قوله تعالى : الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون   ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون   [ ص: 396 ] قد قدمنا أن لفظة جعل تأتي في اللغة العربية لأربعة معان ; ثلاثة منها في القرآن : 
الأول : إتيان جعل بمعنى اعتقد ، ومنه قوله تعالى : وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا    [ 43 \ 19 ] أي : اعتقدوهم إناثا ، ومعلوم أن هذه تنصب المبتدأ والخبر . 
الثاني : جعل بمعنى صير ، كقوله : حتى جعلناهم حصيدا خامدين    [ 21 \ 15 ] وهذه تنصب المبتدأ والخبر أيضا . 
الثالث : جعل بمعنى خلق ، كقوله تعالى : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور    [ 6 \ 1 ] أي : خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور . 
والظاهر أن منه قوله هنا : الله الذي جعل لكم الأنعام  أي : خلق لكم الأنعام ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : والأنعام خلقها لكم    [ 16 \ 5 ] ، وقوله : أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما  الآية [ 36 \ 71 ] . 
الرابع : وهو الذي ليس في القرآن جعل بمعنى شرع ، ومنه قوله : 
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر 
وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، من الامتنان بهذه النعم الكثيرة ، التي أنعم عليهم بها بسبب خلقه لهم الأنعام  وهي الذكور والإناث ، من الإبل والبقر والضأن والمعز ، كما قدمنا إيضاحه في سورة آل عمران في الكلام على قوله : والأنعام والحرث    [ 3 \ 14 ] بينه أيضا في مواضع أخر ، كقوله تعالى : والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون  ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون  وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس    [ 16 \ 5 - 7 ] . والدفء ما يتدفئون به في الثياب المصنوعة من جلود الأنعام وأوبارها وأشعارها وأصوافها . 
وقوله تعالى : جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين    [ 16 \ 80 ] . وقوله تعالى :   [ ص: 397 ] أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون  وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون  ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون    [ 36 \ 71 - 73 ] وقوله تعالى : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين    [ 61 \ 66 ] . وقوله تعالى : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون  وعليها وعلى الفلك تحملون    [ 23 \ 21 - 22 ] . وقوله تعالى ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين  ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين  إلى قوله : أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا    [ 6 \ 142 - 144 ] وقوله تعالى : وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج    [ 39 \ 6 ] . وقوله تعالى : جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا  الآية [ 42 \ 11 ] . وقوله تعالى : والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون  الآية [ 43 \ 12 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . 
				
						
						
