مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة 
المسألة الأولى : 
اعلم أن هذا الذي ذكرنا أن القرينة تدل عليه في هذه الآية من أنهما حكما فيها باجتهاد  ، وأن سليمان  أصاب في اجتهاده - جاءت السنة الصحيحة بوقوع مثله منهما في غير هذه المسألة . فدل ذلك على إمكانه في هذه المسألة ، وقد دلت القرينة القرآنية على   [ ص: 171 ] وقوعه ، قال  البخاري  في صحيحه ( باب إذا ادعت المرأة ابنا ) حدثنا أبو اليمان  ، أخبرنا شعيب  ، حدثنا أبو الزناد  ، عن  الأعرج  ، عن  أبي هريرة    - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " كانت امرأتان معهما ابناهما ، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما ، فقالت لصاحبتها : إنما ذهب بابنك . فقالت الأخرى : إنما ذهب بابنك . فتحاكمتا إلى داود  عليه السلام ، فقضى به للكبرى ، فخرجتا على سليمان بن داود  عليهما السلام ، فأخبرتاه ، فقال : ائتوني بالسكين أشقه بينهما . فقالت الصغرى : لا تفعل يرحمك الله هو ابنها . فقضى به للصغرى   . قال  أبو هريرة    : والله إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ ، وما كنا نقول إلا المدية   " انتهى من صحيح  البخاري    . وقال  مسلم بن الحجاج  في صحيحه : حدثني  زهير بن حرب  ، حدثني شبابة  ، حدثني  ورقاء  ، عن أبي الزناد  ، عن  الأعرج  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما . فقالت هذه لصاحبتها : إنما ذهب بابنك أنت . وقالت الأخرى : إنما ذهب بابنك ، فتحاكمتا إلى داود  فقضى به للكبرى ، فخرجتا على سليمان بن داود  عليهما السلام فأخبرتاه ، فقال : ائتوني بالسكين أشقه بينكما ، فقالت الصغرى : لا ، يرحمك الله   " انتهى منه فهذا الحديث الصحيح يدل دلالة واضحة على أنهما قضيا معا بالاجتهاد في شأن الولد  المذكور ، وأن سليمان  أصاب في ذلك ، إذ لو كان قضاء داود  بوحي لما جاز نقضه بحال . وقضاء سليمان  واضح أنه ليس بوحي ؛ لأنه أوهم المرأتين أنه يشقه بالسكين ؛ ليعرف أمه بالشفقة عليه ، ويعرف الكاذبة برضاها بشقه لتشاركها أمه في المصيبة فعرف الحق بذلك . وهذا شبيه جدا بما دلت عليه الآية حسبما ذكرنا وبينا دلالة القرينة القرآنية عليه . ومما يشبه ذلك من قضائهما القصة التي أوردها الحافظ  أبو القاسم بن عساكر  في ترجمة سليمان    - عليه السلام - من تاريخه ، من طريق  الحسن بن سفيان  ، عن  صفوان بن صالح  ، عن  الوليد بن مسلم  ، وعن  سعيد بن بشر  ، عن قتادة  ، عن مجاهد  ، عن  ابن عباس  ، فذكر قصة مطولة ، ملخصها أن امرأة حسناء في زمان بني إسرائيل  راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم ، فامتنعت على كل منهم ، فاتفقوا فيما بينهم عليها . فشهدوا عند داود    - عليه السلام - أنها مكنت من نفسها كلبا لها ، قد عودته ذلك منها ، فأمر برجمها ، فلما كان عشية ذلك اليوم جلس سليمان  واجتمع معه ولدان مثله ، فانتصب حاكما وتزيا أربعة منهم بزي أولئك وآخر بزي المرأة ، وشهدوا عليها بأنها مكنت من نفسها كلبا ، فقال سليمان    : فرقوا بينهم . فسأل أولهم : ما كان لون الكلب ؟ فقال : أسود ، فعزله . واستدعى الآخر فسأله عن لونه ؟ فقال : أحمر . وقال   [ ص: 172 ] الآخر : أغبش . وقال الآخر : أبيض ، فأمر عند ذلك بقتلهم ، فحكي ذلك لداود  عليه السلام ، فاستدعى من فوره بأولئك الأربعة فسألهم متفرقين عن لون ذلك الكلب فاختلفوا عليه ، فأمر بقتلهم   . انتهى بواسطة نقل ابن كثير  في تفسير هذه الآية الكريمة . وكل هذا مما يدل على صحة ما فسرنا به الآية ؛ لدلالة القرينة القرآنية عليه . وممن فسرها بذلك  الحسن البصري  كما ذكره  البخاري  وغيره عنه . قال  البخاري  رحمه الله في صحيحه ، باب متى يستوجب الرجل القضاء : وقال الحسن    : أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهوى ، ولا يخشوا الناس ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا    [ 2 \ 41 ] إلى أن قال - وقرأ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين  ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما    [ 21 \ 78 - 79 ] فحمد سليمان  ولم يلم داود    . ولولا ما ذكره الله من أمر هذين لرأيت أن القضاة هلكوا ، فإنه أثنى على هذا بعلمه ، وعذر هذا باجتهاده . انتهى محل الغرض منه . وبه تعلم أن الحسن  يرى أن معنى الآية الكريمة كما ذكرنا ، ويزيد هذا إيضاحا ما قدمناه في سورة " بني إسرائيل " من الحديث المتفق عليه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث  عمرو بن العاص   وأبي هريرة    - رضي الله عنهما - إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر كما قدمنا إيضاحه   . 
				
						
						
