فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين
تقدم تفسير نظير هذه الآية إلى قوله ونصحت لكم من قصة ثمود . وتقدم [ ص: 15 ] وجه التعبير بـ رسالات بصيغة الجمع في نظيرها من قصة قوم نوح .
ونداؤه قومه نداء تحسر وتبرؤ من عملهم ، وهو مثل لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا وجاء بالاستفهام الإنكاري في قوله : فكيف آسى على قوم كافرين مخاطبا نفسه على طريقة التجريد ، إذ خطر له خاطر الحزن عليهم فدفعه عن نفسه بأنهم لا يستحقون أن يؤسف عليهم ؛ لأنهم اختاروا ذلك لأنفسهم ، ولأنه لم يترك من تحذيرهم ما لو ألقاه إليهم لأقلعوا عما هم فيه فلم يبق ما يوجب أسفه وندامته كقوله - تعالى - : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا وقوله فلا تذهب نفسك عليهم حسرات . قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - بعد وقعة بدر . حين وقف على القليب الذي ألقي فيه قتلى المشركين فناداهم بأسماء صناديدهم ، ثم قال :
فالفاء في فكيف آسى على قوم كافرين للتفريع على قوله لقد أبلغتكم إلخ . . . فرع الاستفهام الإنكاري على ذلك لأنه لما أبلغهم ونصح لهم وأعرضوا عنه ، فقد استحقوا غضب من يغضب لله ، وهو الرسول ويرى استحقاقهم العقاب فكيف يحزن عليهم لما أصابهم من العقوبة .
والأسى : شدة الحزن ، وفعله كرضي ، وآسى مضارع مفتتح بهمزة التكلم ، فاجتمع همزتان .
ويجوز أن يكون الاستفهام الإنكاري موجها إلى نفسه في الظاهر ، والمقصود نهي من معه من المؤمنين عن الأسى على قومهم الهالكين ، إذ يجوز أن يحصل في نفوسهم حزن على هلكى قومهم وإن كانوا قد استحقوا الهلاك .
وقوله : على قوم كافرين إظهار في مقام الإضمار : ليتأتى وصفهم بالكفر زيادة في تعزية نفسه وترك الحزن عليهم .
وقد شعيبا مما حل بقومه بأن فارق ديار العذاب ، قيل : إنه خرج مع من آمن به إلى نجى الله مكة واستقروا بها إلى أن توفوا ، والأظهر أنهم سكنوا محلة خاصة بهم في بلدهم رفع الله عنها العذاب ، فإن بقية مدين لم يزالوا بأرضهم ، وقد ذكرت التوراة أن شعيبا كان بأرض قومه حينما مرت بنو إسرائيل على ديارهم في خروجهم من مصر .