جملة ومن يهاجر عطف على جملة إن الذين توفاهم الملائكة . و من شرطية . والمهاجرة في سبيل الله هي المهاجرة لأجل دين الله .
والسبيل استعارة معروفة ، وزادها قبولا أن المهاجرة نوع من السير ، فكان لذكر السبيل معها ضرب من التورية .
والمراغم اسم مكان من راغم إذا ذهب في الأرض ، وفعل راغم مشتق من الرغام بفتح الراء وهو التراب . أو هو من راغم غيره إذا غلبه وقهره ، ولعل أصله أنه أبقاه على الرغام ، أي التراب ، أي يجد مكانا يرغم فيه من أرغمه ، أي يغلب فيه قومه باستقلاله عنهم كما أرغموه بإكراهه على الكفر ، قال الحارث بن وعلة الذهلي :
لا تأمنن قوما ظلمتهم وبدأتهم بالشتم والرغم إن يأبروا نخلا لغيرهم
والشيء تحقره وقد ينمي
ومعنى المهاجرة إلى الله المهاجرة إلى الموضع الذي يرضاه الله . وعطف الرسول على اسم الجلالة للإشارة إلى خصوص الهجرة إلى المدينة للالتحاق بالرسول وتعزيز جانبه ، لأن الذي يهاجر إلى غير المدينة قد سلم من إرهاق الكفر ولم يحصل على نصرة الرسول ، ولذلك بادر أهل هجرة الحبشة إلى اللحاق بالرسول حين بلغهم مهاجره إلى المدينة .
ومعنى يدركه الموت . أي في الطريق ، ويجوز أن يكون المعنى : ثم يدركه الموت مهاجرا ، أي لا يرجع بعد هجرته إلى بلاد الكفر وهو الأصح .
وقد اختلف في الهجرة المرادة من هذه الآية : فقيل : الهجرة إلى المدينة ، وقيل : الهجرة إلى الحبشة . واختلف في المعني بالموصول من قوله ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله . فعند من قالوا : إن المراد الهجرة إلى المدينة قالوا المراد بمن يخرج رجل من المسلمين كان بقي بعد هجرة النبيء - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، فلما نزل قوله تعالى إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم إلى قوله وكان الله عفوا غفورا كتب بها النبيء - صلى الله عليه وسلم - إلى المسلمين من أهل مكة ، وكان هذا الرجل مريضا ، فقال : إني لذو مال وعبيد ، فدعا أبناءه وقال لهم : احملوني إلى المدينة . فحملوه على سرير ، فلما بلغ التنعيم توفي ، فنزلت هذه الآية فيه . وتعم أمثاله ، فهي عامة في سياق الشرط لا يخصصها سبب النزول .
وكان هذا الرجل من كنانة ، وقيل من خزاعة ، وقيل من جندع ، واختلف في اسمه على عشرة أقوال : جندب بن حمزة الجندعي ، حندج بن ضمرة الليثي الخزاعي . ضمرة بن بغيض الليثي ، ضمرة بن جندب الضمري ، ضمرة بن ضمرة بن نعيم . ضمرة من خزاعة ( كذا ) . ضمرة بن العيص . العيص بن ضمرة بن زنباع ، حبيب بن ضمرة ، أكثم بن صيفي .
[ ص: 182 ] والذين قالوا : إنها الهجرة إلى الحبشة قالوا : إن المعني بمن يخرج من بيته خالد بن حزام بن خويلد الأسدي ابن أخي خديجة أم المؤمنين ، خرج مهاجرا إلى الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات . وسياق الشرط يأبى هذا التفسير .