الجواب الرابع : عن حديث - رضي الله تعالى عنهما - أن رواية ابن عباس عن طاوس مخالفة لما رواه عنه الحفاظ من أصحابه ، فقد روى عنه لزوم الثلاث دفعة ابن عباس ، سعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح ومجاهد ، وعكرمة ، ، وعمرو بن دينار ومالك بن الحارث ، ومحمد بن إياس بن البكير ، ومعاوية بن أبي عياش الأنصاري ، كما نقله البيهقي في " السنن الكبرى " والقرطبي وغيرهما .
[ ص: 128 ] وقال البيهقي في " السنن الكبرى " : إن لم يخرج هذا الحديث ; لمخالفة هؤلاء لرواية البخاري ، عن طاوس . ابن عباس
وقال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن حديث : ابن عباس وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - طلاق الثلاث واحدة ، بأي شيء تدفعه ؟ قال : برواية الناس عن كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه خلافه ، وكذلك نقل عنه ابن عباس ابن منصور ، قاله ابن القيم .
قال مقيده عفا الله عنه : فهذا إمام المحدثين وسيد المسلمين في عصره الذي تدارك الله به الإسلام بعد ما كاد تتزلزل قواعده ، وتغير عقائده ، - رحمه الله تعالى - قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل للأثرم وابن منصور : إنه رفض حديث قصدا ; لأنه يرى عدم الاحتجاج به في لزوم الثلاث بلفظ واحد ; لرواية الحفاظ عن ابن عباس ما يخالف ذلك ، وهذا الإمام ابن عباس ، وهو هو ، ذكر عنه الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري البيهقي أنه ترك هذا الحديث عمدا ; لذلك الموجب الذي تركه من أجله الإمام أحمد . ولا شك أنهما ما تركاه إلا لموجب يقتضي ذلك ، فإن قيل : رواية في حكم المرفوع ، ورواية الجماعة المذكورين موقوفة على طاوس ، والمرفوع لا يعارض بالموقوف . ابن عباس
فالجواب أن الصحابي إذا خالف ما روي ، ففيه للعلماء قولان : وهما روايتان عن أحمد رحمه الله : الأولى : أنه لا يحتج بالحديث ; لأن أعلم الناس به راويه وقد ترك العمل به ، وهو عدل عارف ، وعلى هذه الرواية فلا إشكال .
وعلى الرواية الأخرى التي هي المشهورة عند العلماء أن العبرة بروايته لا بقوله . فإنه لا تقدم روايته إلا إذا كانت صريحة المعنى ، أو ظاهرة فيه ظهورا يضعف معه احتمال مقابله ، أما إذا كانت محتملة لغير ذلك المعنى احتمالا قويا فإن مخالفة الراوي لما روى تدل على أن ذلك المحتمل الذي ترك ليس هو معنى ما روى ، وقد قدمنا أن لفظ طلاق الثلاث في حديث المذكور محتمل احتمالا قويا لأن تكون الطلقات مفرقة ، كما جزم به طاوس وصححه النسائي النووي والقرطبي وابن سريج ، فالحاصل أن ترك لجعل الثلاث بفم واحد واحدة ؛ يدل على أن معنى الحديث الذي روي ليس [ ص: 129 ] كونها بلفظ واحد كما سترى بيانه في كلام ابن عباس القرطبي في المفهم في الجواب الذي بعد هذا .
واعلم أن لم يثبت عنه أنه أفتى في الثلاث بفم واحد أنها واحدة ، وما روى عنه ابن عباس أبو داود من طريق ، عن حماد بن زيد أيوب ، عن عكرمة ، أن قال : إذا قال أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة ، فهو معارض بما رواه ابن عباس أبو داود نفسه من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب ، عن عكرمة ، أن ذلك من قول عكرمة لا من قول ، وترجح رواية ابن عباس إسماعيل بن إبراهيم على رواية حماد بموافقة الحفاظ لإسماعيل ، في أن يجعلها ثلاثا لا واحدة . ابن عباس