أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين .
أقبل على المؤمنين بالتحذير من موالاة الكافرين بعد أن شرح دخائلهم واستصناعهم للمنافقين لقصد أذى المسلمين ، فعلم السامع أنه لولا عداوة الكافرين لهذا الدين لما كان النفاق ، وما كانت تصاريف المنافقين ، فقال يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، فهي استئناف ابتدائي ، لأنها توجيه خطاب بعد الانتهاء من الإخبار عن المنافقين بطريق الغيبة . وهذه آية جامعة للتحذير من موالاة الكافرين والمنافقين ، ومن الوقوع في النفاق ، لأن المنافقين تظاهروا بالإيمان ووالوا الكافرين . فالتحذير من موالاة الكافرين تحذير من الاستشعار بشعار النفاق ، وتحذير من موالاة المنافقين الذين هم أولياء الكافرين . وتشهير بنفاق المنافقين ، وتسجيل عليهم أن لا يقولوا : كنا نجهل أن الله لا يحب موالاة الكافرين .
[ ص: 243 ] والظاهر أن المراد بالكافرين هنا مشركو مكة وأهل الكتاب من أهل المدينة ، لأن المنافقين كانوا في الأكثر موالين لأهل الكتاب .
وقوله أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا استئناف بياني ، لأن النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء مما يبعث الناس على معرفة جزاء هذا الفعل مع ما ذكرناه من قصد التشهير بالمنافقين والتسجيل عليهم ، أي أنكم إن استمررتم على موالاة الكافرين جعلتم لله عليكم سلطانا مبينا ، أي حجة واضحة على فساد إيمانكم ، فهذا تعريض بالمنافقين .
فالاستفهام مستعمل في معنى التحذير والإنذار مجازا مرسلا .
وهذا السلطان هو حجة الرسول عليهم بأنهم غير مؤمنين فتجري عليهم أحكام الكفر ، لأن الله عالم بما في نفوسهم لا يحتاج إلى حجة عليهم ، أو أريد حجة افتضاحهم يوم الحساب بموالاة الكافرين ، كقوله ليلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل . ومن هنا يجوز أيضا أن يكون المراد من الحجة قطع حجة من يرتكب هذه الموالاة والإعذار إليه .