قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=28993_29299أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ، متعلق أذن محذوف في هذه الآية الكريمة أي : أذن لهم في القتال بدليل قوله : يقاتلون ، وقد صرح - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه أذن للذين يقاتلون وهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ودل قوله : يقاتلون : على أن المراد من يصلح للقتال منهم دون من لا يصلح له ، كالأعمى والأعرج والمريض والضعيف والعاجز عن السفر للجهاد لفقره
[ ص: 263 ] بدليل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض الآية [ 24 \ 61 ] ، وقوله - جل وعلا - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل [ 9 \ 91 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39بأنهم ظلموا الباء فيه سببية وهي من حروف التعليل ، كما تقرر في مسلك النص الظاهر من مسالك العلة ، وهذه الآية هي أول آية نزلت في الجهاد كما قال به جماعات من العلماء ، وليس فيها من أحكام الجهاد إلا مجرد الإذن لهم فيه ، ولكن قد جاءت آيات أخر دالة على أحكام أخر زائدة على مطلق الإذن فهي مبينة عدم الاقتصار ، على الإذن كما هو ظاهر هذه الآية ، وقد قالت جماعة من أهل العلم : إن الله تبارك وتعالى لعظم حكمته في التشريع ،
nindex.php?page=treesubj&link=32208إذا أراد أن يشرع أمرا شاقا على النفوس كان تشريعه على سبيل التدريج ; لأن إلزامه بغتة في وقت واحد من غير تدريج فيه مشقة عظيمة ، على الذين كلفوا به قالوا فمن ذلك الجهاد ، فإنه أمر شاق على النفوس لما فيه من تعريضها لأسباب الموت ; لأن القتال مع العدو الكافر القوي من أعظم أسباب الموت عادة ، وإن كان الأجل محدودا عند الله تعالى كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=145وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا [ 3 \ 145 ] وقد بين تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=7860مشقة إيجاب الجهاد عليهم ، بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=77ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب [ 4 \ 77 ] ومع تعريض النفوس فيه لأعظم أسباب الموت ، فإنه ينفق فيه المال أيضا كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم [ 61 \ 11 ] قالوا : ولما كان الجهاد فيه هذا من المشقة ، وأراد الله تشريعه شرعه تدريجا ، فأذن فيه أولا من غير إيجاب بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا الآية [ 22 \ 39 ] ، ثم لما استأنست به نفوسهم بسبب الإذن فيه ، أوجب عليهم فقال : من قاتلهم دون من لم يقاتلهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا الآية [ 2 \ 190 ] ، وهذا تدريج من الإذن إلى نوع خاص من الإيجاب ، ثم لما استأنست نفوسهم بإيجابه في الجملة أوجبه عليهم إيجابا عاما جازما في آيات من كتابه ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد [ 9 \ 5 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة [ 9 \ 36 ] وقوله :
[ ص: 264 ] nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16تقاتلونهم أو يسلمون [ 48 \ 16 ] إلى غير ذلك من الآيات .
واعلم : أن لبعض أهل العلم في بعض الآيات التي ذكرنا أقوالا غير ما ذكرنا ، ولكن هذا التدريج الذي ذكرنا دل عليه استقراء القرآن في
nindex.php?page=treesubj&link=32208_17195تشريع الأحكام الشاقة ، ونظيره شرب الخمر فإن تركه شاق على من اعتاده ،
nindex.php?page=treesubj&link=17196فلما أراد الله أن يحرم الخمر حرمها تدريجا ، فذكر أولا بعض معائبها كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما [ 2 \ 219 ] ثم لما استأنست نفوسهم بأن في الخمر إثما أكثر مما فيها من النفع ، حرمها عليهم في أوقات الصلاة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى الآية [ 4 \ 43 ] ، فكانوا بعد نزولها ، لا يشربونها إلا في وقت يزول فيه السكر قبل وقت الصلاة ، وذلك بعد صلاة العشاء وبعد صلاة الصبح ; لأن ما بين العشاء والصبح يصحو فيه السكران عادة ، وكذلك ما بين الصبح والظهر ، وهذا تدريج من عيبها إلى تحريمها في بعض الأوقات ، فلما استأنست نفوسهم بتحريمها حرمها عليهم تحريما عاما جازما بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=91فهل أنتم منتهون [ 5 \ 90 - 91 ] وكذلك الصوم ، فإنه لما كان الإمساك عن شهوة الفرج والبطن شاقا على النفوس ، وأراد تعالى تشريعه شرعه تدريجا فخير أولا بين صوم اليوم وإطعام المسكين في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين [ 2 \ 184 ] فلما استأنست النفوس به في الجملة ، أوجبه أيضا إيجابا عاما جازما بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فمن شهد منكم الشهر فليصمه الآية [ 2 \ 185 ] وقال بعض أهل العلم :
nindex.php?page=treesubj&link=2334التدريج في تشريع الصوم على ثلاثة مراحل كما قبله قالوا : أوجب عليهم أولا صوما خفيفا لا مشقة فيه وهو صوم يوم عاشوراء وثلاثة من كل شهر ، ثم لما أراد فرض صوم رمضان شرعه تدريجا على المرحلتين اللتين ذكرناهما آنفا ، هكذا قالته جماعات من أهل العلم ، وله اتجاه والعلم عند الله تعالى . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39وإن الله على نصرهم لقدير يشير إلى معنيين .
أحدهما : أن فيه الإشارة إلى وعده للنبي وأصحابه ، بالنصر على أعدائهم كما قال قبله قريبا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=38إن الله يدافع عن الذين آمنوا [ 22 \ 38 ] .
والمعنى الثاني : أن الله قادر على أن ينصر المسلمين على الكافرين من غير قتال
[ ص: 265 ] لقدرته على إهلاكهم بما شاء ، ونصرة المسلمين عليهم بإهلاكه إياهم ، ولكنه شرع الجهاد لحكم منها : اختبار الصادق في إيمانه ، وغير الصادق فيه ، ومنها تسهيل نيل فضل الشهادة في سبيل الله بقتل الكفار لشهداء المسلمين ، ولولا ذلك لما حصل أحد فضل الشهادة في سبيل الله ، كما أشار تعالى إلى حكمة اختبار الصادق في إيمانه وغيره بالجهاد في آيات من كتابه ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض [ 47 \ 4 ] وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب الآية [ 3 \ 179 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون [ 9 \ 16 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين [ 3 \ 142 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم [ 47 \ 31 ] إلى غير ذلك من الآيات وكقوله تعالى في حكمة الابتلاء المذكور ، وتسهيل الشهادة في سبيله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=141وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين [ 3 \ 140 - 141 ] وقرأ هذا الحرف
نافع ،
وأبو عمرو وعاصم : " أذن " بضم الهمزة وكسر الذال مبنيا للمفعول ، وقرأ الباقون : بفتح الهمزة مبنيا للفاعل أي : أذن الله للذين يقاتلون ، وقرأ
نافع وابن عامر وحفص ، عن
عاصم : " يقاتلون " بفتح التاء مبنيا للمفعول ، وقرأ الباقون بكسر التاء مبنيا للفاعل .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=28993_29299أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، مُتَعَلِّقُ أُذِنَ مَحْذُوفٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَيْ : أُذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : يُقَاتَلُونَ ، وَقَدْ صَرَّحَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : أَنَّهُ أُذِنَ لِلَّذِينِ يُقَاتَلُونَ وَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَدَلَّ قَوْلُهُ : يُقَاتَلُونَ : عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ مِنْهُمْ دُونَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لَهُ ، كَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ وَالْمَرِيضِ وَالضَّعِيفِ وَالْعَاجِزِ عَنِ السَّفَرِ لِلْجِهَادِ لِفَقْرِهِ
[ ص: 263 ] بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ الْآيَةَ [ 24 \ 61 ] ، وَقَوْلِهِ - جَلَّ وَعَلَا - :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [ 9 \ 91 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا الْبَاءُ فِيهِ سَبَبِيَّةٌ وَهِيَ مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيلِ ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَسْلَكِ النَّصِّ الظَّاهِرِ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامِ الْجِهَادِ إِلَّا مُجَرَّدُ الْإِذْنِ لَهُمْ فِيهِ ، وَلَكِنْ قَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ دَالَّةٌ عَلَى أَحْكَامٍ أُخَرَ زَائِدَةٍ عَلَى مُطْلَقِ الْإِذْنِ فَهِيَ مُبَيِّنَةٌ عَدَمَ الِاقْتِصَارِ ، عَلَى الْإِذْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَقَدْ قَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِعِظَمِ حِكْمَتِهِ فِي التَّشْرِيعِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=32208إِذَا أَرَادَ أَنْ يُشَرِّعَ أَمْرًا شَاقًّا عَلَى النُّفُوسِ كَانَ تَشْرِيعُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّدْرِيجِ ; لِأَنَّ إِلْزَامَهُ بَغْتَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَدْرِيجٍ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ ، عَلَى الَّذِينَ كُلِّفُوا بِهِ قَالُوا فَمِنْ ذَلِكَ الْجِهَادُ ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ شَاقٌّ عَلَى النُّفُوسِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِهَا لِأَسْبَابِ الْمَوْتِ ; لِأَنَّ الْقِتَالَ مَعَ الْعَدُوِّ الْكَافِرِ الْقَوِيِّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ عَادَةً ، وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ مَحْدُودًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=145وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا [ 3 \ 145 ] وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=7860مَشَقَّةَ إِيجَابِ الْجِهَادِ عَلَيْهِمْ ، بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=77أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [ 4 \ 77 ] وَمَعَ تَعْرِيضِ النُّفُوسِ فِيهِ لِأَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ ، فَإِنَّهُ يُنْفَقُ فِيهِ الْمَالُ أَيْضًا كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=11وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ [ 61 \ 11 ] قَالُوا : وَلَمَّا كَانَ الْجِهَادُ فِيهِ هَذَا مِنَ الْمَشَقَّةِ ، وَأَرَادَ اللَّهُ تَشْرِيعَهُ شَرَّعَهُ تَدْرِيجًا ، فَأَذِنَ فِيهِ أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا الْآيَةَ [ 22 \ 39 ] ، ثُمَّ لَمَّا اسْتَأْنَسَتْ بِهِ نُفُوسُهُمْ بِسَبَبِ الْإِذْنِ فِيهِ ، أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : مَنْ قَاتَلَهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا الْآيَةَ [ 2 \ 190 ] ، وَهَذَا تَدْرِيجٌ مِنَ الْإِذْنِ إِلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنَ الْإِيجَابِ ، ثُمَّ لَمَّا اسْتَأْنَسَتْ نُفُوسُهُمْ بِإِيجَابِهِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ إِيجَابًا عَامًّا جَازِمًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [ 9 \ 5 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [ 9 \ 36 ] وَقَوْلِهِ :
[ ص: 264 ] nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=16تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [ 48 \ 16 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَاعْلَمْ : أَنَّ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَقْوَالًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّدْرِيجَ الَّذِي ذَكَرْنَا دَلَّ عَلَيْهِ اسْتِقْرَاءُ الْقُرْآنِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32208_17195تَشْرِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّاقَّةِ ، وَنَظِيرُهُ شُرْبُ الْخَمْرِ فَإِنَّ تَرْكَهُ شَاقٌّ عَلَى مَنِ اعْتَادَهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=17196فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُحَرِّمَ الْخَمْرَ حَرَّمَهَا تَدْرِيجًا ، فَذَكَرَ أَوَّلًا بَعْضَ مَعَائِبِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [ 2 \ 219 ] ثُمَّ لَمَّا اسْتَأْنَسَتْ نُفُوسُهُمْ بِأَنَّ فِي الْخَمْرِ إِثْمًا أَكْثَرَ مِمَّا فِيهَا مِنَ النَّفْعِ ، حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى الْآيَةَ [ 4 \ 43 ] ، فَكَانُوا بَعْدَ نُزُولِهَا ، لَا يَشْرَبُونَهَا إِلَّا فِي وَقْتٍ يَزُولُ فِيهِ السُّكْرُ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ; لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ يَصْحُو فِيهِ السَّكْرَانُ عَادَةً ، وَكَذَلِكَ مَا بَيْنَ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ ، وَهَذَا تَدْرِيجٌ مِنْ عَيْبِهَا إِلَى تَحْرِيمِهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ، فَلَمَّا اسْتَأْنَسَتْ نُفُوسُهُمْ بِتَحْرِيمِهَا حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ تَحْرِيمًا عَامًّا جَازِمًا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=90يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=91فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [ 5 \ 90 - 91 ] وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَةِ الْفَرْجِ وَالْبَطْنِ شَاقًّا عَلَى النُّفُوسِ ، وَأَرَادَ تَعَالَى تَشْرِيعَهُ شَرَّعَهُ تَدْرِيجًا فَخَيَّرَ أَوَّلًا بَيْنَ صَوْمِ الْيَوْمِ وَإِطْعَامِ الْمِسْكِينِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [ 2 \ 184 ] فَلَمَّا اسْتَأْنَسَتِ النُّفُوسُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ ، أَوْجَبَهُ أَيْضًا إِيجَابًا عَامًّا جَازِمًا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ الْآيَةَ [ 2 \ 185 ] وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ :
nindex.php?page=treesubj&link=2334التَّدْرِيجُ فِي تَشْرِيعِ الصَّوْمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاحِلَ كَمَا قَبْلَهُ قَالُوا : أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا صَوْمًا خَفِيفًا لَا مَشَقَّةَ فِيهِ وَهُوَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ فَرْضَ صَوْمِ رَمَضَانَ شَرَّعَهُ تَدْرِيجًا عَلَى الْمَرْحَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا آنِفًا ، هَكَذَا قَالَتْهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَلَهُ اتِّجَاهٌ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ يُشِيرُ إِلَى مَعْنَيَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّ فِيهِ الْإِشَارَةَ إِلَى وَعْدِهِ لِلنَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ ، بِالنَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ كَمَا قَالَ قَبْلَهُ قَرِيبًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=38إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [ 22 \ 38 ] .
وَالْمَعْنَى الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْصُرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ
[ ص: 265 ] لِقُدْرَتِهِ عَلَى إِهْلَاكِهِمْ بِمَا شَاءَ ، وَنُصْرَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ بِإِهْلَاكِهِ إِيَّاهُمْ ، وَلَكِنَّهُ شَرَعَ الْجِهَادَ لِحِكَمٍ مِنْهَا : اخْتِبَارُ الصَّادِقِ فِي إِيمَانِهِ ، وَغَيْرِ الصَّادِقِ فِيهِ ، وَمِنْهَا تَسْهِيلُ نَيْلِ فَضْلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ لِشُهَدَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا حَصَّلَ أَحَدٌ فَضْلَ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، كَمَا أَشَارَ تَعَالَى إِلَى حِكْمَةِ اخْتِبَارِ الصَّادِقِ فِي إِيمَانِهِ وَغَيْرِهِ بِالْجِهَادِ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [ 47 \ 4 ] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=179مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ الْآيَةَ [ 3 \ 179 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=16أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [ 9 \ 16 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [ 3 \ 142 ] وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [ 47 \ 31 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حِكْمَةِ الِابْتِلَاءِ الْمَذْكُورِ ، وَتَسْهِيلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=141وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [ 3 \ 140 - 141 ] وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ
نَافِعٌ ،
وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ : " أُذِنَ " بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَيْ : أَذِنَ اللَّهُ لِلَّذِينِ يُقَاتَلُونَ ، وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ ، عَنْ
عَاصِمٍ : " يُقَاتَلُونَ " بِفَتْحِ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ .