه بين معرفة ونكرة خلافا للمعروف في حقيقة ضمير الفصل من وجوب وقوعه بين معرفتين ؛ لأن أفعل من كذا أشبه المعرفة في أنه لا يجوز دخول حرف التعريف عليه .
و ( خيرا ) : اسم تفضيل ، أي : خيرا مما تقدمونه إذ ليس المراد أنكم تجدونه من جنس الخير ، بل المراد مضاعفة الجزاء ، لما دل عليه قوله تعالى إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم وغير ذلك من كثير من الآيات .
وأفاد ضمير الفصل هنا مجرد التأكيد لتحقيقه .
وعطف وأعظم أجرا على ( خيرا ) أو هو منسحب عليه تأكيد ضمير الفصل .
وانتصب ( أجرا ) على أنه تمييز نسبة لـ ( أعظم ) ؛ لأنه في معنى الفعل . فالتقدير : وأعظم أجره ، كما تقول : وجدته منبسطا كفا ، والمعنى : أن أجره خير وأعظم مما قدمتموه .