يجوز أن يكون الاستثناء متصلا : إما على أنه استثناء من الضمير في قوله : لتركبن طبقا عن طبق جريا على تأويله بركوب طباق وما هو في معنى ذلك من التهديد . الشدائد والأهوال يوم القيامة
وإما على أنه استثناء من ضمير الجمع في فبشرهم والمعنى : إلا الذين يؤمنون من الذين هم مشركون الآن كقوله تعالى : إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا وقوله في سورة البروج : إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا [ ص: 235 ] الآية وفعل آمنوا على هذا الوجه مراد به المستقبل ، وعبر عنه بالماضي للتنبيه على معنى : من تحقق إيمانهم ، وما بينهما من قوله : فما لهم لا يؤمنون إلى هنا تفريع معترض بين المستثنى والمستثنى منه خص به الأهم ممن شملهم عموم لتركبن طبقا عن طبق .
وقيل : هو استثناء منقطع من ضمير فبشرهم فهو داخل في التبشير المستعمل في التهكم زيادة في إدخال الحزن عليهم . فحرف إلا بمنزلة ( لكن ) والاستدراك به لمجرد المضادة لا لدفع توهم إرادة ضد ذلك ومثل ذلك كثير في الاستدراك ، وأما تعريف بعضهم الاستدراك بأنه تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه ، فهو تعريف تقريبي .
وجملة لهم أجر غير ممنون استئناف بياني ، كأن سائلا سأل : كيف حالهم يوم يكون أولئك في عذاب أليم ؟ والأجر غير الممنون هو الذي يعطاه صاحبه مع كرامة بحيث لا يعرض له بمنة كما أشار إليه قوله تعالى : جزاء بما كانوا يعملون ونحوه مما ذكر فيه مع الجزاء سببه ، والمعنى : أن أجرهم سرور لهم لا تشوبه شائبة كدر ، فإن المن ينغص الإنعام ، قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وقال النابغة :
علي لعمرو نعمة بعد نعمة لوالده ليست بذات عقارب
ومن نوابغ الكلم للعلامة : طعم الآلاء أحلى من المن . وهو أمر من الآلاء مع المن . الزمخشري
ويجوز أن يكون غير ممنون بمعنى غير مقطوع يقال : مننت الحبل ، إذا قطعته ، قال تعالى : وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة .
سأل نافع بن الأزرق الخارجي عن قوله : غير ممنون فقال : غير مقطوع فقال : هل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم قد عرفه أخو يشكر يعني : عبد الله بن عباس الحارث بن حلزة حيث يقول :
فترى خلفهن من سرعة الرجـ ـع منينا كـأنـه أهـبـاء
المنين : الغبار لأنها تقطعه وراءها .