اعلم أن يشترط فيه عند أهل العلم شروط يرجع جميعها إلى شيء واحد ، وهو كون المرأة وقت خروجها للمسجد ليست متلبسة بما يدعو إلى الفتنة مع الأمن من الفساد . خروج المرأة إلى المسجد
قال النووي في شرح مسلم في الكلام على قوله - صلى الله عليه وسلم - " : " ما نصه : هذا وما أشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد ، ولكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث ، وهي ألا تكون متطيبة ، ولا متزينة ، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ، ولا ثياب فاخرة ، ولا مختلطة بالرجال ، ولا شابة ونحوها ، ممن يفتن بها ، وألا يكون في الطريق ما يخاف منه مفسدة ونحوها ، انتهى محل الغرض من كلام لا تمنعوا إماء الله مساجد الله النووي .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : هذه الشروط التي ذكرها النووي وغيره منها ما هو ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها ما لا نص فيه ، ولكنه ملحق بالنصوص لمشاركته له في علته ، وإلحاق بعضها لا يخلو من مناقشة ; كما سترى إيضاح ذلك كله إن شاء تعالى ، أما ما هو ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - من تلك الشروط ، فهو عدم التطيب ، فشرط جواز خروج المرأة إلى المسجد ألا تكون متطيبة .
قال - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا مسلم بن الحجاج مروان بن سعيد الأيلي ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني مخرمة ، عن أبيه عن أن بسر بن سعيد زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " : " . إذا شهدت إحداكن العشاء ، فلا تطيب تلك الليلة
حدثنا ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن يحيى بن سعيد القطان [ ص: 546 ] حدثني محمد بن عجلان ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن بسر بن سعيد زينب امرأة عبد الله قالت : " . قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا
حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم ، قال يحيى : أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة ، عن ، عن يزيد بن خصيفة ، عن بسر بن سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : أبي هريرة " اهـ . أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة
فهذا الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن صحابيين ، وهما : ، أبو هريرة وزينب امرأة عبد الله بن مسعود - رضي الله عن الجميع - صريح في أن المتطيبة ليس لها الخروج إلى المسجد ، ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود في سننه : حدثنا ، ثنا موسى بن إسماعيل حماد عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " : أبي هريرة " اهـ ، وقوله : وهن تفلات ، أي : غير متطيبات ، وقال لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات النووي في شرح المهذب ، في هذا الحديث رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ، وتفلات بفتح التاء المثناة فوق وكسر الفاء ، أي : تاركات الطيب اهـ ، ومنه قول امرئ القيس :
إذا ما الضجيع ابتزها من ثيابها
تميل عليه هونة غير متفالي
وهذا الحديث أخرجه أيضا ، الإمام أحمد ، عن وابن خزيمة - رضي الله عنه - وأخرجه أبي هريرة من حديث ابن حبان زيد بن خالد ، قاله الشوكاني وغيره .
وإذا علمت أن هذه الأحاديث دلت على أن المتطيبة ليس لها الخروج إلى المسجد ; لأنها تحرك شهوة الرجال بريح طيبها .
فاعلم أن أهل العلم ألحقوا بالطيب ما في معناه كالزينة الظاهرة ، وصوت الخلخال والثياب الفاخرة ، والاختلاط بالرجال ، ونحو ذلك بجامع أن الجميع سبب الفتنة بتحريك شهوة الرجال ، ووجهه ظاهر كما ترى . وألحق الشافعية بذلك الشابة مطلقا ; لأن الشاب مظنة الفتنة ، وخصصوا الخروج إلى المساجد بالعجائز ، والأظهر أن الشابة إذا خرجت مستترة غير متطيبة ، ولا متلبسة بشيء آخر من أسباب الفتنة أن لها الخروج إلى المسجد لعموم النصوص المتقدمة ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 547 ] المسألة الخامسة : اعلم أن ، ولو كان المسجد مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبه تعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - " : صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من الصلاة في المساجد " خاص بالرجال ، أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن من الصلاة في الجماعة في المسجد . صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام
قال أبو داود في سننه : حدثنا ، ثنا عثمان بن أبي شيبة ، أخبرنا يزيد بن هارون ، حدثني العوام بن حوشب ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : ابن عمر " وقال لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن النووي في شرح المهذب في هذا الحديث : وحديث صحيح رواه ابن عمر أبو داود بلفظه هذا ، بإسناد صحيح على شرط اهـ . البخاري
وهذا الحديث أخرجه أيضا ، وقال الإمام أحمد ابن حجر في فتح الباري : وقد ورد في بعض روايات هذا الحديث وغيره ، ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، وذلك في رواية ، عن حبيب بن أبي ثابت بلفظ " : ابن عمر " أخرجه لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن أبو داود ، وصححه ، ابن خزيمة ولأحمد من حديث والطبراني أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : " وإسناد يا رسول الله إني أحب الصلاة معك ، فقال " : قد علمت ، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة أحمد حسن وله شاهد من حديث عند ابن مسعود أبي داود ، ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة ، انتهى محل الغرض من كلام ابن حجر .
وحديث الذي أشار له هو ما رواه ابن مسعود أبو داود في سننه : حدثنا ابن المثنى ، أن حدثهم قال : ثنا عمرو بن عاصم همام عن قتادة ، عن عن مورق أبي الأحوص ، عن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " : " ، اهـ . صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها
وقال النووي في شرح المهذب في هذا الحديث : رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم ، وقد روى أحمد عن عنه - صلى الله عليه وسلم - " : أم سلمة " . خير مساجد النساء قعر بيوتهن
[ ص: 548 ] وبما ذكرنا من النصوص تعلم أن - وغيره من المساجد لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من صلاتهن في الجماعة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم
ومما يؤكد صلاتهن في بيوتهن ما أحدثنه من دخول المسجد في ثياب قصيرة هي مظنة الفتنة ، ومزاحمتهن للرجال في أبواب المسجد عند الدخول والخروج ، وقد روى الشيخان في صحيحيهما عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى من النساء ما رأينا ، لمنعهن من المسجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها .
وقد علمت مما ذكرنا من الأحاديث أن مفهوم المخالفة في قوله تعالى : يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال الآية ، معتبر وأنه ليس مفهوم لقب ، وقد أوضحنا المفهوم المذكور بالسنة كما رأيت ، والعلم عند الله تعالى .