المسألة الرابعة : اعلم أنا قدمنا في سورة النساء ، أن هذه الآية التي هي قوله تعالى : والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تدل بظاهرها على منع ; لأنه - جل وعلا - صرح فيها بما يعلم منه ، وجوب حفظ الفرج عن غير الزوجة والسرية ، ثم صرح بأن المبتغي وراء ذلك من العادين بقوله نكاح المتعة فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون وأن المرأة المستمتع بها في نكاح المتعة ، ليست زوجة ، ولا مملوكة . أما كونها غير مملوكة فواضح ، وأما الدليل على كونها غير زوجة ، فهو انتفاء لوازم الزوجية عنها كالميراث والعدة والطلاق والنفقة ، ونحو ذلك ، فلو كانت زوجة لورثت واعتدت ووقع عليها الطلاق ، ووجبت لها النفقة ، فلما انتفت عنها لوازم الزوجية علمنا أنها ليست بزوجة ; لأن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم بإجماع العقلاء .
فتبين بذلك أن مبتغي نكاح المتعة من العادين المجاوزين ما أحل الله إلى ما حرم ، وقد أوضحنا ذلك في سورة النساء بأدلة الكتاب والسنة ، وأن نكاح المتعة ممنوع إلى يوم القيامة ، وقد يخفى على طالب العلم معنى لفظة على في هذه الآية يعني قوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم الآية ; لأن مادة الحفظ ، لا تتعدى إلى المعمول الثاني في هذا الموضوع بعلى فقيل : إن على بمعنى : عن .
والمعنى : أنهم حافظون فروجهم عن كل شيء ، إلا عن أزواجهم ، وحفظ قد تتعدى بعن .
وحاول الجواب عن الإتيان بعلى هنا فقال ما نصه [ ص: 319 ] " على أزواجهم " في موضع الحال ، أي : إلا والين ، على أزواجهم ، أو قوامين عليهن من قولك : كان فلان على فلانة ، فمات عنها ، فخلف عليها فلان ، ونظيره : كان الزمخشري زياد على البصرة أي : واليا عليها ، ومنه قولهم : فلانة تحت فلان ، ومن ثمة سميت المرأة فراشا .
والمعنى : أنهم لفروجهم حافظون في كافة الأحوال ، إلا في تزوجهم أو تسريهم ، أو تعلق على بمحذوف يدل عليه غير ملومين ، كأنه قيل : يلامون إلا على أزواجهم أي : يلامون على كل مباشرة إلا على ما أطلق لهم ، فإنهم غير ملومين عليه ، أو تجعله صلة لحافظين من قولك : احفظ علي عنان فرسي على تضمينه ، معنى النفي كما ضمن قولهم : نشدتك بالله إلا فعلت ، بمعنى : ما طلبت منك إلا فعلك . اهـ منه ، ولا يخفى ما فيه من عدم الظهور .
قال أبو حيان : وهذه الوجوه التي تكلفها ظاهر فيها العجمة ، وهي متكلفة ، ثم استظهر الزمخشري أبو حيان أن يكون الكلام من باب التضمين ، ضمن حافظون معنى : ممسكون أو قاصرون ، وكلاهما يتعدى بعلى كقوله : أمسك عليك زوجك [ 33 \ 37 ] والظاهر أن قوله هنا أو ما ملكت أيمانهم مع أن المملوكات من جملة العقلاء ، والعقلاء يعبر عنهم بمن لا بما هو أن الإماء لما كن يتصفن ببعض صفات غير العقلاء كبيعهن وشرائهن ، ونحو ذلك ، كان ذلك مسوغا لإطلاق لفظة ما عليهن ، والعلم عند الله تعالى .
وقال بعض أهل العلم : إن وراء ذلك ، هو مفعول ابتغى أي : ابتغى سوى ذلك ، وقال بعضهم : إن المفعول به محذوف ، ووراء ظرف ، أي : فمن ابتغى مستمتعا لفرجه ، وراء ذلك .