[ ص: 145 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=86nindex.php?page=treesubj&link=28975_18155وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا .
عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=85من يشفع شفاعة حسنة باعتبار ما قصد من الجملة المعطوفة عليها ، وهو الترغيب في
nindex.php?page=treesubj&link=18082الشفاعة الحسنة والتحذير من الشفاعة السيئة ، وذلك يتضمن الترغيب في قبول الشفاعة الحسنة ورد الشفاعة السيئة .
وإذ قد كان من شأن الشفيع أن يدخل على المستشفع إليه بالسلام استئناسا له لقبول الشفاعة ، فالمناسبة في هذا العطف هي أن الشفاعة تقتضي حضور الشفيع عند المشفوع إليه ، وأن صفة تلقي المشفوع إليه للشفيع تؤذن بمقدار استعداده لقبول الشفاعة ، وأن أول بوادر اللقاء هو السلام ورده .
فعلم الله المسلمين أدب القبول واللقاء في الشفاعة وغيرها وقد كان للشفاعات عندهم شأن عظيم .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341556مر رجل فقال رسول الله : ماذا تقولون فيه ؟ قالوا : هذا جدير إن شفع أن يشفع . الحديث حتى إذا قبل المستشفع إليه الشفاعة كان قد طيب خاطر الشفيع ، وإذا لم يقبل كان في حسن التحية مرضاة له على الجملة . وهذا دأب القرآن في انتهاز فرص الإرشاد والتأديب .
وبهذا البيان تنجلي عنك الحيرة التي عرضت في توجيه انتظام هذه الآية مع سابقتها ، وتستغني عن الالتجاء إلى المناسبات الضعيفة التي صاروا إليها .
وقد دل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=86فحيوا بأحسن منها على الأمر برد السلام ، ووجوب الرد لأن أصل صيغة الأمر أن يكون للوجوب على مقتضى مذهب الجمهور في محمل صيغة الأمر ، ولذلك اتفق الفقهاء على وجوب رد السلام .
ثم اختلفوا إذا
nindex.php?page=treesubj&link=18156كان المسلم عليهم جماعة هل يجب الرد على كل واحد منهم : فقال
مالك : هو واجب على الجماعة وجوب الكفاية فإذا رد واحد من الجماعة أجزأ عنهم ، وورد في ذلك حديث صحيح; على أنه إذا كانت الجماعة كثيرة يصير رد الجميع غوغاء .
وقال
أبو حنيفة : الرد فرض على كل شخص من الجماعة بعينه . ولعل دليله في ذلك القياس .
[ ص: 146 ] ودل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=86وإذا حييتم بتحية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=18129ابتداء السلام شيء معروف بينهم ، ودليله قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=27يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ، وسيأتي في سورة النور .
وأفاد قوله بأحسن منها أو ردوها التخيير بين الحالين ، ويعلم من تقديم قوله بأحسن منها أن ذلك أفضل .
وحيى أصله في اللغة دعا له بالحياة ، ولعله من قبيل النحت من قول القائل : حياك الله ، أي وهب لك طول الحياة . فيقال للملك : حياك الله . ولذلك جاء في دعاء التشهد التحيات لله أي هو مستحقها لا ملوك الناس . وقال
النابغة : يحيون بالريحان يوم السباسب - أي يحيون مع تقديم الريحان في يوم عيد الشعانين وكانت التحية خاصة بالملوك بدعاء حياك الله غالبا ، فلذلك أطلقوا التحية على الملك في قول
زهير بن جناب الكلبي : ولكل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية
يريد أنه بلغ غاية المجد سوى الملك . وهو الذي عناه
nindex.php?page=showalam&ids=11880المعري بقوله :
تحية كسرى في الثناء وتبع لربعك لا أرضى تحية أربع
.
وهذه الآية من آداب الإسلام : علم الله بها أن يردوا على المسلم بأحسن من سلامه أو بما يماثله ، ليبطل ما كان بين الجاهلية من تفاوت السادة والدهماء .
وتكون التحية أحسن بزيادة المعنى ، فلذلك قالوا في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=25فقالوا سلاما قال سلام : إن تحية
إبراهيم كانت أحسن إذ عبر عنها بما هو أقوى في كلام العرب وهو رفع المصدر للدلالة على الثبات وتناسي الحدوث المؤذن به نصب المصدر ، وليس في لغة
إبراهيم مثل ذلك ولكنه من بديع الترجمة .
" ولذلك جاء في تحية الإسلام : السلام عليكم ، وفي ردها وعليكم السلام لأن تقديم الظرف فيه للاهتمام بضمير المخاطب .
وقال بعض الناس : إن الواو في رد السلام تفيد معنى الزيادة فلو كان المسلم بلغ غاية التحية أن يقول :
[ ص: 147 ] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فإذا قال الراد وعليكم السلام إلخ ، كان قد ردها بأحسن منها بزيادة الواو ، وهذا وهم .
ومعنى " ردوها " ردوا مثلها ، وهذا كقولهم : عندي درهم ونصفه ، لظهور تعذر رد ذات التحية ، وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها فعاد ضمير " وهو " وهاء " يرثها " إلى اللفظين لا إلى الذاتين ، ودل الأمر على وجوب رد السلام ، ولا دلالة في الآية على حكم الابتداء بالسلام ، فذلك ثابت بالسنة للترغيب فيه . وقد ذكروا أن العرب كانوا لا يقدمون اسم المسلم عليه المجرور بعلى في ابتداء السلام إلا في الرثاء ، في مثل قول
عبدة بن الطيب :
عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما
وفي قول
الشماخ :
عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق
يرثي
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان أو
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب . روى
أبو داود nindex.php?page=hadith&LINKID=10341557أن جابر بن سليم سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : عليك السلام يا رسول الله ، فقال له إن عليك السلام تحية الموتى ، قل : السلام عليك .
والتذييل بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=86nindex.php?page=treesubj&link=28975_28781إن الله كان على كل شيء حسيبا لقصد الامتنان بهذه التعليمات النافعة .
والحسيب : العليم وهو صفة مشبهة : من حسب بكسر السين الذي هو من أفعال القلب ، فحول إلى فعل بضم عينه لما أريد به أن العلم وصف ذاتي له ، وبذلك نقصت تعديته فاقتصر على مفعول واحد ، ثم ضمن معنى المحصي فعدي إليه بـ " على " . ويجوز كونه من أمثلة المبالغة . قيل : الحسيب هنا بمعنى المحاسب ، كالأكيل والشريب . فعلى كلامهم يكون التذييل وعدا بالجزاء على قدر فضل رد السلام ، أو بالجزاء السيئ على ترك الرد من أصله . وقد أكد وصف الله بحسيب بمؤكدين : حرف " إن " وفعل " كان " الدال على أن ذلك وصف مقرر أزلي .
[ ص: 145 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=86nindex.php?page=treesubj&link=28975_18155وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا .
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=85مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً بِاعْتِبَارِ مَا قُصِدَ مِنَ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ عَلَيْهَا ، وَهُوَ التَّرْغِيبُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=18082الشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الشَّفَاعَةِ السَّيِّئَةِ ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ التَّرْغِيبَ فِي قَبُولِ الشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ وَرَدِّ الشَّفَاعَةِ السَّيِّئَةِ .
وَإِذْ قَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ الشَّفِيعِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمُسْتَشْفَعِ إِلَيْهِ بِالسَّلَامِ اسْتِئْنَاسًا لَهُ لِقَبُولِ الشَّفَاعَةِ ، فَالْمُنَاسَبَةُ فِي هَذَا الْعَطْفِ هِيَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ تَقْتَضِي حُضُورَ الشَّفِيعِ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ إِلَيْهِ ، وَأَنَّ صِفَةَ تَلَقِّي الْمَشْفُوعِ إِلَيْهِ لِلشَّفِيعِ تُؤْذِنُ بِمِقْدَارِ اسْتِعْدَادِهِ لِقَبُولِ الشَّفَاعَةِ ، وَأَنَّ أَوَّلَ بَوَادِرِ اللِّقَاءِ هُوَ السَّلَامُ وَرَدُّهُ .
فَعَلَّمَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَدَبَ الْقَبُولِ وَاللِّقَاءِ فِي الشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ كَانَ لِلشَّفَاعَاتِ عِنْدَهُمْ شَأْنٌ عَظِيمٌ .
وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341556مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَاذَا تَقُولُونَ فِيهِ ؟ قَالُوا : هَذَا جَدِيرٌ إِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ . الْحَدِيثَ حَتَّى إِذَا قَبِلَ الْمُسْتَشْفَعُ إِلَيْهِ الشَّفَاعَةَ كَانَ قَدْ طَيَّبَ خَاطِرَ الشَّفِيعِ ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ كَانَ فِي حُسْنِ التَّحِيَّةِ مَرْضَاةٌ لَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ . وَهَذَا دَأْبُ الْقُرْآنِ فِي انْتِهَازِ فُرَصِ الْإِرْشَادِ وَالتَّأْدِيبِ .
وَبِهَذَا الْبَيَانِ تَنْجَلِي عَنْكَ الْحَيْرَةُ الَّتِي عَرَضَتْ فِي تَوْجِيهِ انْتِظَامِ هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ سَابِقَتِهَا ، وَتَسْتَغْنِي عَنِ الِالْتِجَاءِ إِلَى الْمُنَاسَبَاتِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي صَارُوا إِلَيْهَا .
وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=86فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا عَلَى الْأَمْرِ بِرَدِّ السَّلَامِ ، وَوُجُوبِ الرَّدِّ لِأَنَّ أَصْلَ صِيغَةِ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي مَحْمَلِ صِيغَةِ الْأَمْرِ ، وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ رَدِّ السَّلَامِ .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=18156كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً هَلْ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ : فَقَالَ
مَالِكٌ : هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ وُجُوبَ الْكِفَايَةِ فَإِذَا رَدَّ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ ، وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ; عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْجَمَاعَةُ كَثِيرَةً يَصِيرُ رَدُّ الْجَمِيعِ غَوْغَاءَ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : الرَّدُّ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ بِعَيْنِهِ . وَلَعَلَّ دَلِيلَهُ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسُ .
[ ص: 146 ] وَدَلَّ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=86وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18129ابْتِدَاءَ السَّلَامِ شَيْءٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَهُمْ ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=27يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ، وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ النُّورِ .
وَأَفَادَ قَوْلُهُ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ ، وَيُعْلَمُ مِنْ تَقْدِيمِ قَوْلِهِ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ .
وَحَيَّى أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ دَعَا لَهُ بِالْحَيَاةِ ، وَلَعَلَّهُ مِنْ قَبِيلِ النَّحْتِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : حَيَّاكَ اللَّهُ ، أَيْ وَهَبَ لَكَ طُولَ الْحَيَاةِ . فَيُقَالُ لِلْمَلِكِ : حَيَّاكَ اللَّهُ . وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي دُعَاءِ التَّشَهُّدِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ أَيْ هُوَ مُسْتَحِقُّهَا لَا مُلُوكُ النَّاسِ . وَقَالَ
النَّابِغَةُ : يُحَيَّوْنَ بِالرَّيْحَانِ يَوْمَ السَّبَاسِبِ - أَيْ يُحَيَّوْنَ مَعَ تَقْدِيمِ الرَّيْحَانِ فِي يَوْمِ عِيدِ الشَّعَانِينِ وَكَانَتِ التَّحِيَّةُ خَاصَّةً بِالْمُلُوكِ بِدُعَاءِ حَيَّاكَ اللَّهُ غَالِبًا ، فَلِذَلِكَ أَطْلَقُوا التَّحِيَّةَ عَلَى الْمُلْكِ فِي قَوْلِ
زُهَيْرِ بْنِ جَنَّابٍ الْكَلْبِيِّ : وَلَكُلُّ مَا نَالَ الْفَتَى قَدْ نِلْتُهُ إِلَّا التَّحِيَّةَ
يُرِيدُ أَنَّهُ بَلَغَ غَايَةَ الْمَجْدِ سِوَى الْمُلْكِ . وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11880الْمَعَرِّيُّ بِقَوْلِهِ :
تَحِيَّةُ كِسْرَى فِي الثَّنَاءِ وَتُبَّعِ لِرَبْعِكِ لَا أَرْضَى تَحِيَّةَ أَرْبُعِ
.
وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ : عَلَّمَ اللَّهُ بِهَا أَنْ يَرُدُّوا عَلَى الْمُسَلِّمِ بِأَحْسَنَ مِنْ سَلَامِهِ أَوْ بِمَا يُمَاثِلُهُ ، لِيَبْطُلَ مَا كَانَ بَيْنَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَفَاوُتِ السَّادَةِ وَالدَّهْمَاءِ .
وَتَكُونُ التَّحِيَّةُ أَحْسَنَ بِزِيَادَةِ الْمَعْنَى ، فَلِذَلِكَ قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=25فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ : إِنَّ تَحِيَّةَ
إِبْرَاهِيمَ كَانَتْ أَحْسَنَ إِذْ عَبَّرَ عَنْهَا بِمَا هُوَ أَقْوَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُوَ رَفْعُ الْمَصْدَرِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَتَنَاسِي الْحُدُوثِ الْمُؤْذِنِ بِهِ نَصْبُ الْمَصْدَرِ ، وَلَيْسَ فِي لُغَةِ
إِبْرَاهِيمَ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ مِنْ بَدِيعِ التَّرْجَمَةِ .
" وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي تَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ، وَفِي رَدِّهَا وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الظَّرْفِ فِيهِ لِلِاهْتِمَامِ بِضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ .
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : إِنَّ الْوَاوَ فِي رَدِّ السَّلَامِ تُفِيدُ مَعْنَى الزِّيَادَةِ فَلَوْ كَانَ الْمُسَلِّمُ بَلَغَ غَايَةَ التَّحِيَّةِ أَنْ يَقُولَ :
[ ص: 147 ] السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَإِذَا قَالَ الرَّادُّ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ إِلَخْ ، كَانَ قَدْ رَدَّهَا بِأَحْسَنَ مِنْهَا بِزِيَادَةِ الْوَاوِ ، وَهَذَا وَهْمٌ .
وَمَعْنَى " رُدُّوهَا " رُدُّوا مِثْلَهَا ، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ : عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ ، لِظُهُورِ تَعَذُّرِ رَدِّ ذَاتِ التَّحِيَّةِ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا فَعَادَ ضَمِيرُ " وَهُوَ " وَهَاءُ " يَرِثُهَا " إِلَى اللَّفْظَيْنِ لَا إِلَى الذَّاتَيْنِ ، وَدَلَّ الْأَمْرُ عَلَى وُجُوبِ رَدِّ السَّلَامِ ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى حُكْمِ الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ ، فَذَلِكَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ لِلتَّرْغِيبِ فِيهِ . وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا لَا يُقَدِّمُونَ اسْمَ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ الْمَجْرُورِ بِعَلَى فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ إِلَّا فِي الرِّثَاءِ ، فِي مِثْلِ قَوْلِ
عَبْدَةَ بْنِ الطَّيِّبِ :
عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ قَيْسُ بْنَ عَاصِمٍ وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا
وَفِي قَوْلِ
الشَّمَّاخِ :
عَلَيْكَ سَلَامٌ مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ
يَرْثِي
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَوْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ . رَوَى
أَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341557أَنَّ جَابِرَ بْنَ سُلَيْمٍ سَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ إِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى ، قُلِ : السَّلَامُ عَلَيْكَ .
وَالتَّذْيِيلُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=86nindex.php?page=treesubj&link=28975_28781إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا لِقَصْدِ الِامْتِنَانِ بِهَذِهِ التَّعْلِيمَاتِ النَّافِعَةِ .
وَالْحَسِيبُ : الْعَلِيمُ وَهُوَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ : مِنْ حَسِبَ بِكَسْرِ السِّينِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ ، فَحُوِّلَ إِلَى فَعُلَ بِضَمِّ عَيْنِهِ لَمَّا أُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْعِلْمَ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ لَهُ ، وَبِذَلِكَ نَقَصَتْ تَعْدِيَتُهُ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ ضُمِّنَ مَعْنَى الْمُحْصِي فَعُدِّيَ إِلَيْهِ بـِ " عَلَى " . وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ . قِيلَ : الْحَسِيبُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُحَاسِبِ ، كَالْأَكِيلِ وَالشَّرِيبِ . فَعَلَى كَلَامِهِمْ يَكُونُ التَّذْيِيلُ وَعْدًا بِالْجَزَاءِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِ رَدِّ السَّلَامِ ، أَوْ بِالْجَزَاءِ السَّيِّئِ عَلَى تَرْكِ الرَّدِّ مِنْ أَصْلِهِ . وَقَدْ أُكِّدَ وَصْفُ اللَّهِ بِحَسِيبٍ بِمُؤَكِّدَيْنِ : حَرْفُ " إِنَّ " وَفِعْلُ " كَانَ " الدَّالُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ مُقَرَّرٌ أَزَلِيٌّ .