ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم     . 
استئناف ابتدائي ، قصد منه المقابلة بين خلق الفريقين ، فالمؤمنون يحبون أهل الكتاب  ، وأهل الكتاب  يبغضونهم ، وكل إناء بما فيه يرشح ، والشأن أن المحبة تجلب المحبة إلا إذا اختلفت المقاصد والأخلاق . 
وتركيب ها أنتم أولاء  ونظائره مثل ها أنا تقدم في قوله تعالى في سورة البقرة ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم    . ولما كان التعجيب في الآية من مجموع الحالين قبل ها أنتم أولاء تحبونهم  فالعجب من محبة المؤمنين إياهم في حال بغضهم المؤمنين ، ولا يذكر بعد اسم الإشارة جملة في هذا التركيب إلا والقصد التعجب من مضمون تلك الجملة . 
وجملة ولا يحبونكم  جملة حال من الضمير المرفوع في قوله تحبونهم لأن محل التعجب هو مجموع الحالين . 
وليس في هذا التعجيب شيء من التغليط ، ولكنه مجرد إيقاظ ، ولذلك عقبه بقوله وتؤمنون بالكتاب كله  فإنه كالعذر للمؤمنين في استبطانهم   [ ص: 66 ] أهل الكتاب  بعد إيمان المؤمنين ، لأن المؤمنين لما آمنوا بجميع رسل الله وكتبهم كانوا ينسبون أهل الكتاب  إلى هدى ذهب زمانه ، وأدخلوا فيه التحريف بخلاف أهل الكتاب  إذ يرمقون المسلمين بعين الازدراء والضلالة واتباع ما ليس بحق . وهذان النظران ، منا ومنهم ، هما أصل تسامح المسلمين مع قوتهم ، وتصلب أهل الكتابين  مع ضعفهم . 
				
						
						
