الأول : في ذكر أشياء مما ذكر وردت فيها نصوص ، وتفصيل ذلك : فمن ذلك العصفر وقد رأيت في النقول التي ذكرنا من قال من أهل العلم : بأنه ليس بطيب ، وأنه لا بأس بلبس المحرم له ، وقد قدمنا فيه حديث أبي داود المصرح بأنه لا بأس بلبس النساء له ، وهن محرمات ، وفيه ، وقد صرح فيه بالسماع ، فعلم أنه لم يدلس فيه إلى آخر ما قدمنا فيه ، والظاهر بحسب الدليل : أن المعصفر لا يجوز لبسه ، وإن جوزه كثير من أجلاء العلماء من الصحابة ومن بعدهم ; لأن السنة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق بالاتباع . ابن إسحاق
وقد قال - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثني أبي عن معاذ بن هشام يحيى ، حدثني : أن محمد بن إبراهيم بن الحارث ابن معدان أخبره : أن ، أخبره قال " عبد الله بن عمرو بن العاص " ، ا هـ . رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي ثوبين معصفرين ، فقال : إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها
[ ص: 74 ] وابن معدان المذكور : هو خالد كما ثبت في صحيح مسلم بعد الحديث المذكور مباشرة ، وفي لفظ مسلم بإسناد غير الأول ، عن قال : " عبد الله بن عمرو " . رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - علي ثوبين معصفرين ، فقال : " أأمك أمرتك بهذا " ؟ قلت : أغسلهما قال : " بل أحرقهما
وقال مسلم في صحيحه أيضا : حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن نافع ، عن ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين - رضي الله عنه - : " علي بن أبي طالب " وفي لفظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نهى عن لبس القسي ، والمعصفر ، وعن تختم الذهب ، وعن قراءة القرآن في الركوع لمسلم ، عن علي - رضي الله عنه - : " " وفي لفظ نهاني النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القراءة وأنا راكع ، وعن لبس الذهب ، والمعصفر لمسلم عنه أيضا - رضي الله عنه - : " " انتهى منه . نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التختم بالذهب ، وعن لباس القسي ، وعن القراءة في الركوع والسجود ، وعن لباس المعصفر
فهذا الحديث الثابت في صحيح مسلم ، وغيره عن صحابيين جليلين ، وهما علي ، - رضي الله عنهم - صريح في منع لبس المعصفر مطلقا ; لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث وعبد الله بن عمرو بن العاص : " عبد الله بن عمرو " صريح في منع لبسهما ; لأن النهي يقتضي التحريم كما تقرر في الأصول ، ويؤيد ذلك هنا أنه رتب النهي عنهما على أنهما من ثياب الكفار ، وهذا دليل واضح على إنهما من ثياب الكفار ، فلا تلبسهما وغيره . وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث منع لبس المعصفر مطلقا في الإحرام : " عبد الله بن عمرو " فهو دليل واضح على منع لبسهما ; لأن لبس الجائز لبسه ، لا يستوجب الإحراق بحال ، فهو نص في منع المعصفر مطلقا ، وقول بل أحرقهما علي - رضي الله عنه - : " " الحديث . دليل أيضا على منع لبس المعصفر مطلقا ; لأن النهي يقتضي التحريم ، إلا لدليل صارف عنه ، وليس موجودا ، ويؤيده أنه قرنه بالتختم بالذهب ، وهو ممنوع ، وما زعمه بعض أهل العلم : من أن رواية نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس القسي والمعصفر ، وعن تختم الذهب علي المذكورة آنفا في مسلم : " نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : تدل على اختصاص هذا الحكم بعلي ; لأنه قال : نهاني بياء المتكلم في الرواية المذكورة ، مردود من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه - صلى الله عليه وسلم - بين في حديث ابن عمرو عموم هذا الحكم ، حيث قال لعبد الله : " " وهذا صريح في عدم اختصاص هذا الحكم إن هذا من ثياب الكفار ، فلا تلبسهما بعلي - رضي الله عنه - .
الوجه الثاني : أنه ثبت في صحيح مسلم ، عن علي - رضي الله عنه - : " ، بحذف مفعول نهى ، وحذف المفعول في ذلك ، يدل على عموم الحكم على التحقيق كما حرره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 75 ] نهى عن لبس القسي ، والمعصفر وعن تختم الذهب القرافي في شرح التنقيح من أن مثل نهى - صلى الله عليه وسلم - عن كذا صيغة عموم بما لا يدع مجالا للشك ؟ وممن انتصر لذلك : وغيره ، واختاره ابن الحاجب الفهري .
والحاصل : أن التحقيق في مثل ونحو ذلك : أنه يعم كل غرر وكل شفعة ، وكل شاهد ، ويمين ، وإن خالف في ذلك كثير من الأصوليين ، كما حررنا أدلة الفريقين ، وناقشناها في غير هذا الموضع . نهى - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر وقضى بالشفعة ، وقضى بالشاهد واليمين
الوجه الثالث : أن رواية " نهاني " التي احتج بها مدعي اختصاص هذا الحكم بعلي : تدل أيضا على عموم الحكم ; لأن خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لواحد من أمته يعم حكمه جميع الأمة لاستوائهم في أحكام التكليف ، إلا بدليل خاص يجب الرجوع إليه ، وخلاف أهل الأصول في خطاب الواحد ، هل هو من صيغ العموم الدالة على عموم الحكم ، خلاف في حال لا خلاف حقيقي ، فخطاب الواحد عند الحنابلة صيغة عموم ، وعند غيرهم من الشافعية ، والمالكية وغيرهم : أن خطاب الواحد لا يعم ; لأن اللفظ للواحد لا يشمل بالوضع غيره ، وإذا كان لا يشمله وضعا ، فلا يكون صيغة عموم ، ولكن أهل هذا القول موافقون : على أن حكم خطاب الواحد عام لغيره لكن بدليل آخر غير خطاب الواحد ، وذلك الدليل بالنص والقياس . أما القياس فظاهر ; لأن قياس غير ذلك المخاطب عليه بجامع استواء المخاطبين في أحكام التكليف من القياس الجلي والنص ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - في مبايعة النساء : " " . إني لا أصافح النساء ، وما قولي لامرأة إلا كقولي لمائة امرأة
قالوا : ومن أدلة ذلك حديث : " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " .
قال ابن قاسم العبادي في الآيات البينات : اعلم أن حديث : " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " لا يعرف له أصل بهذا اللفظ ، ولكن روى الترمذي وقال : حسن صحيح ، ، والنسائي ، وابن ماجه ، قوله - صلى الله عليه وسلم - في مبايعة النساء : " وابن حبان " وساق الحديث كما ذكرناه . إني لا أصافح النساء
وقال صاحب كشف الخفاء ومزيل الألباس ، عما اشتهر من الأحاديث ، على ألسنة الناس : " حكمي على الواحد حكمي على الجماعة " ، وفي لفظ : " كحكمي على الجماعة " ليس له أصل بهذا اللفظ ، كما قال العراقي : في تخريج أحاديث البيضاوي . [ ص: 76 ] وقال في الدرر كالزركشي لا يعرف ، وسئل عنه المزي ، والذهبي فأنكراه . نعم يشهد له ما رواه الترمذي ، من حديث والنسائي أميمة بنت رقيقة ، فلفظ : " النسائي " ولفظ ما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة الترمذي : " " وهو من الأحاديث التي ألزم إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة الشيخين بإخراجها ; لثبوتها على شرطهما . الدارقطني
وقال ابن قاسم العبادي في شرح الورقات الكبير : " حكمي على الجماعة " ، لا يعرف له أصل ، إلى آخره قريبا مما ذكرنا عنه ، ا هـ .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الحديث المذكور ثابت من حديث أميمة بنت رقيقة بقافين مصغرا : وهي صحابية من المبايعات ، ورقيقة أمها : وهي أخت . وقيل عمتها واسم أبيها خديجة بنت خويلد بجاد بموحدة ، ثم جيم ابن عبد الله بن عمير التيمي تيم بن مرة ، وأشار إلى ذلك في " المراقي " بقوله :
خطاب واحد لغير الحنبلي من غير رعي النص والقيس الجلي
وبهذا كله تعلم أن التحقيق منع لبس المعصفر ، وظاهر النصوص الإطلاق : أي سواء كان في الإحرام ، أو غيره كما رأيت ، وجمع بعض العلماء بين الأحاديث التي ذكرناها في صحيح مسلم ، الدالة على منع لبس المعصفر مطلقا ، وبين حديث أبي داود المتقدم الدال على إباحته للنساء في الإحرام ، بأن أحاديث المنع إنما هي بالنسبة للرجال ، وحديث الجواز بالنسبة إلى النساء ، فيكون ممنوعا للرجال جائزا للنساء ، وتتفق الأحاديث .
وممن اعتمد هذا الجمع الترمذي في سننه حيث قال : باب ما جاء في كراهة المعصفر للرجال : حدثنا قتيبة ، ثنا ، عن مالك بن أنس نافع ، عن ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين علي - رضي الله عنه - قال : " " وفي الباب عن نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس القسي والمعصفر أنس ، وعبد الله بن عمرو ، وحديث علي : حديث حسن صحيح ، انتهى منه . فتراه في ترجمة الحديث جعله خاصا بالرجال ، وهو عين الجمع الذي ذكرنا ، وأشار النووي في شرح مسلم : إلى أن الجمع المذكور يشير إليه الحديث الصحيح عند مسلم ، وذلك في قوله : أعني النووي قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " معناه : أن هذا من لباس النساء ، وزيهن ، وأخلاقهن . انتهى محل الغرض منه . أأمك أمرتك بهذا
[ ص: 77 ] وتفسيره للحديث : يدل على أن الحديث فيه . تحريم المعصفر على الرجال دون النساء
ويدل لهذا الجمع ما رواه أبو داود في سننه : حدثنا مسدد ، ثنا ، ثنا عيسى بن يونس ، عن هشام بن الغاز ، عن أبيه عن جده قال : عمرو بن شعيب " انتهى من سنن هبطنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال : " ما هذه الريطة عليك ؟ " فعرفت ما كره فأتيت أهلي ، وهم يسجرون تنورا لهم فقذفتها فيه ، ثم أتيته من الغد فقال : " يا عبد الله ما فعلت الريطة ؟ " فأخبرته فقال : ألا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس به للنساء أبي داود ، وهو صريح في الجمع المذكور ، وهذا الإسناد لا يقل عن درجة الحسن ، وهذا الحديث أخرجه : حدثنا ابن ماجه أبو بكر ، ثنا ، عن عيسى بن يونس إلى آخر الإسناد ، ثم قال : هشام بن الغاز ، إلى آخر الحديث . كلفظ أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية أذاخر ، فالتفت إلي وعلي ريطة أبي داود ، ا هـ .
وجمع الخطابي بين الأحاديث : بأن النهي فيما صبغ من الثياب بعد النسج ، وأن الإباحة منصرفة إلى ما صبغ غزله ، ثم نسج نقل هذا الجمع النووي في " شرح مسلم " عن الخطابي .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : هذا الجمع فيه نظر ; لأنه تحكم ، والظاهر أن العصفر ليس بطيب ، فأبيح للنساء ومنع للرجال ، كالحرير وخاتم الذهب . والله تعالى أعلم .
فاتضح أن الظاهر بحسب الدليل أن المعصفر : لا يحل لبسه للرجال ، ويحل للنساء ; لأن ظاهر أحاديث النهي عنه العموم ، وكونه من ثياب الكفار قرينة على التعميم ، إلا أن أحاديث النهي تخصص بالأحاديث المتقدمة المصرحة ، بجوازه للنساء كحديث ، عن أبيه ، عن جده ، عند عمرو بن شعيب أبي داود ، وحديث وابن ماجه الترمذي وما فسر به النووي حديث مسلم وحديث أبي داود المتقدم الذي فيه ، وكونه من ثياب الكفار : لا ينافي أن ذلك بالنسبة للرجال . دون النساء ، كما قال في الذهب والفضة والديباج والحرير : " ابن إسحاق " مع إباحتها للنساء . إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة
والذين أباحوا لبس المعصفر للرجال والنساء معا ، احتجوا بما ذكره النووي في " شرح مسلم " قال : ثبت أن . النبي - صلى الله عليه وسلم - لبس حلة حمراء
[ ص: 78 ] وفي الصحيحين عن - رضي الله عنهما - قال : " ابن عمر " انتهى منه فانظره . رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالصفرة
والذين منعوه للرجال دون النساء استدلوا بالأحاديث المذكورة المصرحة بإباحته للنساء ، وعضدوا الأحاديث المذكورة بآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - فمن ذلك ما رواه مالك في " الموطأ " ، عن ، عن أبيه ، عن أمه هشام بن عروة - رضي الله عنهما - : أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبعات ، وهي محرمة ليس فيها زعفران . انتهى محل الغرض منه . أسماء بنت أبي بكر
وقال شارحه الزرقاني : وكذلك جاء عن أختها . روى ، عن سعيد بن منصور قال : كانت القاسم بن محمد عائشة - رضي الله عنها - تلبس الثياب المعصفرة ، وهي محرمة . إسناده صحيح انتهى منه .
وروى البيهقي بإسناده ، عن ، عن أبيه ، عن هشام بن عروة نحو رواية أسماء بنت أبي بكر مالك في " الموطأ " عنها ثم قال : هكذا رواه مالك ، وخالفه أبو أسامة ، ، وحاتم بن إسماعيل فرووه عن وابن نمير هشام ، عن فاطمة ، عن أسماء ، قاله . انتهى من السنن الكبرى . مسلم بن الحجاج
وقال البيهقي : وروينا عن نافع أن نساء كن يلبسن المعصفر ، وهن محرمات ، ثم ذكر عن ابن عمر أبي داود في المراسيل : أن مكحولا قال : " ثم ساق سنده به إلى جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثوب مشبع بعصفر ، فقالت : يا رسول الله ، إني أريد الحج ، فأحرم في هذا ؟ قال : " لك غيره ؟ " قالت : لا . قال : " فأحرمي فيه أبي داود ، وذكر بسنده عن جابر أنه قال : " " لا تلبس المرأة ثياب الطيب وتلبس الثياب المعصفرة لا أرى المعصفر طيبا
وروى البيهقي بسنده عن عائشة - رضي الله عنها - " أنها كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر الخفيف وهي محرمة " ، وقد قدمنا حديث ، عند ابن عباس في الكبير قال : كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يختضبن بالحناء ، وهن محرمات ، ويلبسن المعصفر ، وهن محرمات ، وفي إسناده الطبراني يعقوب بن عطاء .
قال في مجمع الزوائد : وثقه ، وضعفه جماعة . ابن حبان
وقال أبو داود في سننه : حدثنا ، ثنا زهير بن حرب ، ثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثني إبراهيم بن طهمان بديل عن الحسن بن مسلم عن ، عن صفية بنت شيبة زوج [ ص: 79 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أم سلمة ، ولا الممشقة ، ولا الحلي ، ولا تختضب المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب " انتهى منه ، وهذا الإسناد صحيح كما ترى .
وقال صاحب الجوهر النقي في حاشيته على سنن البيهقي ، لما أشار إلى حديث أبي داود هذا ، وفيه دليل على أن العصفر طيب ، ولذلك نهيت عن المعصفر ، إذ لو كان النهي لكونه زينة نهيت عن ثوب العصب ; لأنه في الزينة فوق المعصفر ، والعصب برود اليمن يعصب غزلها : أي تطوى ، ثم تصنع مصبوغا ، ثم تنسج .
وفي الصحيحين : أنه - صلى الله عليه وسلم - استثنى من المنع ثوب العصب ، والشافعية خالفت هذا الحديث .
قال النووي : الأصح عندنا تحريم العصب مطلقا ، والحديث حجة لمن أجازه . وقال أيضا : الأصح أنه يجوز لها لبس الحرير . انتهى منه .
وفي صحيح مسلم من حديث ، في المتوفى عنها زوجها : " أم عطية " الحديث . ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ، ولا تكتحل ولا تمس طيبا
وفي صحيح البخاري : من حديث قالت : " أم عطية " . الحديث ، وفيه : " كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج " الحديث . ولا تكتحل ولا تطيب ولا تلبس مصبوغا إلا ثوب عصب
والممشقة في حديث المذكورة هي المصبوغة بالمشق بالكسر والفتح ، وهو المغرة ، والعصفر بالضم : نبات يصبغ به وبرزه هو القرطم . أم سلمة
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي أن منع المتوفى عنها زوجها ، من لبس المعصفر المذكور ، ليس لكونه طيبا كما ظنه صاحب الجوهر النقي ، بدليل الأحاديث الدالة على المنع منه في غير الإحرام ، مع جواز الطيب لغير المحرم ، والأظهر أن المنع منه للزينة : وهي محرمة على المتوفى عنها زوجها ، دون غيرها من النساء . والعلم عند الله تعالى .
ولا يتعين كون العصب فوقه في الزينة ; لأن المتوفى عنها زوجها ممنوعة في العدة ، من الطيب ، والتزين ، فإباحة العصب لها تدل على ضعف رتبته في الزينة . والله تعالى أعلم .
ومن ذلك الحناء ، قد قدمنا اختلاف العلماء فيها ، هل هي طيب أو لا ؟ وقد قدمنا [ ص: 80 ] آثارا تدل على أنها ليست بطيب ، وقدمنا حديث عند ابن عباس : أن أزواج النبي كن يختضبن بالحناء ، وهن محرمات ، وقد قدمنا أن في إسناده الطبراني يعقوب بن عطاء ، وقد روى البيهقي بإسناده في " السنن الكبرى " عائشة - رضي الله عنها - أنها قيل لها : ما تقولين في ؟ قالت : كان خليلي لا يحب ريحه الحناء والخضاب ، ثم قال عن البيهقي : فيه كالدلالة على أن الحناء ليس بطيب : " " انتهى منه . فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الطيب ولا يحب ريح الحناء
وهذا حاصل مستند من قال : إن الحناء ليس بطيب ، وقال صاحب " الجوهر النقي " بعد أن ذكر كلام البيهقي الذي ذكرنا : وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - خلاف هذا . قال أبو عمر في " التمهيد " : ذكر ابن بكير عن ، عن ابن لهيعة ، عن بكير بن الأشج ، عن أمها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال خولة بنت حكيم : " لأم سلمة " . وأخرجه لا تطيبي وأنت محرمة ولا تمسي الحناء ، فإنه طيب البيهقي في كتاب المعرفة ، من هذا الوجه وقد عد وغيره : من أهل اللغة : الحناء من أنواع الطيب . وقال أبو حنيفة الدينوري الهروي في الغريبين : وفي الحديث : " سيد رياحين الجنة الفاغية " قال : هو نور الحناء . وفي الحديث أيضا عن الأصمعي أنس : " " انتهى منه . وقال صاحب كشف الخفاء ومزيل الإلباس . وقال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الفاغية النجم ، وعند الطبراني والبيهقي ، وأبي نعيم في الطب عن بريدة : " سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم ، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء ، وسيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية " انتهى محل الحاجة منه ، وقال ابن الأثير في النهاية فيه : " سيد رياحين الجنة الفاغية ، هي نور الحناء " وقيل : نور الريحان . وقيل : نور كل نبت من أنوار الصحراء ، التي لا تزرع . وقيل : فاغية كل نبت نوره ، ومنه حديث أنس : " ، ا هـ . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعجبه الفاغية "
وفي " القاموس " : والفاغية نور الحناء أو يغرس غصن الحناء مقلوبا فيثمر زهرا أطيب من الحناء ، فذلك الفاغية انتهى محل الغرض منه . ولا يخفى أن الحناء لم يثبت فيه شيء مرفوع وأكثر أنواع الطيب لم تثبت في خصوصها نصوص ، ومنها : ما ثبت بالنص كالزعفران ، والورس ، كما تقدم إيضاحه ، وكالذريرة والمسك كما سيأتي إن شاء الله . وقد قدمنا أن الذي اختلف فيه أهل العلم من الأنواع : هل هو طيب ، أو ليس بطيب ؟ أن ذلك من نوع الاختلاف في تحقيق المناط ، والعلم عند الله تعالى .