قوله تعالى : فليأتنا بآية كما أرسل الأولون .
ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن الكفار اقترحوا على نبينا أن يأتيهم بآية كآيات الرسل قبله ؛ نحو ناقة صالح ، وعصى موسى ، وريح سليمان ، وإحياء عيسى للأموات ، وإبرائه الأكمه والأبرص ، ونحو ذلك . وإيضاح وجه التشبيه في قوله : كما أرسل الأولون هو أنه في معنى : كما أتى الأولون بالآيات ؛ لأن إرسال الرسل متضمن للإتيان بالآيات . فقولك أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالمعجزة . وقد بين تعالى أن الآيات التي اقترحوها لو جاءتهم ما آمنوا ، وأنها لو جاءتهم وتمادوا على كفرهم أهلكهم الله بعذاب مستأصل ، كما أهلك قوم صالح لما عقروا الناقة . كقوله تعالى : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها الآية [ 17 \ 59 ] وكقوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون [ 6 \ 109 ] . وأشار إلى ذلك هنا في قوله : ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون [ 21 \ 6 ] يعني أن الأمم الذين اقترحوا الآيات من قبلهم وجاءتهم رسلهم بما اقترحوا لم يؤمنوا ، بل تمادوا فأهلكهم الله ، وأنتم أشد منهم عتوا وعنادا . فلو جاءكم ما اقترحتم ما آمنتم ، فهلكتم كما هلكوا . وقال تعالى : إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية [ 10 \ 96 - 97 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وبين أنهم جاءتهم آية هي أعظم الآيات ، فيستحق من لم يكتف بها التقريع والتوبيخ ، وذلك في قوله : وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن الآية [ 29
- 51 ] . وقد ذكرنا أن هذا المعنى يشير إليه قوله : وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في [ ص: 137 ] الصحف الأولى [ 20 \ 133 ] وقوله : وما أرسلنا قبلك إلا رجالا إلى قوله : وما كانوا خالدين [ 21 \ 8 ] ، قد قدمنا الآيات الموضحة لذلك ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .