تنبيه
مثلا ، فهل يجزئه حينئذ صوم الأيام الثلاثة لأنه لم يزل في الحج ، لبقاء ركن منه ، ولأنه لا يجوز له الرفث إلى النساء ; لأنه لم يزل في الحج ، أو لا يجوز له صومها نظرا إلى أن وقت الطواف ، الذي بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : " إذا أخر الحاج طواف الإفاضة ، عن أيام التشريق إلى آخر ذي الحجة " قد فات ؟ وهذا التأخير مخالف [ ص: 166 ] للسنة ، فلا عبرة به ، وهذا أظهر عندي . والله تعالى أعلم . لتأخذوا عني مناسككم
وبنحوه جزم النووي في " شرح المهذب " ، قائلا : إن تأخير الطواف بعيد فلا يحمل عليه قوله تعالى : ( في الحج ) وذكر عن بعض الشافعية وجها آخر غير هذا . وإن مات المتمتع العاجز ، عن الصوم قبل أن يصوم ، فقال بعض أهل العلم : يتصدق عما أمكنه صومه ، عن كل يوم بمد من حنطة ، وهو مروي عن . وقيل : يهدي عنه . وقيل : لا هدي عنه ، ولا إطعام . والله تعالى أعلم . الشافعي
واختلف أهل العلم : إن وجب عليه الصوم فلم يشرع فيه ، حتى قدر على الهدي هل ينتقل إلى الهدي ؟ ; لأن الصوم إنما لزم للعجز عن الهدي ، وقد زال بوجوده ، وهذا إن وقع قبل يوم النحر ، لا ينبغي أن يختلف فيه . أما إن وجد الهدي ، بعد فوات وقت الأيام الثلاثة ، فهو محل القولين ، وهما روايتان ، عن أحمد ، وقد قدمنا كلام أهل العلم في ذلك ، ولا نص فيه .
والأظهر أن صوم السبعة الذي لم يعين له وقت لا ينبغي العدول عنه ، إلى غيره ، كما تقدم خلافا لمن قال بغير ذلك ، والعلم عند الله تعالى .
هذا هو حاصل ما يتعلق بالدماء الواجبة ، بغير النذر مع كونها منصوصا عليها في القرآن .
أما الدماء التي لم يذكر حكمها في القرآن ، وقد قاسها العلماء على المذكورة في القرآن ، فمنها : . فقد روى دم الفوات مالك في " الموطأ " ، عن - رضي الله عنه - : أنه أمر عمر بن الخطاب ، أبا أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود حين فاتهما الحج ، وأتيا يوم النحر : أن يحلا بعمرة ، ثم يرجعا حلالا ثم يحجان عاما قابلا ، ويهديان ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله . انتهى محل الغرض منه .
فقد قاس - رضي الله عنه - : دم الفوات على دم التمتع حيث قال : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، وقول عمر بن الخطاب عمر " ثلاثة أيام في الحج " ، لا يظهر في الفوات ; لأن الفوات لا يتحقق إلا بانتهاء ليلة النحر ، اللهم إلا إن كان عاقه عائق ، وهو بعيد ، بحيث لو سار ثلاثة أيام لم يدرك عرفة ليلة النحر ، فحينئذ قد يصومها وكأنه في الحج ; لأنه لم يحصل له الفوات فعلا ، وإن كان الفوات محققا وقوعه في المستقبل ، ووجه قياس : دم الفوات على دم التمتع ، حتى صار بدله من الصوم كبدله .
[ ص: 167 ] ذكره في " المغني " قائلا : إن هدي التمتع ، إنما وجب للترفه بترك أحد السفرين وقضائه النسكين في سفر واحد ، فيقاس عليه دم من فاته الحج بجامع أنه ترك بعض ما اقتضاه إحرامه ، فصار كالتارك لأحد السفرين انتهى محل الغرض منه . ولا يظهر عندي كل الظهور . ابن قدامة
ثم قال في " المغني " : فإن قيل : فهلا ألحقتموه بهدي الإحصار فإنه أشبه به ، إذ هو حلال من إحرامه قبل إتمامه . قلنا : الهدي فيهما سواء . وأما البدل ، فإن الإحصار ليس بمنصوص على البدل فيه ، وإنما ثبت قياسا ، فقياس هذا على الأصل المنصوص عليه أولى من قياسه على فرعه ، على أن الصيام هاهنا مثل الصيام عن دم الإحصار ، وهو عشرة أيام أيضا ، إلا أن صيام الإحصار : يجب أن يكون قبل حله ، وهذا يجوز فعله قبل حله وبعده ، وهو أيضا مفارق لصوم المتعة ; لأن الثلاثة في المتعة : يستحب أن يكون آخرها يوم عرفة ، وهذا يكون بعد فوات عرفة . والخرقي إنما جعل مثل الصوم عن جزاء الصيد عن كل مد يوما . والمروي عن الصوم عن هدي الفوات عمر وابنه مثل ما ذكرنا ، ويقاس عليه أيضا : كل دم وجب لترك واجب ، كدم القران وترك الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس ، والمبيت بمزدلفة ، والرمي ، والمبيت ليالي منى بها ، وطواف الوداع . فالواجب فيه : ما استيسر من الهدي ، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام ، وأما ، فالواجب فيه بدنة بقول الصحابة المنتشر الذي لم يظهر خلافه ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع ، كصيام المتعة . كذا قال من أفسد حجه بالجماع عبد الله بن عمر ، ، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو رواه عنهم الأثرم ، ولم يظهر في الصحابة خلافهم ، فيكون إجماعا ، فيكون بدله مقيسا على بدل دم المتعة .
وقال أصحابنا : يقوم البدنة بدراهم ، ثم يشتري بها طعاما ، فيطعم كل مسكين مدا أو يصوم عن كل مد يوما ، فتكون ملحقة بالبدنة الواجبة في جزاء الصيد .
ويقاس على فدية الأذى ما وجب بفعل محظور ، يترفه به كتقليم الأظافر ، واللبس ، والطيب وكل استمتاع من النساء : كالوطء في العمرة ، أو في الحج بعد رمي جمرة العقبة ، فإنه في معنى فدية الأذى من الوجه الذي ذكرنا ، فيقاس عليه ، ويلحق به ، فقد قال : لامرأة وقع عليها زوجها قبل أن تقصر : عليك فدية من صيام أو صدقة أو نسك . انتهى بطوله من " المغني " . ابن عباس
وهذه الأمور المذكورة لا نص فيها ، من كتاب ولا سنة .
[ ص: 168 ] وقد قدمنا في سورة " البقرة " ، أقوال أهل العلم في المحصر إن عجز عن الهدي هل يلزمه بدله ، أو لا يلزمه شيء بدلا عنه . وأقوال من قالوا : يلزمه البدل في البدل ، هل هو الصوم ، أو الإطعام بما أغنى عن إعادته هنا .
وقد علمت من كلام صاحب " المغني " أن المشهور في مذهب أحمد : هو قياس دم الفوات على دم التمتع ، كما فعل عمر - رضي الله عنه - ، وأن الخرقي من الحنابلة قاسه على دم جزاء الصيد فجعل الصوم عن دم الفوات ، كالصوم عن جزاء الصيد ، وأن مذهب أحمد أيضا ، قياس كل دم وجب لترك واجب على دم التمتع . فيصوم عند العجز عنه عشرة أيام ، وذلك كدم القران ، وترك الإحرام من الميقات ، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس ، والمبيت بمزدلفة والرمي والمبيت ليالي منى بها . وطواف الوداع . وكذلك قياس صوم من عجز عن البدنة في حال إفساد حجه بالجماع ، فهو عند أحمد : عشرة أيام قياسا على التمتع . وقد قدمنا نقل صاحب " المغني " لذلك عن بعض الصحابة وعدم مخالفة غيرهم لهم .
وعن بعض الحنابلة : تقويم بدنة المجامع العاجز بالدراهم ، فيشتري بها طعاما إلى آخر ما تقدم . وأن مذهب أحمد : قياس كل دم وجب بفعل محظور ، كاللبس ، والطيب ، وتقليم الأظافر ، ونحو ذلك على فدية الأذى .
وقد قدمنا أن قياس تلك الأشياء على فدية الأذى : مجمع عليه من الأئمة الأربعة ، إلا أن . يخصصه بما فعل للعذر ، ويوجب الدم دون غيره ، فيما فعل من ذلك لا لعذر ، كما تقدم إيضاحه . أبا حنيفة
وأما مذهب في دم الفوات ، ففيه طريقان أصحهما : قياسه على دم التمتع ، في الترتيب ، والتقدير ، وسائر الأحكام . الشافعي
والطريق الثاني : على قولين أحدهما : أنه كدم التمتع أيضا . والثاني : أنه كدم الجماع في الأحكام ، إلا أن هذا شاة ، والجماع بدنة لاشتراك الصورتين في وجوب القضاء ، وقد قدمنا حكم المجامع العاجز عن البدنة في مذهب ماذا يلزمه ، ومذهب الشافعي في الشافعي ، والرمي والوقوف الدم الواجب بسبب ترك بعض المأمورات كالإحرام من الميقات بعرفة إلى الغروب ، والمبيت بمزدلفة ليلة النحر ، وبمنى ليالي منى ، وطواف الوداع هو أن في ذلك أربعة أوجه ، أصحها : أنه كدم التمتع أيضا في الترتيب ، [ ص: 169 ] والتقدير ، فإن عجز عن الهدي ، صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع .
الوجه الثاني : أنه إن عجز عن الهدي قوم شاة الهدي دراهم ، واشترى بها طعاما وتصدق به ، فإن عجز صام عن كل مد يوما ، والوجهان الآخران عند الشافعية تركناهما لضعفهما وشذوذهما ، كما قاله علماء الشافعية . ومذهب في الدم اللازم . بسبب الاستمتاع : كالطيب واللباس ، ومقدمات الجماع أن فيه عندهم أربعة أوجه ، وقد قدمناها . الشافعي
وقدمنا أن أصحها أنه كفدية الأذى المنصوصة في آية الفدية . ودم الجماع فيه عند الشافعية طرق واختلاف منتشر ، والمذهب المشهور عندهم : أنه بدنة ، فإن عجز عنها فبقرة ، فإن عجز فسبع شياه ، فإن عجز قوم البدنة بدراهم ، والدراهم بطعام ثم تصدق به ، فإن عجز صام عن كل مد يوما . وقيل : إن عجز عن الغنم قوم البدنة وصام ، فإن عجز أطعم ، فيقدم الصيام على الإطعام ككفارة الظهار ونحوها . وقيل : لا مدخل للإطعام والصيام ، بل إذا عجز عن الغنم ثبت الفداء في ذمته . وقيل : إنه يتخير بين البدنة ، والبقرة ، والغنم ، فإن عجز عنها ، فالإطعام ثم الصوم . وقيل : يتخير بين البدنة ، والبقرة ، والشياه ، والإطعام ، والصيام ، وكل هذه الأقوال لا دليل على شيء منها من كتاب ولا سنة ولا قياس جلي .
وقول الظاهرية : إن كل ما لم يثبت من هذه المذكورات من صيام ودم لا يجب ; لأن كل ما سكت عنه الوحي فهو عفو له وجه من النظر ، والعلم عند الله تعالى .
وقد قدمنا أن مذهب مالك هو قياس الطيب واللبس ونحو ذلك على فدية الأذى كغيره من الأئمة .
وأما ، فكل ذلك يقيس بدله على بدل التمتع ، فإن عجز عن الهدي صام عشرة أيام ، وإنما يصوم الثلاثة في الحج عندهم المتمتع ، والقارن ومتعدي الميقات ، ومفسد الحج ومن فاته الحج . دم الفوات والفساد ، وترك الرمي وتعدي الميقات ، وترك المبيت بمزدلفة
وأما من لزمه ذلك لترك جمرة أو النزول بمزدلفة ، فيصوم متى شاء ; لأنه يقضي في غير حج ، فيصوم في غير حج . اهـ من المواق .
وقد قدمنا في مسائل الحج التي ذكرناها في الكلام على آية الحج : بعض المسائل التي يتعدد فيها الدم ، وبعض المسائل التي لا يتعدد فيها في مواضع متفرقة ، مع عدم النص في ذلك من كتاب أو سنة .
[ ص: 170 ] والأظهر عندي أن الدماء إن اختلفت أسبابها كمن جاوز الميقات غير محرم ، ودفع من عرفة قبل غروب الشمس عند من يقول حجه صحيح ، وعليه دم ، وترك المبيت بمزدلفة وترك المبيت بمنى أيام منى ، أنه تتعدد عليه الدماء ، بتعدد أسبابها مع اختلافها . أما إن كانت الأسباب المتعددة من نوع واحد ، كأن ترك رمي يوم ، ثم ترك رمي يوم آخر أو بات ليلة من ليالي منى في غير منى ثم كرر ذلك ، فللتعدد وجه وللاتحاد وجه ، وقد قدمنا أقوال أهل العلم في ذلك في محله . والعلم عند الله تعالى .
واعلم أن ثم كرر العمرة في أشهر الحج : لا يلزمه إلا هدي تمتع واحد ، ولا ينبغي أن يختلف في ذلك ، والعلم عند الله تعالى . من اعتمر في أشهر الحج ، وأحل من عمرته ، وهو يريد التمتع
وقد قدمنا أن أقل الهدي واجبا كان للتمتع والقران ونحوهما ، أو غير واجب شاة تجزئ ضحية أو شرك في دم ، كسبع بدنة أو بقرة على التحقيق ، كما تقدم إيضاحه ، ولا عبرة بخلاف من خالف في الاشتراك فيه لثبوته بالنص الصحيح .
واعلم أن من أحرم بعمرة في أشهر الحج له أن يدخل عليها الحج ، فيكون قارنا ، وعليه دم القران ما لم يفتتح الطواف بالبيت ، وإن افتتح الطواف : ففي جواز إدخاله عليها حينئذ ، خلاف بين أهل العلم .
قال النووي : فجوزه مالك ، ومنعه عطاء ، ، والشافعي . وأبو ثور
واختلفوا أيضا في ، فيكون قارنا ، وعليه دم القران ، وقد قدمنا أن الشافعية والمالكية يقولون : إن ذلك هو الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، وأكثرهم يقول : هو لا يجوز لغيره ، بل جوازه خاص به - صلى الله عليه وسلم - كما قدمنا . إدخال العمرة على الحج
وقال النووي في " شرح المهذب " : واختلفوا في إدخال العمرة على الحج ، فقال أصحابنا : يجوز ، ويصير قارنا وعليه دم القران ، وهو قول قديم ، ومنعه للشافعي في الشافعي مصر ، ونقل منعه عن أكثر من لقيه . انتهى محل الغرض منه .
والظاهر أن المحرم المتمتع إذا أحل من عمرته ، يستحب له ألا يحرم بالحج ، إلا يوم التروية ; لأن ذلك هو الذي فعله أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بأمره في حجة الوداع ، ومحل هذا إن كان واجدا هدي التمتع ، فإن كان عاجزا عنه ويريد أن يصوم ، استحب له تقديم الإحرام ; ليصوم الأيام الثلاثة في إحرام الحج ، وقد قدمنا أقوال من قال من أهل العلم : إنه [ ص: 171 ] ينبغي أن يكون آخرها يوم عرفة ، وقول من كره صوم يوم عرفة واستحب انتهاءها قبل يوم عرفة . والله تعالى أعلم