nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28976_17085_25507_3441أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد .
أشعر كلام بعض المفسرين بالتوقف في توجيه اتصال قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أحلت لكم بهيمة الأنعام بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أوفوا بالعقود . ففي تلخيص
الكواشي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : المراد بالعقود ما بعد قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أحلت لكم بهيمة الأنعام اهـ . ويتعين أن يكون مراد
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما مبدؤه قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1إلا ما يتلى عليكم ) الآيات .
وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أحلت لكم بهيمة الأنعام تفصيل لمجمل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أوفوا بالعقود فتأويله أن مجموع الكلام تفصيل لا خصوص جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أحلت لكم بهيمة الأنعام ; فإن إباحة الأنعام ليست عقدا يجب الوفاء به إلا باعتبار ما بعده من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1إلا ما يتلى عليكم . وباعتبار إبطال ما حرم أهل الجاهلية باطلا مما شمله قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=103ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة الآيات .
والقول عندي أن جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أحلت لكم بهيمة الأنعام تمهيد لما سيرد بعدها من المنهيات : كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1غير محلي الصيد وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وتعاونوا على البر والتقوى التي هي من عقود شريعة الإسلام فكان الابتداء بذكر بعض المباح امتنانا وتأنيسا للمسلمين ، ليتلقوا التكاليف بنفوس مطمئنة ;
[ ص: 78 ] فالمعنى : إن حرمنا عليكم أشياء فقد أبحنا لكم أكثر منها ، وإن ألزمناكم أشياء فقد جعلناكم في سعة من أشياء أوفر منها ، ليعلموا أن الله ما يريد منهم إلا صلاحهم واستقامتهم .
فجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أحلت لكم بهيمة الأنعام مستأنفة استئنافا ابتدائيا لأنها تصدير للكلام بعد عنوانه .
والبهيمة : الحيوان البري من ذوي الأربع إنسيها ووحشيها ، عدا السباع ، فتشمل بقر الوحش والظباء . وإضافة بهيمة إلى الأنعام من إضافة العام للخاص ، وهي بيانية كقولهم : ذباب النحل ومدينة
بغداد . فالمراد الأنعام خاصة ، لأنها غالب طعام الناس ، وأما الوحش فداخل في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1غير محلي الصيد وأنتم حرم ، وهي هنا لدفع توهم أن يراد من الأنعام خصوص الإبل لغلبة إطلاق اسم الأنعام عليها ، فذكرت ( بهيمة ) لشمول أصناف الأنعام الأربعة : الإبل ، والبقر ، والغنم ، والمعز .
والإضافة البيانية على معنى ( من ) التي للبيان ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فاجتنبوا الرجس من الأوثان .
والاستثناء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1إلا ما يتلى عليكم من عموم الذوات والأحوال ، ( وما يتلى ) هو ما سيفصل عند قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة ، وكذلك قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1غير محلي الصيد وأنتم حرم ، الواقع حالا من ضمير الخطاب في قوله ( أحلت لكم ) ، وهو حال مقيد معنى الاستثناء من عموم أحوال وأمكنة ، لأن الحرم جمع حرام مثل رداح على ردح . وسيأتي تفصيل هذا الوصف عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس في هذه السورة .
والحرام وصف لمن أحرم بحج أو عمرة ، أي نواهما . ووصف أيضا لمن كان حالا في الحرم ، ومن إطلاق المحرم على الحال بالحرم قول
الراعي :
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما
أي حالا بحرم
المدينة .
[ ص: 79 ] والحرم : هو المكان المحدود المحيط
بمكة من جهاتها على حدود معروفة ، وهو الذي لا يصاد صيده ولا يعضد شجره ولا تحل لقطته ، وهو المعروف الذي حدده
إبراهيم عليه السلام ونصب أنصابا تعرف بها حدوده ، فاحترمه العرب ، وكان
قصي قد جددها ، واستمرت إلى أن بدا
لقريش أن ينزعوها ، وذلك في مدة إقامة النبيء - صلى الله عليه وسلم -
بمكة ، واشتد ذلك على رسول الله ، ثم إن
قريشا لم يلبثوا أن أعادوها كما كانت . ولما كان عام فتح
مكة بعث النبيء عليه الصلاة والسلام
تميم بن أسد الخزاعي فجددها ، ثم أحياها ، وأوضحها
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب في خلافته سنة سبع عشرة ، فبعث لتجديد
nindex.php?page=treesubj&link=24108حدود الحرم أربعة من
قريش كانوا يتبدون في بوادي
مكة ، وهم :
nindex.php?page=showalam&ids=7839مخرمة بن نوفل الزهري ، nindex.php?page=showalam&ids=3531وسعيد بن يربوع المخزومي ، nindex.php?page=showalam&ids=2207وحويطب بن عبد العزى العامري ، وأزهر بن عوف الزهري ، فأقاموا أنصابا جعلت علامات على تخطيط الحرم على حسب الحدود التي حددها النبيء - صلى الله عليه وسلم - وتبتدئ من
الكعبة فتذهب للماشي إلى
المدينة نحو أربعة أميال إلى
التنعيم ، والتنعيم ليس من الحرم ، وتمد في طريق الذاهب إلى
العراق ثمانية أميال فتنتهي إلى موضع يقال له :
المقطع ، وتذهب في طريق
الطائف تسعة - بتقديم المثناة - أميال فتنتهي إلى
الجعرانة ، ومن جهة
اليمن سبعة - بتقديم السين - فينتهي إلى
أضاة لبن ، ومن طريق
جدة عشرة أميال فينتهي إلى آخر
الحديبية ، والحديبية داخلة في الحرم . فهذا الحرم يحرم صيده ، كما يحرم الصيد على المحرم بحج أو عمرة .
فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95وأنتم حرم ) يجوز أن يراد به محرمون ، فيكون تحريما للصيد على المحرم : سواء كان في الحرم أم في غيره ، ويكون تحريم صيد الحرم لغير المحرم ثابتا بالسنة ، ويجوز أن يكون المراد به : محرمون وحالون في الحرم ، ويكون من استعمال اللفظ في معنيين يجمعهما قدر مشترك بينهما وهو الحرمة ، فلا يكون من استعمال المشترك في معنييه إن قلنا بعدم صحة استعماله فيهما ، أو يكون من استعماله فيهما ، على رأي من يصحح ذلك ، وهو الصحيح ، كما قدمناه في المقدمة التاسعة .
[ ص: 80 ] وقد تفنن الاستثناء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1إلا ما يتلى عليكم وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1غير محلي الصيد ، فجيء بالأول بأداة الاستثناء ، وبالثاني بالحالين الدالين على مغايرة الحالة المأذون فيها ، والمعنى : إلا الصيد في حالة كونكم محرمين ، أو في حالة الإحرام .
وإنما تعرض لحكم الصيد للمحرم هنا لمناسبة كونه مستثنى من بهيمة الأنعام في حال خاص ، فذكر هنا لأنه تحريم عارض غير ذاتي ، ولولا ذلك لكان موضع ذكره مع الممنوعات المتعلقة بحكم الحرم والإحرام عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله الآية . والصيد يجوز أن يكون هنا مصدرا على أصله ، وأن يكون مطلقا على اسم المفعول : كالخلق على المخلوق ، وهو إطلاق شائع أشهر من إطلاقه على معناه الأصلي ، وهو الأنسب هنا لتكون مواقعه في القرآن على وتيرة واحدة ، فيكون التقدير : غير محلي إصابة لصيد .
والصيد بمعنى المصدر : إمساك الحيوان الذي لا يألف ، باليد أو بوسيلة ممسكة ، أو جارحة : كالشباك ، والحبائل ، والرماح ، والسهام ، والكلاب ، والبزاة ; وبمعنى المفعول هو المصيد .
وانتصب ( غير ) على الحال من الضمير المجرور في قوله ( لكم ) . وجملة ( وأنتم حرم ) في موضع الحال من ضمير ( محلي ) ، وهذا نسج بديع في نظم الكلام استفيد منه إباحة وتحريم : فالإباحة في حال عدم الإحرام ، والتحريم له في حال الإحرام .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1إن الله يحكم ما يريد تعليل لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أوفوا بالعقود ، أي لا يصرفكم عن الإيفاء بالعقود أن يكون فيما شرعه الله لكم شيء من ثقل عليكم ، لأنكم عاقدتم على عدم العصيان ، وعلى السمع والطاعة لله ، والله يحكم ما يريد لا ما تريدون أنتم . والمعنى أن الله أعلم بصالحكم منكم .
[ ص: 81 ] وذكر
ابن عطية : أن
النقاش حكى : أن أصحاب
الكندي قالوا له : أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن ، قال : نعم أعمل لكم مثل بعضه ، فاحتجب عنهم أياما ثم خرج فقال : والله ما أقدر عليه ، ولا يطيق هذا أحد ، إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد أمر بالوفاء ونهى عن النكث وحلل تحليلا عاما ثم استثنى استثناء بعد استثناء ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يستطيع أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد . جمع جلد أي أسفار .
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28976_17085_25507_3441أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ .
أَشْعَرَ كَلَامُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ بِالتَّوَقُّفِ فِي تَوْجِيهِ اتِّصَالِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أَوْفُوا بِالْعُقُودِ . فَفِي تَلْخِيصِ
الْكَوَاشِيِّ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : الْمُرَادُ بِالْعُقُودِ مَا بَعْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ اهـ . وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَا مَبْدَؤُهُ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ) الْآيَاتِ .
وَأَمَّا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ تَفْصِيلٌ لِمُجْمَلِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ مَجْمُوعَ الْكَلَامِ تَفْصِيلٌ لَا خُصُوصُ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ; فَإِنَّ إِبَاحَةَ الْأَنْعَامِ لَيْسَتْ عَقْدًا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ إِلَّا بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ . وَبِاعْتِبَارِ إِبْطَالِ مَا حَرَّمَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ بَاطِلًا مِمَّا شَمَلَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=103مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ الْآيَاتِ .
وَالْقَوْلُ عِنْدِي أَنَّ جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ تَمْهِيدٌ لِمَا سَيَرِدُ بَعْدَهَا مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ : كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى الَّتِي هِيَ مِنْ عُقُودِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ الِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ بَعْضِ الْمُبَاحِ امْتِنَانًا وَتَأْنِيسًا لِلْمُسْلِمِينَ ، لِيَتَلَقَّوُا التَّكَالِيفَ بِنُفُوسٍ مُطْمَئِنَّةٍ ;
[ ص: 78 ] فَالْمَعْنَى : إِنْ حَرَّمْنَا عَلَيْكُمْ أَشْيَاءَ فَقَدْ أَبَحْنَا لَكُمْ أَكْثَرَ مِنْهَا ، وَإِنْ أَلْزَمْنَاكُمْ أَشْيَاءَ فَقَدْ جَعَلْنَاكُمْ فِي سَعَةٍ مِنْ أَشْيَاءَ أَوْفَرَ مِنْهَا ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَا يُرِيدُ مِنْهُمْ إِلَّا صَلَاحَهُمْ وَاسْتِقَامَتَهُمْ .
فَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِأَنَّهَا تَصْدِيرٌ لِلْكَلَامِ بَعْدَ عُنْوَانِهِ .
وَالْبَهِيمَةُ : الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ مِنْ ذَوِي الْأَرْبَعِ إِنْسِيِّهَا وَوَحْشِيِّهَا ، عَدَا السِّبَاعِ ، فَتَشْمَلُ بَقْرَ الْوَحْشِ وَالظِّبَاءِ . وَإِضَافَةُ بَهِيمَةٍ إِلَى الْأَنْعَامِ مِنْ إِضَافَةِ الْعَامِّ لِلْخَاصِّ ، وَهِيَ بَيَانِيَّةٌ كَقَوْلِهِمْ : ذُبَابُ النَّحْلِ وَمَدِينَةُ
بَغْدَادَ . فَالْمُرَادُ الْأَنْعَامُ خَاصَّةً ، لِأَنَّهَا غَالِبُ طَعَامِ النَّاسِ ، وَأَمَّا الْوَحْشُ فَدَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ، وَهِيَ هُنَا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ مِنَ الْأَنْعَامِ خُصُوصُ الْإِبِلِ لِغَلَبَةِ إِطْلَاقِ اسْمِ الْأَنْعَامِ عَلَيْهَا ، فَذُكِرَتْ ( بَهِيمَةُ ) لِشُمُولِ أَصْنَافِ الْأَنْعَامِ الْأَرْبَعَةِ : الْإِبِلِ ، وَالْبَقَرِ ، وَالْغَنَمِ ، وَالْمَعِزِ .
وَالْإِضَافَةُ الْبَيَانِيَّةُ عَلَى مَعْنَى ( مِنْ ) الَّتِي لِلْبَيَانِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ .
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ عُمُومِ الذَّوَاتِ وَالْأَحْوَالِ ، ( وَمَا يُتْلَى ) هُوَ مَا سَيُفَصَّلُ عِنْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ، الْوَاقِعُ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ ( أُحِلَّتْ لَكُمْ ) ، وَهُوَ حَالٌ مُقَيِّدٌ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ عُمُومِ أَحْوَالٍ وَأَمْكِنَةٍ ، لِأَنَّ الْحُرُمَ جَمْعُ حَرَامٍ مِثْلُ رَدَاحٍ عَلَى رُدُحٍ . وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ هَذَا الْوَصْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ .
وَالْحَرَامُ وَصْفٌ لِمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ، أَيْ نَوَاهُمَا . وَوَصْفٌ أَيْضًا لِمَنْ كَانَ حَالًّا فِي الْحَرَمِ ، وَمِنْ إِطْلَاقِ الْمُحْرِمِ عَلَى الْحَالِّ بِالْحَرَمِ قَوْلُ
الرَّاعِي :
قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا
أَيْ حَالًّا بِحَرَمِ
الْمَدِينَةِ .
[ ص: 79 ] وَالْحَرَمُ : هُوَ الْمَكَانُ الْمَحْدُودُ الْمُحِيطُ
بِمَكَّةَ مِنْ جِهَاتِهَا عَلَى حُدُودٍ مَعْرُوفَةٍ ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُصَادُ صَيْدُهُ وَلَا يُعْضِدُ شَجَرُهُ وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي حَدَّدَهُ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنَصَبَ أَنْصَابًا تُعْرَفُ بِهَا حُدُودُهُ ، فَاحْتَرَمَهُ الْعَرَبُ ، وَكَانَ
قُصَيٌّ قَدْ جَدَّدَهَا ، وَاسْتَمَرَّتْ إِلَى أَنْ بَدَا
لِقُرَيْشٍ أَنْ يَنْزِعُوهَا ، وَذَلِكَ فِي مُدَّةِ إِقَامَةِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِمَكَّةَ ، وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، ثُمَّ إِنَّ
قُرَيْشًا لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ أَعَادُوهَا كَمَا كَانَتْ . وَلَمَّا كَانَ عَامُ فَتْحِ
مَكَّةَ بَعَثَ النَّبِيءُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
تَمِيمَ بْنَ أَسَدٍ الْخُزَاعِيَّ فَجَدَّدَهَا ، ثُمَّ أَحْيَاهَا ، وَأَوْضَحَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي خِلَافَتِهِ سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ ، فَبَعَثَ لِتَجْدِيدِ
nindex.php?page=treesubj&link=24108حُدُودِ الْحَرَمِ أَرْبَعَةً مِنْ
قُرَيْشٍ كَانُوا يَتَبَدَّوْنَ فِي بِوَادِي
مَكَّةَ ، وَهُمْ :
nindex.php?page=showalam&ids=7839مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=3531وَسَعِيدُ بْنُ يَرْبُوعٍ الْمَخْزُومِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=2207وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى الْعَامِرِيُّ ، وَأَزْهَرُ بْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ ، فَأَقَامُوا أَنْصَابًا جُعِلَتْ عَلَامَاتٍ عَلَى تَخْطِيطِ الْحَرَمِ عَلَى حَسَبِ الْحُدُودِ الَّتِي حَدَّدَهَا النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَبْتَدِئُ مِنَ
الْكَعْبَةِ فَتَذْهَبُ لِلْمَاشِي إِلَى
الْمَدِينَةِ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ إِلَى
التَّنْعِيمِ ، وَالتَّنْعِيمُ لَيْسَ مِنَ الْحَرَمِ ، وَتُمَدُّ فِي طَرِيقِ الذَّاهِبِ إِلَى
الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةَ أَمْيَالٍ فَتَنْتَهِي إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ :
الْمَقْطَعُ ، وَتَذْهَبُ فِي طَرِيقِ
الطَّائِفِ تِسْعَةَ - بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ - أَمْيَالٍ فَتَنْتَهِي إِلَى
الْجُعْرَانَةِ ، وَمِنْ جِهَةِ
الْيَمَنِ سَبْعَةً - بِتَقْدِيمِ السِّينِ - فَيَنْتَهِي إِلَى
أَضَاةِ لِبْنٍ ، وَمِنْ طَرِيقِ
جُدَّةَ عَشَرَةَ أَمْيَالٍ فَيَنْتَهِي إِلَى آخِرِ
الْحُدَيْبِيَةِ ، وَالْحُدَيْبِيَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْحَرَمِ . فَهَذَا الْحَرَمُ يَحْرُمُ صَيْدُهُ ، كَمَا يَحْرُمُ الصَّيْدُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ .
فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مُحْرِمُونَ ، فَيَكُونُ تَحْرِيمًا لِلصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ : سَوَاءً كَانَ فِي الْحَرَمِ أَمْ فِي غَيْرِهِ ، وَيَكُونُ تَحْرِيمُ صَيْدِ الْحَرَمِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ : مُحْرِمُونَ وَحَالُّونَ فِي الْحَرَمِ ، وَيَكُونُ مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْنِ يَجْمَعُهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْحُرْمَةُ ، فَلَا يَكُونُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ إِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِمَا ، أَوْ يَكُونُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِمَا ، عَلَى رَأْيِ مَنْ يُصَحِّحُ ذَلِكَ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ .
[ ص: 80 ] وَقَدْ تَفَنَّنَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ ، فَجِيءَ بِالْأَوَّلِ بِأَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَبِالثَّانِي بِالْحَالَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى مُغَايَرَةِ الْحَالَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا ، وَالْمَعْنَى : إِلَّا الصَّيْدَ فِي حَالَةِ كَوْنِكُمْ مُحْرِمِينَ ، أَوْ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ .
وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لِحُكْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ هُنَا لِمُنَاسَبَةِ كَوْنِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي حَالٍ خَاصٍّ ، فَذُكِرَ هُنَا لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ عَارِضٌ غَيْرُ ذَاتِيٍّ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مَوْضِعُ ذِكْرِهِ مَعَ الْمَمْنُوعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُكْمِ الْحُرُمِ وَالْإِحْرَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ الْآيَةَ . وَالصَّيْدُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَا مَصْدَرًا عَلَى أَصْلِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ : كَالْخَلْقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ أَشْهَرُ مِنْ إِطْلَاقِهِ عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ هُنَا لِتَكُونَ مَوَاقِعُهُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : غَيْرَ مُحِلِّي إِصَابَةً لِصَيْدٍ .
وَالصَّيْدُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ : إِمْسَاكُ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَأْلَفُ ، بِالْيَدِ أَوْ بِوَسِيلَةٍ مُمْسِكَةٍ ، أَوْ جَارِحَةٍ : كَالشِّبَاكِ ، وَالْحَبَائِلِ ، وَالرِّمَاحِ ، وَالسِّهَامِ ، وَالْكِلَابِ ، وَالْبُزَاةِ ; وَبِمَعْنَى الْمَفْعُولِ هُوَ الْمَصِيدُ .
وَانْتَصَبَ ( غَيْرَ ) عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ ( لَكُمْ ) . وَجُمْلَةُ ( وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ ( مُحِلِّي ) ، وَهَذَا نَسْجٌ بَدِيعٌ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ اسْتُفِيدَ مِنْهُ إِبَاحَةٌ وَتَحْرِيمٌ : فَالْإِبَاحَةُ فِي حَالِ عَدَمِ الْإِحْرَامِ ، وَالتَّحْرِيمُ لَهُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، أَيْ لَا يَصْرِفُكُمْ عَنِ الْإِيفَاءِ بِالْعُقُودِ أَنْ يَكُونَ فِيمَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَكُمْ شَيْءٌ مِنْ ثِقَلٍ عَلَيْكُمْ ، لِأَنَّكُمْ عَاقَدْتُمْ عَلَى عَدَمِ الْعِصْيَانِ ، وَعَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلَّهِ ، وَاللَّهُ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ لَا مَا تُرِيدُونَ أَنْتُمْ . وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِصَالِحِكُمْ مِنْكُمْ .
[ ص: 81 ] وَذَكَرَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : أَنَّ
النَّقَّاشَ حَكَى : أَنَّ أَصْحَابَ
الْكِنْدِيِّ قَالُوا لَهُ : أَيُّهَا الْحَكِيمُ اعْمَلْ لَنَا مِثْلَ هَذَا الْقُرْآنِ ، قَالَ : نَعَمْ أَعْمَلُ لَكُمْ مِثْلَ بَعْضِهِ ، فَاحْتَجَبَ عَنْهُمْ أَيَّامًا ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَلَا يُطِيقُ هَذَا أَحَدٌ ، إِنِّي فَتَحْتُ الْمُصْحَفَ فَخَرَجَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ وَنَهَى عَنِ النَّكْثِ وَحَلَّلَ تَحْلِيلًا عَامًّا ثُمَّ اسْتَثْنَى اسْتِثْنَاءً بَعْدَ اسْتِثْنَاءٍ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي سَطْرَيْنِ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا إِلَّا فِي أَجْلَادٍ . جَمْعُ جِلْدٍ أَيْ أَسْفَارٍ .