المسألة الخامسة
اعلم أن ، وبها تمسك القياس جاءت على منعه في الجملة أدلة كثيرة الظاهرية ومن تبعهم ، وسنذكر هنا إن شاء الله جملا وافية من ذلك ثم نبين الصواب فيه إن شاء الله تعالى .
قالوا : فمن ذلك قوله تعالى : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر [ 4 \ 59 ] وأجمع المسلمون على أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه - هو الرد إليه في حضوره وحياته ، وإلى سنته في غيبته وبعد مماته ، والقياس ليس بهذا ولا هذا ، ولا يقال : الرد إلى القياس هو من الرد إلى الله ورسوله ؛ لدلالة كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - كما تقدم تقريره ؛ لأن الله سبحانه إنما ردنا إلى كتابه وسنة رسوله ، ولم يردنا إلى قياس عقولنا وآرائنا فقط ، بل قال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : وأن احكم بينهم بما أنزل الله [ 5 \ 49 ] وقال : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله [ 4 \ 105 ] ولم يقل بما رأيت أنت . وقال : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [ 5 \ 44 ] ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون [ 5 \ 45 ] [ ص: 201 ] ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون [ 5 \ 47 ] وقال تعالى : اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم [ 7 \ 3 ] وقال تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [ 16 \ 89 ] وقال : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون [ 29 \ 51 ] وقال : قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي [ 34 \ 50 ] فلو كان القياس هدى لم ينحصر الهدى في الوحي . وقال : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم [ 4 \ 65 ] فنفى الإيمان حتى يوجد تحكيمه وحده ، وهو تحكيمه في حال حياته وتحكيم سنته فقط بعد وفاته ، وقال تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله [ 49 ] أي : لا تقولوا حتى يقول . قال نفاة القياس : والإخبار عنه بأنه حرم ما سكت عنه ، أو أوجبه قياسا على ما تكلم بتحريمه أو إيجابه تقدم بين يديه ، فإنه إذا قال : حرمت عليكم الربا في البر ، فقلنا : ونحن نقيس على قولك البلوط ، فهذا محض التقدم ، قالوا : وقد حرم سبحانه أن نقول عليه ما لا نعلم ، فإذا قلنا ذلك فقد واقعنا هذا المحرم يقينا ، فإنا غير عالمين بأنه أراد من تحريم الربا في الذهب والفضة تحريمه في القديد من اللحوم ، وهذا قفو منا ما ليس لنا به علم ، وتعد لما حد لنا ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه والواجب أن نقف عند حدوده ، ولا نتجاوزها ، ولا نقصر بها . ولا يقال : فإبطال القياس وتحريمه والنهي عنه تقدم بين يدي الله ورسوله ، وتحريم لما لم ينص على تحريمه ، وقفو منكم لما ليس لكم به علم ؛ لأنا نقول : الله سبحانه وتعالى أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا ، وأنزل علينا كتابه ، وأرسل إلينا رسوله يعلمنا الكتاب والحكمة . فما علمناه وبينه لنا فهو من الدين ، وما لم يعلمناه ولا بين لنا أنه من الدين فليس من الدين ضرورة ، وكل ما ليس من الدين فهو باطل ، فليس بعد الحق إلا الضلال . وقال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم [ 5 \ 3 ] فالذي أكمله الله سبحانه وبينه هو ديننا لا دين لنا سواه ، فأين فيما أكمله لنا ، قيسوا ما سكت عنه على ما تكلمت بإيجابه أو تحريمه أو إباحته ، سواء كان الجامع بينهما علة أو دليل علة ، أو وصفا شبيها ، فاستعملوا ذلك كله ، وانسبوه إلي وإلى رسولي وإلى ديني ، وأحكموا به علي .
قالوا : وقد أخبر سبحانه أن الظن لا يغني من الحق شيئا ، وأخبر رسوله أن " الظن أكذب الحديث " ونهى عنه ، ومن أعظم الظن ظن القياسيين ؛ فإنهم ليسوا على يقين أن الله سبحانه وتعالى حرم بيع السمسم بالشيرج ، والحلوى بالعنب ، والنشا بالبر ، وإنما هي [ ص: 202 ] ظنون مجردة لا تغني من الحق شيئا .
قالوا : وإن لم يكن قياس الضراط على " السلام عليكم " من الظن الذي نهينا عن اتباعه وتحكيمه ، وأخبرنا أنه لا يغني من الحق شيئا فليس في الدنيا ظن باطل . فأين الضراط من " السلام عليكم " . وإن لم يكن قياس الماء الذي لاقى الأعضاء الطاهرة الطيبة عند الله في إزالة الحدث على الماء الذي لاقى أخبث العذرات ، والميتات ، والنجاسات ظنا . فلا ندري ما الظن الذي حرم الله سبحانه القول به ، وذمه في كتابه ، وسلخه من الحق ، وإن لم يكن قياس أعداء الله ورسوله من عباد الصلبان واليهود الذين هم أشد الناس عداوة للمؤمنين على أوليائه وخيار خلقه ، وسادات الأمة وعلمائها وصلحائها في تكاثر دمائهم وجريان القصاص بينهم ظنا ، فليس في الدنيا ظن يذم اتباعه .
قالوا : من العجب أنكم قستم أعداء الله على أوليائه في جريان القصاص بينهم ، فقتلتم ألف ولي لله تعالى قتلوا نصرانيا واحدا ، ولم تقيسوا من ضرب رجلا بدبوس فنثر دماغه بين يديه على من طعنه بمسلة فقتله .
قالوا : وسنبين لكم من تناقض أقيستكم واختلافها وشدة اضطرابها ما يبين أنها من عند غير الله . قالوا : والله تعالى لم يكل بيان شريعته إلى آرائنا وأقيستنا واستنباطنا ، وإنما وكلها إلى رسوله المبين عنه ، فما بينه عنه وجب اتباعه ، وما لم يبينه فليس من الدين ، ونحن نناشدكم الله هل اعتمادكم في هذه الأقيسة الشبيهة والأوصاف الحدسية التخمينية على بيان الرسول ، أو على آراء الرجال وظنونهم وحدسهم ، قال الله تعالى : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ 16 \ 44 ] فأين بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أني إذا حرمت شيئا أو أوجبته أو أبحته فاستخرجوا وصفا ما شبيها جامعا بين ذلك وبين جميع ما سكت عنه فألحقوه به وقيسوه عليه .
قالوا : والله تعالى قد نهى عن ضرب الأمثال له ، فكما لا تضرب له الأمثال لا تضرب لدينه ، وتمثيل ما لم ينص على حكمه بما نص عليه لشبه ما ضرب الأمثال لدينه .
قالوا : وما ضربه الله ورسوله من الأمثال فهو حق خارج عما نحن بصدده من إثباتكم الأحكام بالرأي والقياس من غير دليل من كتاب ولا سنة . وذكروا شيئا كثيرا من الأمثال التي ضربها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معترفين بأنها حق . قالوا : ولا تفيدكم في محل النزاع ، قالوا : فالأمثال التي ضربها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هي لتقريب المراد ، وتفهيم المعنى وإيصاله إلى ذهن السامع ، وإحضاره في نفسه بصورة المثال الذي مثل به ، فإنه قد يكون أقرب إلى [ ص: 203 ] تعقله وفهمه وضبطه واستحضاره له باستحضار نظيره . فإن النفس تأنس بالنظائر والأشباه الأنس التام ، وتنفر من الغربة والوحدة وعدم النظير . ففي الأمثال من تأنيس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضرب لها مثله من الحق أمر لا يجحده أحد ولا ينكره . وكلما ظهرت لها الأمثال ازداد المعنى ظهورا ووضوحا . فالأمثال شواهد المعنى المراد وتزكية له ، وهي : كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه [ 48 \ 29 ] ، وهي خاصة العقل ولبه وثمرته ، ولكن أين في الأمثال التي ضربها الله ورسوله على هذا الوجه ؟ فهمنا أن الصداق لا يكون أقل من ثلاثة دراهم أو عشرة ، قياسا وتمثيلا على أقل ما يقطع فيه السارق . هذا بالألغاز والأحاجي أشبه منه بالأمثال المضروبة للفهم . كما قال إمام الحديث في جامعه الصحيح : ( باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين قد بين الله حكمهما ليفهم السامع ) . محمد بن إسماعيل البخاري
قالوا : فنحن لا ننكر هذه الأمثال التي ضربها الله ورسوله ، ولا نجهل ما أريد بها ، وإنما ننكر أن يستفاد وجوب الدم على من قطع من جسده أو رأسه ثلاث شعرات أو أربعا من قوله تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك [ 2 \ 196 ] وأن الآية تدل على ذلك ، وأن قوله - صلى الله عليه وسلم - " يفهم منه أنه لو أعطى صاعا من إهليج جاز ، وأنه يدل على ذلك بطريق التمثيل والاعتبار ، وأن قوله - صلى الله عليه وسلم - : " في صدقة الفطر : " صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من أقط أو صاع من بر أو صاع من زبيب " يستفاد منه ومن دلالته أنه لو قال الولي بحضرة الحاكم : زوجتك ابنتي وهو بأقصى الشرق وهي بأقصى الغرب ، فقال : قبلت هذا التزويج وهي طالق ثلاثا ، ثم جاءت بعد ذلك بولد لأكثر من ستة أشهر أنه ابنه ، وقد صارت فراشا بمجرد قوله : قبلت هذا التزويج ، ومع هذا لو كانت له سرية يطؤها ليلا ونهارا لم تكن فراشا له ، ولو أتت بولد لم يلحقه نسبه إلا أن يدعيه ويستلحقه ، فإن لم يستلحقه فليس بولده ؟ . الولد للفراش
وأين يفهم من قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " أنه لو ضربه بحجر المنجنيق أو بكور الحداد أو بمرازب الحديد العظام ، حتى خلط دماغه بلحمه وعظمه - أن هذا خطأ شبه عمد لا يوجب قودا . إن في قتل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل
وأين يفهم من قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " [ ص: 204 ] - أن من ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن لم يكن له مخرج فخلوا سبيله ، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة فلا حد عليه . وأن هذا المفهوم من قوله : " ادرءوا الحدود بالشبهات " فهذا في معنى الشبهة التي تدرأ بها الحدود ، وهي الشبهة في المحل أو في الفاعل أو في الاعتقاد . ولو عرض هذا على فهم من فرض من العالمين لم يفهمه من هذا اللفظ بوجه من الوجوه . وأن من عقد على أمه أو ابنته أو أخته ووطئها فلا حد عليه مع علمه بأنها خالته أو عمته وتحريم الله لذلك ، ويفهم هذا من " ادرءوا الحدود بالشبهات " ، وأضعاف أضعاف هذا مما لا يكاد ينحصر . يطأ خالته أو عمته بملك اليمين
قالوا : فهذا التمثيل والتشبيه هو الذي ننكره ، وننكر أن يكون في كلام الله ورسوله دلالة على فهمه بوجه ما .
قالوا : ومن أين يفهم من قوله : وإن لكم في الأنعام لعبرة [ 16 \ 66 ] ومن قوله : فاعتبروا تحريم بيع الكشك باللبن ، وبيع الخل بالعنب ، ونحو ذلك . قالوا : وقد قال تعالى : وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله [ 42 \ 10 ] ولم يقل إلى قياساتكم وآرائكم . ولم يجعل الله آراء الرجال وأقيستها حاكمة بين الأمة أبدا .
قالوا : وقد قال تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [ 33 \ 36 ] فإنما منعهم من الخيرة عند حكمه وحكم رسوله ، لا عند آراء الرجال وأقيستهم وظنونهم .
وقد أمر سبحانه رسوله باتباع ما أوحاه إليه خاصة ، وقال : إن أتبع إلا ما يوحى إلي وقال : وأن احكم بينهم بما أنزل الله وقال تعالى : أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله قالوا : فدل هذا النص على أن ما لم يأذن به الله من الدين فهو شرع غيره بالباطل .
قالوا : وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه تبارك وتعالى : أن كل ما سكت عن إيجابه أو تحريمه فهو عفو عفا عنه لعباده ، مباح إباحة العفو ، فلا يجوز تحريمه ولا إيجابه قياسا على ما أوجبه أو حرمه بجامع بينهما ، فإن ذلك يستلزم رفع هذا القسم بالكلية وإلغاءه ، إذ المسكوت عنه لا بد أن يكون بينه وبين المحرم شبه ووصف جامع ، وبينه وبين الواجب . فلو جاز إلحاقه به لم يكن هناك قسم قد عفا عنه . ولم يكن ما سكت عنه قد عفا عنه بل يكون ما سكت عنه قد حرمه قياسا على ما حرمه ، وهذا لا سبيل إلى دفعه ، وحينئذ فيكون [ ص: 205 ] . وقد ذم الله تعالى من بدل غير القول الذي أمر به ، فمن بدل غير الحكم الذي شرع له فهو أولى بالذم ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تحريم ما سكت عنه تبديلا لحكمه " فإذا كان هذا فيمن تسبب إلى تحريم الشارع صريحا بمسألته عن حكم ما سكت عنه ، فكيف بمن حرم المسكوت عنه بقياسه ورأيه ! يوضحه أن المسكوت عنه لما كان عفوا عفا الله لعباده عنه ، وكان البحث عنه سببا لتحريم الله إياه لما فيه من مقتضى التحريم لا لمجرد السؤال عن حكمه ، وكان الله قد عفا عن ذلك وسامح به عباده كما يعفو عما فيه مفسدة من أعمالهم وأقوالهم . فمن المعلوم أن سكوته عن ذكر لفظ عام يحرمه يدل على أنه عفو منه ، فمن حرمه بسؤاله عن علة التحريم وقياسه على المحرم بالنص كان أدخل في الذم ممن سأله عن حكمه لحاجته إليه ، فحرم من أجل مسألته ، بل كان الواجب عليه ألا يبحث عنه ، ولا يسأل عن حكمه اكتفاء بسكوت الله عن عفوه عنه . فهكذا الواجب عليه ألا يحرم المسكوت عنه بغير النص الذي حرم أصله الذي يلحق به . إن من أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم على الناس من أجل مسألته
قالوا : وقد دل على هذا كتاب الله حيث يقول : وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين [ 5 \ 101 - 102 ] وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح " " فأمرهم أن يتركوه من السؤال ما تركهم . ولا فرق في هذا بين حياته وبين مماته ، فنحن مأمورون أن نتركه - صلى الله عليه وسلم - وما نص عليه ، فلا نقول له : لم حرمت كذا لنلحق به ما سكت عنه ، بل هذا أبلغ في المعصية من أن نسأله عن حكم شيء لم يحكم فيه فتأمله فإنه واضح ، ويدل عليه قوله في نفس الحديث : " ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " فجعل الأمور ثلاثة لا رابع لها : ( مأمور به ) فالفرض عليهم فعله بحسب الاستطاعة ( ومنهي عنه ) فالفرض عليهم اجتنابه بالكلية ( ومسكوت عنه ) فلا يتعرض للسؤال والتفتيش عليه . وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم
وهذا حكم لا يختص بحياته فقط ، ولا يخص الصحابة دون من بعدهم ، بل فرض علينا نحن امتثال أمره ، واجتناب نهيه ، وترك البحث والتفتيش عما سكت عنه . وليس ذلك الترك جهلا وتجهيلا لحكمه ، بل إثبات لحكم العفو وهي الإباحة العامة ، ورفع الحرج عن فاعله .
[ ص: 206 ] فقد استوعب الحديث أقسام الدين كلها ، فإنها : إما واجب ، وإما حرام ، وإما مباح . والمكروه والمستحب فرعان على هذه الثلاثة غير خارجين عن المباح ، وقد قال تعالى : فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه [ 75 \ 18 - 19 ] فوكل بيانه إليه سبحانه لا إلى القياسيين والآرائيين .
وقال تعالى : قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون [ 10 \ 59 ] فقسم الحكم إلى قسمين : قسم أذن فيه وهو الحق ، وقسم افتري عليه وهو ما لم يأذن فيه ، فأين إذا لنا أن نقيس البلوط على التمر في جريان الربا فيه ، وأن نقيس القزدير على الذهب والفضة ، والخردل على البر ، فإن كان الله ورسوله وصانا بهذا فسمعا وطاعة لله ورسوله ، وإلا فإنا قائلون لمنازعينا أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا [ 6 \ 144 ] فما لم تأتونا به وصية من عند الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو عين الباطل ، وقد أمرنا الله برد ما تنازعنا فيه إليه وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبح لنا قط أن نرد ذلك إلى رأي ، ولا قياس ، ولا تقليد إمام ، ولا منام ، ولا كشوف ، ولا إلهام ، ولا حديث قلب ، ولا استحسان ، ولا معقول ، ولا شريعة الديوان ، ولا سياسة الملوك ، ولا عوائد الناس التي ليس على شرائع المرسلين أضر منها . فكل هذه طواغيت ! من تحاكم إليها أو دعا منازعه إلى التحاكم إليها فقد حاكم إلى الطاغوت ! وقال تعالى : فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون [ 16 ] .
قالوا : ومن تأمل هذه الآية حق التأمل تبين له أنها نص على ؛ لأن القياس كله ضرب الأمثال للدين ، وتمثيل ما لا نص فيه بما فيه نص . ومن مثل ما لم ينص الله سبحانه على تحريمه أو إيجابه بما حرمه أو أوجبه فقد ضرب لله الأمثال ، ولو علم سبحانه أن الذي سكت عنه مثل الذي نص عليه لأعلمنا بذلك ، ولما أغفله سبحانه ، وما كان ربك نسيا وليبين لنا ما نتقي كما أخبر عن نفسه بذلك إذ يقول سبحانه : إبطال القياس وتحريمه وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون [ 9 \ 115 ] ولما وكله إلى آرائنا ومقاييسنا التي ينقض بعضها بعضا ، فهذا يقيس ما يذهب إليه على ما يزعم أنه نظيره ، فيجيء منازعه فيقيس ضد قياسه من كل وجه ، ويبدي من الوصف الجامع مثل ما أبداه منازعه أو أظهر منه ، ومحال أن يكون القياسان معا من عند الله ، وليس أحدهما أولى من الآخر ، فليسا من عنده ، وهذا وحده كاف في إبطال القياس ، وقد قال [ ص: 207 ] تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم [ 14 \ 4 ] وقال : لتبين للناس ما نزل إليهم [ 16 \ 44 ] فكل ما بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن ربه سبحانه ، بينه بأمره وإذنه . وقد علمنا يقينا وقوع كل اسم في اللغة على مسماه فيها ، وأن اسم البر لا يتناول الخردل ، واسم التمر لا يتناول البلوط ، واسم الذهب والفضة لا يتناول القزدير ، وأن تقدير نصاب السرقة لا يدخل فيه تقدير المهر ، وأن تحريم أكل الميتة لا يدل على أن المؤمن الطيب عند الله حيا وميتا إذا مات صار نجسا خبيثا . وأن هذا عن البيان الذي ولاه الله رسوله وبعثه به أبعد شيء وأشده منافاة له . فليس هو مما بعث به الرسول قطعا ، فليس إذا من الدين . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " ولو كان الرأي والقياس خيرا لهم لدلهم عليه ، وأرشدهم إليه " ولقال لهم : إذا أوجبت عليكم شيئا أو حرمته فقيسوا عليه ما كان بينه وصف جامع أو ما أشبهه . أو قال ما يدل على ذلك أو يستلزمه ، ولما حذرهم من ذلك أشد الحذر . وقد أحكم اللسان كل اسم على مسماه لا على غيره . وإنما بعث الله سبحانه ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالعربية التي يفهمها العرب من لسانها ، فإذا نص سبحانه في كتابه أو نص رسوله على اسم من الأسماء ، وعلق عليه حكما من الأحكام - وجب ألا يوقع ذلك الحكم إلا على ما اقتضاه ذلك الاسم ، ولا يتعدى به الوضع الذي وضعه الله ورسوله فيه ، ولا يخرج عن ذلك الحكم شيء مما يقتضيه الاسم ، فالزيادة عليه زيادة في الدين ، والنقص منه نقص في الدين . فالأول القياس ، والثاني التخصيص الباطل ، وكلاهما ليس من الدين ، ومن لم يقف مع النصوص فإنه تارة يزيد في النص ما ليس منه ، ويقول هذا قياس . ومرة ينقص منه بعض ما يقتضيه ويخرجه عن حكمه ويقول هذا تخصيص . ومرة يترك النص جملة ويقول : ليس العمل عليه . أو يقول : هذا خلاف القياس ، أو خلاف الأصول .
قالوا : ولو كان القياس من الدين لكان أهله أتبع الناس للأحاديث ، وكان كلما توغل فيه الرجل كان أشد اتباعا للأحاديث والآثار . قالوا : ونحن نرى أن كلما اشتد توغل الرجل فيه اشتدت مخالفته للسنن ، ولا ترى خلاف السنن والآثار إلا عند أصحاب الرأي والقياس . فلله كم من سنة صحيحة صريحة قد عطلت به ، وكم من أثر درس حكمه بسببه ، فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية على عروشها ، معطلة أحكامها ، معزولة عن سلطانها وولايتها ، لها الاسم ولغيرها الحكم ، لها السكة والخطبة ولغيرها الأمر والنهي . وإلا فلماذا ترك حديث العرايا ، وحديث قسم الابتداء ، وأن للزوجة حق العقد سبع ليال إن [ ص: 208 ] كانت بكرا ، أو ثلاثا إن كانت ثيبا ، ثم يقسم بالسوية ، وحديث تغريب الزاني غير المحصن ، وحديث الاشتراط في الحج وجواز التحلل بالشرط ، وحديث المسح على الجوربين ، وحديث عمران بن حصين في أن كلام الناس والجاهل لا يبطل الصلاة ، وحديث دفع اللقطة إلى من جاء فوصف وعاءها ووكاءها وعفاصها ، وحديث المصراة ، وحديث القرعة بين العبيد إذا أعتقوا في المرض ولم يحملهم الثلث . وحديث خيار المجلس ، وحديث إتمام الصوم لمن أكل ناسيا ، وحديث إتمام الصبح لمن طلعت عليه الشمس وقد صلى منها ركعة ، وحديث الصوم عن الميت ، وحديث الحج عن المريض الميئوس من برئه ، وحديث الحكم بالقافة ، وحديث " وأبي هريرة " ، وحديث النهي عن بيع الرطب بالتمر ، وحديث بيع المدبر ، وحديث القضاء بالشاهد مع اليمين ، وحديث " من وجد متاعه عند رجل قد أفلس " وهو سبب الحديث تخيير الغلام بين أبويه إذا افترقا ، وحديث الولد للفراش إذا كان من أمة ، وحديث رجم الكتابيين في الزنى ، وحديث " قطع السارق في ربع دينار " ، وحديث " من تزوج امرأة أبيه أمر بضرب عنقه وأخذ ماله " ، وحديث " لا يقتل مؤمن بكافر " ، وحديث " لعن الله المحلل والمحلل له " ، وحديث " لا نكاح إلا بولي " ، وحديث عتق المطلقة ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة صفية وجعل عتقها صداقها ، وحديث " " ، وحديث " اصدقوا ولو خاتما من حديد " ، وحديث " إباحة لحوم الخيل " ، وحديث " كل مسكر حرام " ، وحديث المزارعة والمساقاة ، وحديث " ليس فيها دون خمسة أوسق صدقة " وحديث " ذكاة الجنين ذكاة أمه " ، وحديث النهي عن الرهن مركوب ومحلوب ، وحديث قسمة الغنيمة " تخليل الخمر " ، وحديث " للراجل سهم وللفارس ثلاثة " ، وأحاديث حرمة المدينة ، وحديث إشعار الهدي ، وحديث " لا تحرم المصة والمصتان " ، وحديث الوضوء من لحوم الإبل ، وأحاديث المسح على العمامة ، وحديث الأمر بإعادة الصلاة لمن إذا لم يجد المحرم الإزار فليلبس السراويل ، وحديث السراويل ، وحديث صلى خلف الصف وحده ، وأنه جور لا تجوز الشهادة عليه ، وحديث " منع الرجل من تفضيل بعض ولده على بعض " وحديث " أنت ومالك لأبيك " ، وحديث الصلاة على الغائب ، وحديث الجهر بـ " آمين " في الصلاة ، وحديث جواز من دخل والإمام يخطب يصلي تحية المسجد ، ولا يرجع غيره ، وحديث " رجوع الأب فيما وهبه لولده " وحديث الخروج إلى العيد من الغد إذا علم بالعيد بعد الزوال ، وحديث نضح بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ، وحديث الصلاة على [ ص: 209 ] القبر ، وحديث " الكلب الأسود يقطع الصلاة " ، وحديث بيع جابر بعيره واشتراط ظهره ، وحديث النهي عن جلود السباع ، وحديث " من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته " ، وحديث " لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره " ، وحديث " إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " وحديث " من باع عبدا وله مال فماله للبائع " ، وحديث الوتر على الراحلة ، وحديث " إذا أسلم وتحته أختان اختار أيتهما شاء " ، وحديث " كل ذي ناب من السباع حرام ، وحديث " من السنة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " ، وأحاديث رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه ، وأحاديث الاستفتاح ، وحديث : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - سكتتان في الصلاة ، وحديث " لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه من ركوعه وسجوده " ، وحديث حمل الصبية في الصلاة ، وأحاديث القرعة ، وأحاديث العقيقة ، وحديث " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم " ، وحديث " لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذنك " ، وحديث " أيدع يده في فيك تقضمها كما يقضم الفحل " ، وحديث النهي عن صوم يوم الجمعة ، وحديث النهي عن الذبح بالسن والظفر ، وحديث صلاة الكسوف والاستسقاء ، وحديث النهي عن عسيب الفحل ، وحديث " إن بلالا يؤذن بليل " إلى أضعاف ذلك من الأحاديث التي كان تركها من أجل القول بالقياس والرأي . المحرم إذا مات لم يخمر رأسه ، ولم يقرب طيبا
فلو كان القياس حقا لكان أهله أتبع الأمة للأحاديث ، ولا حفظ لهم ترك حديث واحد إلا لنص ناسخ له ، فحيث رأينا كل من كان أشد توغلا في القياس والرأي كان أشد مخالفة للأحاديث الصحيحة الصريحة علمنا أن القياس ليس من الدين ، وأن شيئا تترك له السنن لأبين شيء منافاة للدين ; فلو كان القياس من عند الله لطابق السنة أعظم مطابقة ، ولم يخالف أصحابه حديثا واحدا منها ، ولكانوا أسعد بها من أهل الحديث ، فليروا أهل الحديث والأثر حديثا واحدا صحيحا قد خالفوه ، كما أريناهم آنفا ما خالفوه من السنة بجريرة القياس .
قالوا : وقد أخذ الله الميثاق على أهل الكتاب وعلينا بعدهم ألا نقول على الله إلا بالحق ، فلو كانت هذه الأقيسة المتعارضة المتناقضة التي ينقض بعضها بعضا بحيث لا يدري الناظر فيها أيها الصواب حقا لكانت متفقة يصدق بعضها بعضا كالسنة التي يصدق بعضها بعضا ، وقال تعالى : ويحق الله الحق بكلماته [ 10 \ 82 ] لا بآرائنا ، ولا مقاييسنا ، وقال : والله يقول الحق وهو يهدي السبيل [ 33 \ 4 ] فما لم يقله سبحانه [ ص: 210 ] ولا هدى إليه فليس من الحق ، وقال تعالى : فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم [ 28 \ 50 ] فقسم الأمور إلى قسمين لا ثالث لهما : اتباع لما دعا إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتباع الهوى .
قالوا : ، بل قد صح عنه بأنه أنكر على والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يدع أمته إلى القياس قط عمر وأسامة محض القياس في شأن الحلتين اللتين أرسل بهما إليهما فلبسها أسامة قياسا للبس على التملك والانتفاع والبيع وكسوتها لغيره ، وردها عمر قياسا لتملكها على لبسها ، فأسامة أباح ، وعمر حرم قياسا . فأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل واحد من القياسين ، وقال لعمر : " " ، وقال إنما بعثت بها إليك لتستمتع بها لأسامة : " " ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تقدم إليهم في الحرير بالنص على تحريم لبسه فقط ، فقاسا قياسا أخطآ فيه ، فأحدهما قاس اللبس على الملك ، إني لم أبعث إليك بها لتلبسها ، ولكن بعثتها إليك لتشقها خمرا لنسائك وعمر قاس التملك على اللبس ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن ما حرمه من اللبس لا يتعدى إلى غيره ، وما أباحه من التملك لا يتعدى إلى اللبس .
قالوا : وهذا عين إبطال القياس ، وقالوا : وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبي ثعلبة الخشني " ، قالوا : وهذا الخطاب عام لجميع الأمة أولها وآخرها . إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها
قالوا : وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد جيد من حديث سلمان - رضي الله عنه - قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء فقال : " " . قالوا : وكل ذلك يدل على أن المسكوت عنه معفو عنه . فلا يجوز تحريمه ، ولا إيجابه بإلحاقه بالمنطوق به . الحلال ما أحله الله ، والحرام ما حرم الله ، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه
قالوا : وقال : ثنا عبد الله بن المبارك ، عن عيسى بن يونس ، عن جرير بن عثمان عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عوف بن مالك الأشجعي " . قال تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة ، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم . فيحلون الحرام ويحرمون الحلال : حدثنا قاسم بن أصبغ محمد بن إسماعيل الترمذي ، ثنا ، حدثنا نعيم بن حماد عبد الله . . فذكره ، وهؤلاء كلهم أئمة ثقات حفاظ ، إلا ؛ فإنه كان منحرفا عن جرير بن عثمان علي - رضي الله عنه - ومع ذلك فقد احتج به في صحيحه ، وقد روي عنه أنه تبرأ مما نسب إليه من الانحراف [ ص: 211 ] عن البخاري علي ، إمام جليل ، وكان سيفا على ونعيم بن حماد الجهمية ، روى عنه في صحيحه . البخاري
قالوا : وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحة تقرب من التواتر أنه قال : " " . وقد قدمنا إيضاح مرادهم بالاستدلال بالحديث . ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ، ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم
وقد ذكروا عن الصحابة والتابعين آثارا كثيرة في والتحذير من ذلك . وذلك كثير معروف عن الصحابة فمن بعدهم . وذكروا كثيرا من أقيسة الفقهاء التي يزعمون أنها باطلة ، وعارضوها بأقيسة تماثلها في زعمهم . وذكروا أشياء كثيرة يزعمون أن الفقهاء فرقوا فيها بين المجتمع وجمعوا فيها بين المفترق ، إلى غير ذلك من أدلتهم الكثيرة على إبطال الرأي والقياس . ذم الرأي والقياس
وقد ذكرنا في هذا الكلام جملا وافية من أدلتهم على ذلك بواسطة نقل العلامة ابن القيم في ( إعلام الموقعين عن رب العالمين ) ولم نتتبع جميع أدلتهم لئلا يؤدي ذلك إلى الإطالة المملة . وقد رأيت فيما ذكرنا حجج القائلين بالقياس والاجتهاد فيما لا نص فيه ، وحجج المانعين لذلك .