وما هي إلا ذكرى للبشر   فيه معان كثيرة أعلاها أن يكون هذا تتمة لقوله وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا  على أن يكون جاريا على طريقة الأسلوب الحكيم ، أي : أن النافع لكم أن تعلموا أن الخبر عن خزنة النار بأنهم تسعة عشر فائدته أن يكون ذكرى   [ ص: 320 ] للبشر ليتذكروا دار العقاب بتوصيف بعض صفاتها ؛ لأن في ذكر الصفة عونا على زيادة استحضار الموصوف ، فغرض القرآن الذكرى ، وقد اتخذه الضالون ومرضى القلوب لهوا وسخرية ومراء بالسؤال عن جعلهم تسعة عشر ولم لم يكونوا عشرين أو مئات أو آلافا . 
وضمير ( هي ) على هذا الوجه راجع إلى عدتهم . 
ويجوز أن يرجع الضمير إلى الكلام السابق ، وتأنيث ضميره لتأويله بالقصة أو الصفة أو الآيات القرآنية . 
والمعنى : نظير المعنى على الاحتمال الأول . 
ويحتمل أن يرجع إلى ( سقر ) وإنما تكون ( ذكرى ) باعتبار الوعيد بها وذكر أهوالها . 
والقصر متوجه إلى مضاف محذوف يدل عليه السياق تقديره : وما ذكرها أو وصفها أو نحو ذلك . 
ويحتمل أن يرجع ضمير ( هي ) إلى جنود ربك  والمعنى المعنى ، والتقدير التقدير ، أي : وما ذكرها أو عدة بعضها . 
وجوز  الزجاج  أن يكون الضمير راجعا إلى نار الدنيا ، أي : أنها تذكر الناس بنار الآخرة ، يريد أنه من قبيل قوله تعالى أفرأيتم النار التي تورون  أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون  نحن جعلناها تذكرة    . وفيه محسن الاستخدام . 
وقيل المعنى : وما عدتهم إلا ذكرى للناس ليعلموا غنى الله عن الأعوان والجند فلا يظلوا في استقلال تسعة عشر تجاه كثرة أهل النار . 
وإنما حملت الآية هذه المعاني بحسن موقعها في هذا الموضع وهذا من بلاغة نظم القرآن . ولو وقعت إثر قوله لواحة للبشر  لتمحض ضمير وما هي إلا ذكرى  للعود إلى سقر ، وهذا من الإعجاز بمواقع جمل القرآن كما في المقدمة العاشرة من مقدمات هذا التفسير . 
وبين لفظ البشر المذكور هنا ولفظ البشر المتقدم في قوله لواحة للبشر  التجنيس التام . 
				
						
						
