[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم  
قال الشيخ الإمام   أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري  رحمه الله : الحمد لله الكريم الوهاب ، هازم الأحزاب ، ومفتح الأبواب ، ومنشئ السحاب ، ومرسي الهضاب ، ومنزل الكتاب ، في حوادث مختلفة الأسباب . أنزله مفرقا نجوما وأودعه أحكاما وعلوما قال عز من قائل : (  وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا      ) .  
أخبرنا الشيخ  أبو بكر أحمد بن محمد الأصفهاني ،  ، أخبرنا  عبد الله بن محمد بن حيان  ، حدثنا  أبو يحيى الرازي  ، حدثنا   سهل بن عثمان العسكري  ، حدثنا   يزيد بن زريع  ، حدثنا  أبو رجاء  قال : سمعت  الحسن  يقول في قوله تعالى : (  وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث      ) ذكر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة ، أنزل عليه  بمكة   ثماني سنين قبل أن يهاجر  وبالمدينة   عشر سنين .  
أخبرنا  أحمد  ، أخبرنا  عبد الله  ، أخبرنا  أبو يحيى الرازي  ، حدثنا  سهل  ، حدثنا   يحيى بن أبي بكير  ، عن  هشيم  عن  داود  ، عن   الشعبي  قال : فرق الله تنزيله ، فكان بين أوله وآخره عشرون أو نحو من عشرين سنة . أنزله قرآنا عظيما ، وذكرا حكيما ، وحبلا ممدودا ، وعهدا معهودا ، وظلا عميما ، وصراطا مستقيما ، فيه معجزات باهرة ، وآيات ظاهرة ، وحجج صادقة ، ودلالات ناطقة ، أدحض به حجج المبطلين ، ورد به كيد الكائدين ، وقوي به الإسلام والدين ، فلحب منهاجه ، وثقب سراجه ، وشملت بركته ، وبلغت حكمته - على خاتم الرسالة ، والصادع بالدلالة ، الهادي للأمة ، الكاشف للغمة ، الناطق بالحكمة ، المبعوث بالرحمة ، فرفع أعلام الحق ، وأحيا معالم الصدق ، ودمغ الكذب ومحا آثاره ، وقمع الشرك وهدم مناره ، ولم يزل يعارض ببيناته [ أباطيل ] المشركين حتى مهد الدين ، وأبطل شبه الملحدين . صلى الله عليه صلاة لا ينتهي أمدها ، ولا ينقطع مددها ، وعلى آله وأصحابه الذين هداهم وطهرهم ، وبصحبته خصهم وآثرهم ، وسلم كثيرا .  
وبعد هذا ، فإن علوم القرآن غزيرة ، وضروبها جمة كثيرة ، يقصر عنها القول وإن كان بالغا ، ويتقلص عنها ذيله وإن كان سابغا ، وقد سبقت لي - ولله الحمد - مجموعات تشتمل على أكثرها ، وتنطوي على غررها ، وفيها لمن رام الوقوف عليها مقنع وبلاغ ، وعما عداها من جميع المصنفات غنية وفراغ ؛ لاشتمالها على عظمها متحققا وتأديته إلى متأمله متسقا . غير أن الرغبات اليوم عن علوم القرآن صادفة كاذبة فيها ، قد عجزت قوى الملام عن      [ ص: 6 ] تلافيها ، فآل الأمر بنا إلى إفادة المبتدئين بعلوم الكتاب ، إبانة ما أنزل فيه من الأسباب . إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها ، وأولى ما تصرف العناية إليها ؛ لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها ، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها .  
ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب ، إلا بالرواية والسماع   ممن شاهدوا التنزيل ، ووقفوا على الأسباب ، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب . وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار ، في هذا العلم بالنار .  
أخبرنا  أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ  ، أخبرنا  أبو الحسين محمد بن أحمد بن حامد العطار  ، حدثنا   أحمد بن الحسن بن عبد الجبار  ، حدثنا  ليث بن حماد  حدثنا  أبو عوانة  ، عن  عبد الأعلى  ، عن   سعيد بن جبير  ، عن   ابن عباس  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "  اتقوا الحديث [ عني ] إلا ما علمتم ؛ فإنه  من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار   ،  ومن كذب على القرآن من غير علم   فليتبوأ مقعده من النار     "  
والسلف الماضون ، رحمهم الله كانوا في أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية .  
أخبرنا  أبو نصر أحمد بن عبيد الله المخلدي  ، أخبرنا   أبو عمرو بن نجيد  أخبرنا  أبو مسلم  ، حدثنا  عبد الرحمن بن حماد  ، حدثنا  ابن عون  ،  عن   محمد بن سيرين  قال : سألت  عبيدة  عن آية من القرآن فقال : اتق الله وقل سدادا ، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن     .  
وأما اليوم فكل أحد يخترع شيئا ويختلق إفكا وكذبا . ملقيا زمامه إلى الجهالة ، غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب [ نزول ] الآية . وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب ، الجامع للأسباب ؛ لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول [ هذا ] القرآن : فيعرفوا الصدق ، ويستغنوا عن التمويه والكذب ، ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب .  
ولا بد من القول أولا في مبادئ الوحي ، وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعهد  جبريل   إياه بالتنزيل ، والكشف عن تلك الأحوال ، والقول فيها على طريق الإجمال .  
ثم نفرغ للقول مفصلا في سبب نزول كل آية روي لها سبب مقول ، مروي منقول . والله تعالى الموفق للصواب والسدد ، والآخذ بنا عن العاثور إلى الجدد .  
 [ ص: 7 ] 
				
						
						
