( ولم يكن له كفؤا أحد     ) 
في معنى التذليل للجمل التي قبلها لأنها أعم من مضمونها ; لأن تلك الصفات المتقدمة صريحها وكنايتها وضمنيها لا يشبهه فيها غيره ، مع إفادة هذه انتفاء   [ ص: 620 ] شبيه له فيما عداها مثل صفات الأفعال كما قال تعالى : إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له    . 
والواو في قوله : ولم يكن له كفؤا أحد  اعتراضية ، وهي واو الحال ، كالواو في قوله تعالى : ( وهل يجازى إلا الكفور    ) فإنها تذليل لجملة ذلك جزيناهم بما كفروا  ويجوز كون الواو عاطفة إن جعلت الواو الأولى عاطفة ، فيكون المقصود من الجملة إثبات وصف مخالفته تعالى للحوادث وتكون استفادة معنى التذليل تبعا للمعنى والنكت ولا تتزاحم . 
والكفؤ : بضم الكاف وضم الفاء وهمزة في آخره . وبه قرأ نافع  وأبو عمرو  وأبو بكر  عن عاصم  وأبو جعفر ،  إلا أن الثلاثة الأولين حققوا الهمزة وأبو جعفر  سهلها ، ويقال ( كفء ) بضم الكاف وسكون الفاء وبالهمز ، وبه قرأ حمزة  ويعقوب ،  ويقال ( كفؤا ) بالواو عوض الهمز ، وبه قرأ حفص  عن عاصم  وهي لغات ثلاث فصيحة . 
ومعناه : المساوي والمماثل في الصفات . 
و ( أحد ) هنا بمعنى إنسان أو موجود ، وهو من الأسماء النكرات الملازمة للوقوع في حيز النفي . 
وحصل بهذا جناس تام مع قوله : قل هو الله أحد    . 
وتقديم خبر ( كان ) على اسمها للرعاية على الفاصلة وللاهتمام بذكر الكفؤ عقب الفعل المنفي ليكون أسبق إلى السمع . 
وتقديم المجرور بقوله ( له ) على متعلقه وهو ( كفؤا ) للاهتمام باستحقاق الله نفي كفاءة أحد له ، فكان هذا الاهتمام مرجحا تقديم المجرور على متعلقه وإن كان الأصل تأخير المتعلق ، إذا كان ظرفا لغويا . وتأخيره عند  سيبويه  أحسن ما لم يقتض التقديم مقتض كما أشار إليه في الكشاف . 
وقد وردت في فضل هذه السورة أخبار صحيحة وحسنة استوفاها المفسرون . وثبت في الحديث الصحيح في الموطأ والصحيحين من طرق عدة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن    ) . 
 [ ص: 621 ] واختلفت التأويلات التي تأول بها أصحاب معاني الآثار بهذا الحديث ويجمعها أربع تأويلات . 
الأول : أنها تعدل ثلث القرآن في ثواب القراءة ، أي : تعدل ثلث القرآن إذا قرئ بدونها حتى لو كررها القارئ ثلاث مرات كان له ثواب من قرأ القرآن كله . 
الثاني : أنها تعدل ثلث القرآن إذا قرأها من لا يحسن غيرها من سور القرآن . 
الثالث : أنها تعدل ثلث معاني القرآن باعتبار أجناس المعاني ; لأن معاني القرآن أحكام وأخبار وتوحيد ، وقد انفردت هذه السورة بجمعها أصول العقيدة الإسلامية ما لم يجمعه غيرها . 
وأقول : إن ذلك كان قبل نزول آيات مثلها مثل آية الكرسي ، أو لأنه لا توجد سورة واحدة جامعة لما في سورة الإخلاص . 
التأويل الرابع : أنها تعدل ثلث القرآن في الثواب مثل التأويل الأول ، ولكن لا يكون تكريرها ثلاث مرات بمنزلة قراءة ختمة كاملة . 
قال ابن رشد  في البيان والتحصيل : أجمع العلماء على أن من قرأ ( قل هو الله أحد    ) ثلاث مرات لا يساوي في الأجر من أحيا بالقرآن كله اهـ . فيكون هذا التأويل قيدا للتأويل الأول ، ولكن في حكايته الإجماع على أن ذلك هو المراد - نظرا ، فإن في بعض الأحاديث ما هو صريح في أن تكريرها ثلاث مرات يعدل قراءة ختمة كاملة . 
قال ابن رشد    : واختلافهم في تأويل الحديث لا يرتفع بشيء منه عن الحديث الإشكال ولا يتخلص عن أن يكون فيه اعتراض . 
وقال  أبو عمر بن عبد البر    : السكوت على هذه المسألة أفضل من الكلام فيها . 
				
						
						
