وإلى ربك فارغب     . 
عطف على تفريع الأمر بالشكر على النعم أمر بطلب استمرار نعم الله عليه كما قال تعالى : ( لئن شكرتم لأزيدنكم    ) . 
والرغبة : طلب حصول ما هو محبوب ، وأصله أن يعدى إلى المطلوب منه بنفسه ويعدى إلى الشيء المطلوب بـ ( في ) . ويقال : رغب عن كذا ، بمعنى صرف رغبته عنه بأن رغب في غيره ، وجعل منه قوله تعالى : ( وترغبون أن تنكحوهن    ) بتقدير حرف   [ ص: 418 ] الجر المحذوف قبل حرف ( أن ) هو حرف ( عن ) . وذلك تأويل  عائشة أم المؤمنين  كما تقدم في سورة النساء . 
وأما تعدية فعل ( فارغب ) هنا بحرف ( إلى ) فلتضمينه معنى الإقبال والتوجه تشبيها بسير السائر إلى من عنده حاجته كما قال تعالى عن إبراهيم    : ( وقال إني ذاهب إلى ربي    ) . 
وتقديم ( إلى ربك ) على ( فارغب    ) لإفادة الاختصاص ، أي : إليه لا إلى غيره تكون رغبتك ، فإن صفة الرسالة أعظم صفات الخلق ، فلا يليق بصاحبها أن يرغب غير الله تعالى . 
وحذف مفعول ( ارغب ) ليعم كل ما يرغبه النبيء - صلى الله عليه وسلم - وهل يرغب النبيء إلا في الكمال النفساني وانتشار الدين ونصر المسلمين . 
واعلم أن الفاء في قوله : ( فانصب    ) وقوله : ( فارغب    ) رابطة للفعل ; لأن تقديم المعمول يتضمن معنى الاشتراط والتقييد ، فإن تقديم المعمول لما أفاد الاختصاص نشأ منه معنى الاشتراط ، وهو كثير في الكلام ، قال تعالى : ( بل الله فاعبد    ) وقال : ( وربك فكبر  وثيابك فطهر  والرجز فاهجر    ) وفي تقديم المجرور قال تعالى : ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون    ) وقال النبيء - صلى الله عليه وسلم - لمن سأل منه أن يخرج للجهاد : " ألك أبوان ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد "   . بل قد يعامل معاملة الشرط في الإعراب كما روي قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - " كما تكونوا يول عليكم   " بجزم الفعلين ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : ( فبذلك فليفرحوا    ) في سورة يونس . 
وذكر الطيبي  عن أمالي السيد - يعني  ابن الشجري    - أن اجتماع الفاء والواو هنا من أعجب كلامهم ; لأن الفاء تعطف أو تدخل في الجواب وما أشبه الجواب بالاسم الناقص ، أو في صلة الموصول الفعلية لشبهها بالجواب ، وهي هنا خارجة عما وضعت له اهـ . ولا يبقى تعجب بعد ما قررناه . 
				
						
						
