قوله تعالى : أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون .
[ ص: 157 ] في معنى إتيان الله الأرض ينقصها من أطرافها في هذه الآية الكريمة أقوال معروفة للعلماء ، وبعضها تدل له قرينة قرآنية :
قال بعض العلماء : نقصها من أطرافها : موت العلماء ، وجاء في ذلك حديث مرفوع عن ، وبعد هذا القول عن ظاهر القرآن بحسب دلالة السياق ظاهر كما ترى . أبي هريرة
وقال بعض أهل العلم : نقصها من أطرافها خرابها عند موت أهلها .
وقال بعض أهل العلم : نقصها من أطرافها هو نقص الأنفس ، والثمرات ، إلى غير ذلك من الأقوال ، وأما القول الذي دلت عليه القرينة القرآنية فهو أن معنى ننقصها من أطرافها أي : ننقص أرض الكفر ودار الحرب ، ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها ، وردها دار إسلام . والقرينة الدالة على هذا المعنى هي قوله بعده : أفهم الغالبون [ 21 \ 44 ] والاستفهام لإنكار غلبتهم . وقيل : لتقريرهم بأنهم مغلوبون لا غالبون ، فقوله : أفهم الغالبون دليل على أن نقص الأرض من أطرافها سبب لغلبة المسلمين للكفار ، وذلك إنما يحصل بالمعنى المذكور . ومما يدل لهذا الوجه قوله تعالى : ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله [ 13 \ 31 ] على قول من قال : إن المراد بالقارعة التي تصيبهم سرايا النبي - صلى الله عليه وسلم - تفتح أطراف بلادهم ، أو تحل أنت يا نبي الله قريبا من دارهم . وممن يروى عنه هذا القول : ، ابن عباس وأبو سعيد ، وعكرمة ، ومجاهد ، وغيرهم . وهذا المعنى الذي ذكر الله هنا ذكره في آخر سورة " الرعد " أيضا في قوله : أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب [ 13 \ 41 ] وقال ابن كثير في تفسير آية " الأنبياء " هذه : إن أحسن ما فسر به قوله تعالى : أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها هو قوله تعالى : ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون [ 46 \ 27 ] .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : ما ذكره ابن كثير صواب ، واستقراء القرآن العظيم يدل عليه ، وعليه فالمعنى : أفلا يرى كفار مكة ومن سار سيرهم في تكذيبك يا نبي الله والكفر بما جئت به أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أي : بإهلاك الذين كذبوا الرسل كما أهلكنا قوم صالح وقوم لوط ، وهم يمرون بديارهم . وكما [ ص: 158 ] أهلكنا قوم هود ، وجعلنا سبأ أحاديث ومزقناهم كل ممزق ، كل ذلك بسبب تكذيب الرسل والكفر بما جاءوا به . وهذا هو معنى قوله : ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى [ 46 \ 27 ] كقوم صالح وقوم لوط وقوم هود وسبأ ، فاحذروا من تكذيب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لئلا ننزل بكم مثل ما أنزلنا بهم . وهذا الوجه لا ينافي قوله بعده : أفهم الغالبون والمعنى أن الغلبة لحزب الله القادر على كل شيء ، الذي أهلك ما حولكم من القرى بسبب تكذيبهم رسلهم ، وأنتم لستم بأقوى منهم ، ولا أكثر أموالا ولا أولادا ، كما قال تعالى : أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم الآية [ 44 \ 37 ] . وقال تعالى : أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون [ 40 \ 82 ] وقال تعالى : أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها الآية [ 30 \ 90 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وإنذار الذين كذبوه - صلى الله عليه وسلم - بما وقع لمن كذب من قبله من الرسل كثير جدا في القرآن . وبه تعلم اتجاه ما استحسنه ابن كثير من تفسير آية " الأنبياء " هذه بآية " الأحقاف " المذكورة كما بينا .
وقال في تفسير هذه الآية الكريمة : فإن قلت : أي فائدة في قوله : الزمخشري نأتي الأرض ؟ قلت : فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدي المسلمين ، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغزو أرض المشركين ، وتأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها . ا هـ منه . والله - جل وعلا - أعلم .