وقد قدمنا أيضا من حديث عند ابن مسعود أبي داود أن الطائفة الأخرى لما صلوا [ ص: 260 ] مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الركعة الأخرى أتموا لأنفسهم فوالوا بين الركعتين ، ثم ذهبوا إلى وجوه العدو فجاءت الطائفة الأولى فصلوا ركعتهم الباقية ، هذا هو حاصل المذاهب الأربعة في صلاة الخوف .
وقال النووي في " شرح المهذب " صلاة ذات الرقاع أفضل من صلاة بطن نخل على أصح الوجهين ; لأنها أعدل بين الطائفتين ; ولأنها صحيحة بالإجماع وتلك وفيها خلاف للعلماء . والثاني ، وهو قول صلاة مفترض خلف متنفل أبي إسحاق صلاة بطن نخل أفضل لتحصل كل طائفة فضيلة جماعة تامة . واعلم أن الإمام في الحضرية يصلي بكل واحدة من الطائفتين ركعتين ، وفي السفرية ركعة ركعة ، ويصلي في المغرب بالأولى ركعتين عند الأكثر .
وقال بعضهم : يصلي بالأولى في المغرب ركعة ، واعلم أن التحقيق أن بعد غزوة ذات الرقاع خيبر ، وإن جزم جماعة كثيرة من المؤرخين بأن غزوة ذات الرقاع قبل خيبر ، والدليل على ذلك الحديث الصحيح أن قدوم على النبي - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح أبي موسى الأشعري خيبر مع الحديث الصحيح أن أبا موسى شهد غزوة ذات الرقاع .
قال في " صحيحه " : حدثني البخاري محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا عن بريد بن عبد الله أبي بردة ; عن أبي موسى رضي الله عنه قال : " باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم ، أحدهما أبو بردة ، والآخر أبو رهم ، إما قال في بضع ، وإما قال في ثلاثة وخمسين ، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي ، فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ، فوافقنا فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا ، فوافقنا النبي - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح جعفر بن أبي طالب خيبر " الحديث . . . ، وفيه التصريح بأن قدوم بلغنا مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن أبي موسى حين افتتاح خيبر .
وقد قال أيضا : حدثنا البخاري محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة عن بريد بن أبي بردة عن أبي بريدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال : " " الحديث . فهذان الحديثان الصحيحان فيهما الدلالة الواضحة على تأخر ذات الرقاع عن خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ونحن في ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا ونقبت قدماي وسقطت أظفاري ، وكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع خيبر ، وقد قال - رحمه الله : باب البخاري وهي غزوة محارب خصفة من غزوة ذات الرقاع بني ثعلبة من غطفان فنزل نخلا وهي بعد خيبر ; لأن أبا موسى جاء بعد خيبر الخ . وإنما بينا هذا ليعلم به أنه [ ص: 261 ] لا حجة في عدم صلاة الخوف في غزوة الخندق على أنها مشروعة في الحضر بدعوى أن ذات الرقاع قبل الخندق وأن صلاة الخوف كانت مشروعة قبل غزوة الأحزاب التي هي غزوة الخندق ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - ما تركها مع أنهم شغلوه وأصحابه عن صلاة الظهر والعصر إلى الليل إلا لأنها لم تشرع في الحضر ، بل التحقيق أن صلاة الخوف ما شرعت إلا بعد الخندق وأشار أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه للمغازي إلى غزوة ذات الرقاع بقوله : [ الرجز ]
ثم إلى محارب وثعلبه ذات الرقاعناهزوا المضاربه ولم يكن حرب وغورث جرى
بها له الذي لدعثور جرى مع النبي وعلى المعتمد
جرت لواحد بلا تعدد
والناظم هذا يرى أنها قبل خيبر تبعا لابن سيد الناس ومن وافقه ، ومما اختلف فيه العلماء من صلاة ذي قرد ، وهي أن تصلي كل واحدة مع الإمام ركعة واحدة وتقتصر عليها ، وقد قدمنا ذلك من حديث كيفيات صلاة الخوف عند ابن عباس مسلم ، وأبي داود ، ، والنسائي . ومن حديث وابن ماجه حذيفة عند أبي داود ، ، وهذه الكيفية هي التي صلاها والنسائي لما قال حذيفة بن اليمان سعيد بن العاص بطبرستان : أيكم صلى صلاة الخوف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال حذيفة : أنا ، وصلى بهم مثل ما ذكرنا كما أخرجه عنه ، وعن النسائي ورواه زيد بن ثابت أبو داود عن ثعلبة بن زهدم وهو الذي رواه من طريقه ، ولفظ النسائي أبي داود عن ثعلبة بن زهدم ، قال : سعيد بن العاص بطبرستان فقام فقال : أيكم صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف ؟ فقال حذيفة : أنا . فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا . كنا مع
قال أبو داود : وكذا رواه ، عبيد الله بن عبد الله ومجاهد عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس وعبد الله بن شقيق ، عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبي هريرة ، ويزيد الفقير وأبو موسى .
قال أبو داود : رجل من التابعين ليس بالأشعري جميعا عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال بعضهم عن شعبة في حديث إنهم قضوا ركعة أخرى ، وكذلك رواه يزيد الفقير عن سماك الحنفي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك رواه ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فكانت للقوم ركعة ركعة ، وللنبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين . اهـ منه بلفظه . زيد بن ثابت
وقال القرطبي في " تفسيره " ما نصه : قال إذا صليت في السفر ركعتين [ ص: 262 ] فهو تمام ، والقصر لا يحل إلا أن تخاف ، فهذه الآية مبيحة أن تصلي كل طائفة ركعة لا تزيد عليها شيئا ; ويكون للإمام ركعتان ، وروي نحوه عن السدي ابن عمر وجابر بن عبد الله وكعب وفعله حذيفة بطبرستان ، وقد سأله الأمير عن ذلك ، وروي عن سعيد بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى كذلك في غزوة ذي قرد ركعة لكل طائفة ولم يقضوا ، وروي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه كذلك يوم غزوة جابر بن عبد الله محارب خصفة وبني ثعلبة ، وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى كذلك بين أبو هريرة ضجنان وعسفان ، وبكون كل من الطائفتين تقتصر على ركعة واحدة .
قال أيضا إسحاق : وروي عن الإمام أحمد وجمهور العلماء على أن الاقتصار على ركعة واحدة في الخوف لا يجوز ، وأجابوا عن الأحاديث الواردة بذلك من وجهين :
الأول : أن المراد بقول الصحابة الذين رووا ذلك ولم يقضوا أنهم بعدما أمنوا وزال الخوف ، لم يقضوا تلك الصلاة التي صلوها في حالة الخوف وتكون فيه فائدة أن لا يقضي ما صلى على تلك الهيئة المخالفة لهيئة صلاة الأمن ولهذا القول له وجه من النظر . الخائف إذا أمن
الوجه الثاني : أن قولهم في الحديث ولم يقضوا ، أي في علم من روى ذلك ; لأنه قد روى أنهم قضوا ركعة في تلك الصلاة بعينها ، ورواية من زاد أولى قاله القرطبي ، ويدل له ما تقدم من رواية وابن عبد البر عن يزيد الفقير جابر من طريق شعبة عند أبي داود ، أنهم قضوا ركعة أخرى والمثبت مقدم على النافي ويؤيد هذه الرواية كثرة الروايات الصحيحة بعدم الاقتصار على واحدة في كيفيات صلاة الخوف ، والله تعالى أعلم .