757 - أخبرنا أحمد بن عبيد الله المخلدي قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن زياد الدقاق قال : حدثنا قال : حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة محمد بن يحيى العتكي قال : حدثنا قال : حدثنا المعتمر بن سليمان داود الطفاوي قال : حدثنا أبو مسلم البجلي قال : سمعت يقول : زيد بن أرقم محمد ، يا محمد ، فأنزل الله تعالى : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) أتى ناس النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلموا ، فجعلوا ينادونه وهو في الحجرة : يا
758 - وقال محمد بن إسحاق وغيره : نزلت في جفاة بني تميم ، قدم وفد منهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخلوا المسجد ، فنادوا النبي - صلى الله عليه وسلم - من وراء حجرته : أن اخرج إلينا يا محمد ، فإن مدحنا زين ، وإن ذمنا شين ، فآذى ذلك من صياحهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج إليهم ، فقالوا : إنا جئناك يا محمد نفاخرك ، ونزل فيهم : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) وكان فيهم الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن ، والزبرقان بن بدر ، وقيس بن عاصم .
759 - وكانت قصة هذه المفاخرة على ما أخبرناه قال : أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرئ الحسن بن محمد بن الحسن السدوسي قال : حدثني الحسن بن صالح بن هانئ قال : حدثنا قال : حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب قاسم بن أبي شيبة قال : حدثنا معلى بن عبد الرحمن قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن عمر بن الحكم ، عن قال : جابر بن عبد الله بنو تميم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنادوا على الباب : يا محمد ، اخرج إلينا ، فإن مدحنا زين ، وإن ذمنا شين . فسمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فخرج إليهم وهو [ ص: 201 ] يقول : " إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين " ، فقالوا : نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ولكن هاتوا " ، فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم قم فاذكر فضلك وفضل قومك ، فقام فقال : الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه ، وآتانا أموالا نفعل فيها ما نشاء ، فنحن من خير أهل الأرض ، ومن أكثرهم عدة ومالا وسلاحا ، فمن أنكر علينا قولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا ، وفعال هي خير من فعالنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قم فأجبه " ، فقام فقال : الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به ، وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن لثابت بن قيس بن شماس محمدا عبده ورسوله ، دعا المهاجرين من بني عمه - أحسن الناس وجوها وأعظمهم أحلاما - فأجابوه ، فالحمد لله الذي جعلنا أنصاره ووزراء رسوله وعزا لدينه ، فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، فمن قالها منع منا نفسه وماله ، ومن أباها قتلناه ، وكان رغمه في الله تعالى علينا هينا ، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات ، فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبانهم : قم يا فلان ؛ فقل أبياتا تذكر فيها فضلك وفضل قومك ، فقام الشاب فقال :
نحن الكرام فلا حي يعادلنا فينا الرءوس وفينا تقسم الربع ونطعم الناس عند القحط كلهم
من السديف إذا لم يؤنس القزع إذا أبينا فلا يأبى لنا أحد
إنا كذلك عند الفخر نرتفع
قال : فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى فانطلق إليه الرسول فقال : وما يريد مني وقد كنت عنده ؟ قال : جاءت حسان بن ثابت ، بنو تميم بشاعرهم وخطيبهم ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجابهم ، وتكلم شاعرهم ، فأرسل إليك تجيبه . فجاء ثابت بن قيس حسان ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجيبه فقال حسان : [ يا رسول الله مره فليسمعني ما قال ، فأنشده ما قال ، فقال حسان ] :
نصرنا رسول الله والدين عنوة على رغم باد من معد وحاضر
ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى إذا طاب ورد الموت بين العساكر
ونضرب هام الدارعين وننتمي إلى حسب من جذم غسان قاهر
فلولا حياء الله قلنا تكرما على الناس بالخيفين هل من منافر
فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى وأمواتنا من خير أهل المقابر
قال : فقام الأقرع بن حابس فقال : إني والله لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء ، وقد قلت شعرا فاسمعه ، فقال : هات ، فقال :
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا إذا فاخرونا عند ذكر المكارم
وإنا رءوس الناس في كل معشر وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
[ ص: 202 ] وإن لنا المرباع في كل غارة تكون بنجد أو بأرض التهائم
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قم يا حسان فأجبه " . فقام حسان ، فقال :
بني دارم لا تفخروا إن فخركم يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم لنا خول من بين ظئر وخادم
وأفضل ما نلتم من المجد والعلى ردافتنا من بعد ذكر الأكارم
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم وأموالكم أن تقسموا في المقاسم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا ولا تفخروا عند النبي بدارم
وإلا ورب البيت مالت أكفنا على هامكم بالمرهفات الصوارم
قال : فقام الأقرع بن حابس فقال : إن محمدا لمؤتى له ، والله ما أدري ما هذا الأمر ! تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر ، ثم دنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما يضرك ما كان قبل هذا " ، ثم أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكساهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله هذه الآية : ( لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) إلى قوله : ( وأجر عظيم ) . جاءت