وأقوال أهل العلم في معنى غمرتهم راجعة إلى شيء واحد ; كقول الكلبي في غمرتهم أي : جهالتهم . وقول ابن بحر : في حيرتهم . وقول ابن سلام : في غفلتهم . وقول بعضهم : في ضلالتهم فمعنى كل هذه الأقوال واحد ، وهو أنه ، أمره أن يتركهم فيما هم فيه من الكفر والضلال ، والغي والمعاصي . قال : الغمرة : الماء الذي يغمر القامة فضربت مثلا لما هم مغمورون فيه من جهلهم ، وعمايتهم أو شبهوا باللاعبين في غمرة الماء لما هم عليه من الباطل ، قال الزمخشري : ذو الرمة
ليالي اللهو يطبيني فأتبعه كأنني ضارب في غمرة لعب
وصيغة الأمر في قوله فذرهم في غمرتهم [ 23 \ 54 ] للتهديد ، وقد تقرر في [ ص: 336 ] فن الأصول في مبحث الأمر وفي فن المعاني في مبحث الإنشاء ، أن من المعاني التي تأتي لها صيغة أفعل التهديد وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، من تهديد الكفار الذين كذبوا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، جاء موضحا في مواضع أخر ، كقوله ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون [ 15 \ 3 ] ، وقوله تعالى : فمهل الكافرين أمهلهم رويدا [ 86 \ 17 ] وقوله : قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار [ 14 ] وقوله : قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار [ 39 \ 8 ] .
وقد أوضحنا الآيات الدالة على هذا المعنى في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ، الآية [ 15 \ 3 ] وتكلمنا هناك على لفظ ذرهم .