تنبيه مهم
فإن قيل : دل الكتاب والسنة وإجماع السلف على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29716الله وصف نفسه بصفة اليدين كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي [ 38 \ 75 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان [ 5 \ 64 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه الآية [ 39 \ 67 ] .
والأحاديث الدالة على مثل ما دلت عليه الآيات المذكورة كثيرة ، كما هو معلوم ، وأجمع المسلمون على أنه - جل وعلا - لا يجوز أن يوصف بصفة الأيدي مع أنه تعالى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون [ 36 \ 71 ] ، فلم أجمع المسلمون على تقديم آية لما خلقت بيدي على آية مما عملت أيدينا ؟
فالجواب : أنه لا خلاف بين أهل اللسان العربي ، ولا بين المسلمين أن صيغ الجموع تأتي لمعنيين أحدهما إرادة التعظيم فقط ، فلا يدخل في صيغة الجمع تعدد أصلا ، لأن صيغة الجمع المراد بها التعظيم - إنما يراد بها واحد .
والثاني أن يراد بصيغة الجمع معنى الجمع المعروف ، وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن القرآن العظيم يكثر فيه جدا إطلاق الله - جل وعلا - على نفسه صيغة الجمع ، يريد بذلك تعظيم نفسه ، ولا يريد بذلك تعددا ولا أن معه غيره ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
فصيغة الجمع في قوله : إنا وفي قوله : نحن وفي قوله : نزلنا وقوله : لحافظون لا يراد بها أن معه منزلا للذكر ، وحافظا له غيره تعالى .
بل هو وحده المنزل له والحافظ له ، وكذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=58أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون [ 56 \ 58 - 59 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون [ 56 \ 69 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=72أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون [ 56 \ 72 ] ، ونحو هذا كثير في القرآن جدا ، وبه تعلم أن صيغة الجمع في قوله : إنا . وفي قوله : خلقنا وفي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71عملت أيدينا إنما يراد بها التعظيم ، ولا يراد بها التعدد أصلا .
[ ص: 288 ] وإذا كان يراد بها التعظيم ، لا التعدد ؛ علم بذلك أنها لا تصح بها معارضة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لما خلقت بيدي ، لأنها دلت على صفة اليدين . والجمع في قوله : أيدينا لمجرد التعظيم .
وما كان كذلك لا يدل على التعدد فيطلب الدليل من غيره ، فإن دل على أن المراد بالتعظيم واحد حكم بذلك ، كالآيات المتقدمة .
وإن دل على معنى آخر حكم به .
فقوله مثلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9وإنا له لحافظون [ 15 \ 9 ] ، قام فيه البرهان القطعي أنه حافظ واحد ، وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=59أم نحن الخالقون [ 56 \ 59 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أم نحن المنزلون [ 56 \ 69 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=72أم نحن المنشئون [ 56 \ 72 ] ، فإنه قد قام في كل ذلك البرهان القطعي على أنه خالق واحد ، ومنزل واحد ، ومنشئ واحد .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مما عملت أيدينا [ 36 \ 71 ] ، فقد دل البرهان القطعي على أن الله موصوف بصفة اليدين كما صرح به في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لما خلقت بيدي [ 38 \ 75 ] ، كما تقدم إيضاحه قريبا .
وقد علمت أن صيغة الجمع في قوله : لحافظون [ 15 \ 9 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=59أم نحن الخالقون [ 56 \ 59 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أم نحن المنزلون [ 56 \ 69 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=72أم نحن المنشئون [ 56 \ 72 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71خلقنا لهم مما عملت أيدينا [ 36 \ 71 ] ، لا يراد بشيء منه معنى الجمع ، وإنما يراد به التعظيم فقط .
وقد أجاب
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتاب الإبانة بما يقرب من هذا في المعنى .
واعلم أن لفظ اليدين قد يستعمل في اللغة العربية استعمالا خاصا ، بلفظ خاص لا تقصد به في ذلك النعمة ولا الجارحة ولا القدرة ، وإنما يراد به معنى أمام .
واللفظ المختص بهذا المعنى هو لفظة اليدين التي أضيفت إليها لفظة " بين " خاصة ، أعني لفظة " بين يديه " ، فإن المراد بهذه اللفظة أمامه . وهو استعمال عربي معروف مشهور في لغة العرب لا يقصد فيه معنى الجارحة ولا النعمة ولا القدرة ، ولا أي صفة كائنة ما كانت .
[ ص: 289 ] وإنما يراد به أمام فقط كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=31وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه [ 34 \ 31 ] ، أي ولا بالذي كان أمامه سابقا عليه من الكتب .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=46ومصدقا لما بين يديه من التوراة [ 5 \ 46 ] ، أي مصدقا لما كان أمامه متقدما عليه من التوراة .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم [ 41 \ 25 ] ، فالمراد بلفظ " ما بين أيديهم " ما أمامهم .
وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=57وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته [ 7 \ 57 ] ، أي يرسل الرياح مبشرات أمام رحمته التي هي المطر ، إلى غير ذلك من الآيات .
ومما يوضح لك ذلك أنه لا يمكن تأويل اليدين في ذلك بنعمتين ولا قدرتين ولا جارحتين . ولا غير ذلك من الصفات ، فهذا أسلوب خاص دال على معنى خاص . بلفظ خاص مشهور في كلام العرب فلا صلة له باللفظ الدال على الجارحة ، بالنسبة إلى الإنسان ولا باللفظ الدال على صفة الكمال والجلال الثابتة لله تعالى . فافهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتابه " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين " الذي ذكر فيه أقوال جميع أهل الأهواء والبدع والمئولين والنافين لصفات الله أو بعضها ما نصه :
جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وما جاء من عند الله ، وما رواه الثقات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يردون من ذلك شيئا .
وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، وأن
محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأن الله سبحانه على عرشه ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى [ 20 \ 5 ] ، وأن له يدين بلا كيف كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خلقت بيدي [ 38 \ 75 ] ، وكما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بل يداه مبسوطتان [ 5 \ 64 ] . إلى أن قال في كلامه هذا بعد أن سرد مذهب أهل السنة والجماعة - ما نصه :
فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه ، وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول ، وإليه
[ ص: 290 ] نذهب ، وما توفيقنا إلا بالله ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وبه نستعين ، وعليه نتوكل ، وإليه المصير ، هذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبي الحسن الأشعري رحمه الله في كتاب المقالات المذكور .
وبه تعلم أنه يؤمن بكل ما جاء عن الله في كتابه وما ثبت عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا يرد من ذلك شيئا ولا ينفيه بل يؤمن به ويثبته لله ، بلا كيف ولا تشبيه ، كما هو مذهب أهل السنة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري أيضا في كتاب المقالات المذكور ما نصه :
وقال أهل السنة وأصحاب الحديث : ليس بجسم ولا يشبه الأشياء وإنه على العرش كما قال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى ولا نقدم بين يدي الله في القول ، بل نقول : استوى بلا كيف . ثم أطال الكلام رحمه الله في
nindex.php?page=treesubj&link=28707إثبات الصفات كما قدمنا عنه ، ثم قال ما نصه : وقالت
المعتزلة : إن الله استوى على عرشه بمعنى استولى . انتهى محل الغرض منه بلفظه .
فتراه صرح في كتاب المقالات المذكور ، بأن تأويل الاستواء بالاستيلاء ، هو قول
المعتزلة لا قوله هو ، ولا قول أحد من أهل السنة .
وزاد في كتاب الإبانة مع
المعتزلة الجهمية والحرورية كما قدمنا .
وبكل ما ذكرنا تعلم أن
الأشعري رجع عن الاعتزال إلى مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها .
وقد قدمنا إيضاح الحق في آيات الصفات بالأدلة القرآنية بكثرة في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ثم استوى على العرش [ 7 \ 54 ] .
واعلم أن أئمة القائلين بالتأويل رجعوا قبل موتهم عنه ، لأنه مذهب غير مأمون العاقبة ; لأن مبناه على ادعاء أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها ، لا تليق بالله لظهورها وتبادرها في مشابهة صفات الخلق .
ثم نفي تلك الصفات الواردة في الآيات والأحاديث ، لأجل تلك الدعوى الكاذبة المشئومة ، ثم تأويلها بأشياء أخر ، دون مستند من كتاب أو سنة ، أو قول صحابي أو أحد من السلف .
وكل مذهب هذه حاله ، فإنه جدير بالعاقل المفكر أن يرجع عنه إلى مذهب السلف .
[ ص: 291 ] وقد أشار تعالى في سورة الفرقان أن وصف الله بالاستواء صادر عن خبير بالله ، وبصفاته عالم بما يليق به ، وبما لا يليق وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا [ 25 \ 59 ] .
فتأمل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59فاسأل به خبيرا ، بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59ثم استوى على العرش الرحمن ، تعلم أن من وصف الرحمن بالاستواء على العرش خبير بالرحمن وبصفاته لا يخفى عليه اللائق من الصفات وغير اللائق .
فالذي نبأنا بأنه استوى على عرشه هو العليم الخبير الذي هو الرحمن .
وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=14ولا ينبئك مثل خبير [ 35 \ 14 ] .
وبذلك تعلم أن من يدعي أن الاستواء يستلزم التشبيه ، وأنه غير لائق - غير خبير ، نعم والله هو غير خبير .
وسنذكر هنا إن شاء الله أن أئمة المتكلمين المشهورين رجعوا كلهم عن تأويل الصفات .
أما كبيرهم الذي هو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبي الحسن الأشعري ، وهو القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=12604محمد بن الطيب المعروف بأبي بكر الباقلاني ، فإنه كان يؤمن بالصفات على مذهب السلف ويمنع تأويلها منعا باتا ، ويقول فيها بمثل ما قدمنا عن
الأشعري ، وسنذكر لك هنا بعض كلامه .
قال
الباقلاني المذكور في كتاب التمهيد ما نصه :
باب في أن لله وجها ويدين ، فإن قال قائل : فما الحجة في أن لله عز وجل وجها ويدين ؟ قيل له : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [ 55 \ 27 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي [ 38 \ 75 ] ، فأثبت لنفسه وجها ويدين .
فإن قالوا : فما أنكرتم أن يكون المعنى في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خلقت بيدي أنه خلقه بقدرته أو بنعمته ، لأن اليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة ، وبمعنى القدرة ، كما يقال : لي عند فلان يد بيضاء . يراد به نعمة .
[ ص: 292 ] وكما يقال : هذا الشيء في يد فلان وتحت يد فلان ، يراد به أنه تحت قدرته وفي ملكه .
ويقال : رجل أيد إذا كان قادرا .
وكما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما [ 36 \ 71 ] ، يريد عملنا بقدرتنا . وقال الشاعر :
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
فكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خلقت بيدي يعني بقدرتي أو نعمتي .
يقال لهم هذا باطل ; لأن قوله : بيدي يقتضي إثبات يدين هما صفة له .
فلو كان المراد بهما القدرة لوجب أن يكون له قدرتان .
وأنتم لا تزعمون أن للباري سبحانه قدرة واحدة ، فكيف يجوز أن تثبتوا له قدرتين ؟
وقد أجمع المسلمون من مثبتي الصفات والنافين لها على أنه لا يجوز أن يكون له تعالى قدرتان فبطل ما قلتم .
وكذلك لا يجوز أن يكون الله تعالى خلق
آدم بنعمتين ; لأن نعم الله تعالى على
آدم وعلى غيره لا تحصى .
ولأن القائل لا يجوز أن يقول : رفعت الشيء بيدي أو وضعته بيدي أو توليته بيدي وهو يعني نعمته .
وكذلك لا يجوز أن يقال : لي عند فلان يدان يعني نعمتين .
وإنما يقال لي عنده يدان بيضاوان ، لأن القول : يد - لا يستعمل إلا في اليد التي هي صفة الذات .
ويدل على فساد تأويلهم أيضا أنه لو كان الأمر على ما قالوه لم يغفل عن ذلك إبليس ، وعن أن يقول : وأي فضل
لآدم علي يقتضي أن أسجد له ، وأنا أيضا بيدك خلقتني التي هي قدرتك وبنعمتك خلقتني ؟
وفي العلم بأن الله تعالى فضل
آدم عليه بخلقه بيديه - دليل على فساد ما قالوه .
[ ص: 293 ] فإن قال قائل : فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة ؟ إذ كنتم لم تعقلوا يد صفة ووجه صفة لا جارحة .
يقال له : لا يجب ذلك كما لا يجب إذا لم نعقل حيا عالما قادرا إلا جسما أن نقضي نحن وأنتم على الله تعالى بذلك .
وكما لا يجب متى كان قائما بذاته أن يكون جوهرا أو جسما ، لأنا وإياكم لم نجد قائما بنفسه في شاهدنا إلا كذلك . انتهى محل الغرض منه بلفظه .
وهو صريح في أنه يرى أن صفة الوجه ، وصفة اليد ، وصفة العلم ، والحياة والقدرة كلها من صفات المعاني ، ولا وجه للفرق بينها ، وجميع صفات الله مخالفة لجميع صفات خلقه .
وقال
الباقلاني أيضا في كتاب التمهيد ما نصه :
فإن قالوا : فهل تقولون : إنه في كل مكان ؟
قيل : معاذ الله ، بل هو مستو على العرش كما أخبر في كتابه ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى [ 20 \ 5 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [ 35 \ 10 ] ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض .
ولو كان في كل مكان ، لكان في جوف الإنسان وفمه وفي الحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها ، تعالى عن ذلك ، ولوجب أن يزيد بزيادة الأماكن إذ خلق منها ما لم يكن خلقه ، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان .
ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض وإلى وراء ظهورنا وعن أيماننا وشمائلنا .
وهذا ما قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله ، إلى أن قال رحمه الله : ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه عليه كما قال الشاعر :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
لأن الاستيلاء هو القدرة والقهر ، والله تعالى لم يزل قادرا قاهرا عزيزا مقتدرا .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59ثم استوى على العرش [ 25 \ 59 ] ، يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن فيبطل ما قالوه .
[ ص: 294 ] فإن قال قائل : ففصلوا لي صفات ذاته من صفات أفعاله ، لأعرف ذلك .
قيل له : صفات ذاته هي التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها .
وهي الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه والعينان واليدان . انتهى محل الغرض منه بلفظه .
وقد نقلناه من نسخة هي أجود نسخة موجودة لكتاب التمهيد
للباقلاني المذكور .
وترى تصريحه فيها بأن صفة الوجه واليد من صفات المعاني كالحياة والعلم والقدرة والإرادة ، كما هو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبي الحسن الأشعري الذي قدمنا إيضاحه .
واعلم أن
إمام الحرمين ، أبا المعالي الجويني ، كان في زمانه من أعظم أئمة القائلين بالتأويل ، وقد قرر التأويل وانتصر له في كتابه الإرشاد .
ولكنه رجع عن ذلك في رسالته العقيدة النظامية فإنه قال فيها :
اختلف مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة ، وامتنع على أهل الحق فحواها وإجراؤها على موجب ما تبرزه أفهام أرباب اللسان منها .
فرأى بعضهم تأويلها ، والتزام هذا المنهج في آي الكتاب ، وفيما صح من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم .
وذهب أئمة السلف إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28709الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها ، وتفويض معانيها إلى الرب سبحانه .
والذي نرتضيه رأيا وندين لله به عقدا - اتباع سلف الأمة ، فالأولى الاتباع وترك الابتداع ، والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة ، وهو مستند معظم الشريعة .
وقد درج صحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة الإسلام والمشتغلون بأعباء الشريعة .
وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها .
[ ص: 295 ] فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة .
فإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك قاطعا بأنه الوجه المتبع بحق .
فعلى ذي الدين أن يعتقد تنزه الرب تعالى عن صفات المحدثات ، ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل معناها إلى الرب .
ومما استحسن من إمام دار الهجرة
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس أنه سئل عن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى [ 20 \ 5 ] ، فقال : الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة .
فلتجر آية الاستواء والمجيء وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لما خلقت بيدي [ 38 \ 75 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27ويبقى وجه ربك [ 55 \ 27 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تجري بأعيننا [ 54 \ 14 ] ، وما صح عن الرسول عليه السلام كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا ، فهذا بيان ما يجب لله تعالى . انتهى كلامه بلفظه من الرسالة النظامية المذكورة مع أن رجوع
الجويني فيها إلى أن الحق هو مذهب السلف أمر معلوم .
وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبو حامد الغزالي ، كان في زمانه من أعظم القائلين بالتأويل ، ثم رجع عن ذلك ، وبين أن الحق الذي لا شك فيه هو مذهب السلف .
وقال في كتابه : إلجام العوام عن علم الكلام :
اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر - هو مذهب السلف ، أعني الصحابة والتابعين ، ثم قال : إن
nindex.php?page=treesubj&link=29614_28713البرهان الكلي على أن الحق في مذهب السلف وحده ينكشف بتسليم أربعة أصول مسلمة عند كل عاقل .
ثم بين أن الأول من تلك الأصول المذكورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو أعرف الخلق بصلاح أحوال العباد في دينهم ودنياهم .
الأصل الثاني : أنه بلغ كل ما أوحي إليه من صلاح العباد في معادهم ومعاشهم ، ولم يكتم منه شيئا .
[ ص: 296 ] الأصل الثالث : أن أعرف الناس بمعاني كلام الله وأحراهم بالوقوف على أسراره هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين لازموه وحضروا التنزيل وعرفوا التأويل .
والأصل الرابع : أن الصحابة رضي الله عنهم في طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دعوا الخلق إلى التأويل ، ولو كان التأويل من الدين أو علم الدين لأقبلوا عليه ليلا ونهارا ودعوا إليه أولادهم وأهلهم .
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : وبهذه الأصول الأربعة المسلمة عند كل مسلم نعلم بالقطع أن الحق ما قالوه والصواب ما رأوه .
انتهى باختصار .
ولا شك أن استدلال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي هذا لأن مذهب السلف هو الحق - استدلال لا شك في صحته ، ووضوح وجه الدليل فيه ، وأن التأويل لو كان سائغا أو لازما لبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، ولقال به أصحابه وتابعوهم كما لا يخفى .
وذكر غير واحد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي أنه رجع في آخر حياته إلى تلاوة كتاب الله وحفظ الأحاديث الصحيحة والاعتراف بأن الحق هو ما في كتاب الله وسنة رسوله .
وذكر بعضهم أنه مات وعلى صدره صحيح البخاري رحمه الله .
واعلم أيضا أن
nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي الذي كان في زمانه أعظم أئمة التأويل - رجع عن ذلك المذهب إلى مذهب السلف معترفا بأن طريق الحق هي اتباع القرآن في صفات الله .
وقد قال في ذلك في كتابه : أقسام اللذات : لقد اختبرت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فلم أجدها تروي غليلا ، ولا تشفي عليلا ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ، أقرأ في الإثبات :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى [ 20 \ 5 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إليه يصعد الكلم الطيب [ 35 \ 10 ] ، وفي النفي :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء [ 42 \ 11 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65هل تعلم له سميا [ 19 \ 65 ] ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي . ا هـ .
وقد بين هذا المعنى في أبياته المشهورة التي يقول فيها :
نهاية إقدام العقول عقال وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقال
[ ص: 297 ] إلى آخر الأبيات .
وكذلك غالب أكابر الذين كانوا يخوضون في الفلسفة والكلام ، فإنه ينتهي بهم أمرهم إلى الحيرة وعدم الثقة بما كانوا يقررون .
وقد ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=13171الحفيد ابن رشد وهو من أعلم الناس بالفلسفة أنه قال :
ومن الذي قال في الإلهيات شيئا يعتد به ؟
وذكروا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14592الشهرستاني أنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلا الحيرة والندم ، وقد قال في ذلك : لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعا كف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم وأمثال هذا كثيرة .
فيا أيها المعاصرون المتعصبون لدعوى أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها خبيث لا يليق بالله لاستلزامه التشبيه بصفات الخلق ، وأنها يجب نفيها وتأويلها بمعان ما أنزل الله بها من سلطان ، ولم يقلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من أصحابه ولا من التابعين .
فمن هو سلفكم في هذه الدعوى الباطلة المخالفة لإجماع السلف ؟
إن كنتم تزعمون أن
الأشعري يقول مثل قولكم ، وأنه سلفكم في ذلك فهو بريء منكم ومن دعواكم .
وهو مصرح في كتبه التي صنفها بعد الرجوع عن الاعتزال أن القائلين بالتأويل هم
المعتزلة ، وهم خصومه وهو خصمهم ، كما أوضحنا كلامه في الإباحة والمقالات .
وقد بينا أن أساطين القول بالتأويل قد اعترفوا بأن التأويل لا مستند له ، وأن الحق هو اتباع مذهب السلف كما أوضحنا ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12604أبي بكر الباقلاني ،
nindex.php?page=showalam&ids=12441وأبي المعالي الجويني ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847وأبي حامد الغزالي ،
وأبي عبد الله الفخر الرازي ، وغيرهم ممن ذكرنا .
فنوصيكم وأنفسنا بتقوى الله ، وألا تجادلوا في آيات الله بغير سلطان أتاكم ، والله - جل وعلا - يقول في كتابه :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=56إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير [ 40 \ 56 ] .
[ ص: 298 ] ويقول تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير [ 31 \ 20 - 21 ] .
تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ
فَإِنْ قِيلَ : دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29716اللَّهَ وَصَفَ نَفْسَهُ بِصِفَةِ الْيَدَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ 38 \ 75 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [ 5 \ 64 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ الْآيَةَ [ 39 \ 67 ] .
وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ كَثِيرَةٌ ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِصِفَةِ الْأَيْدِي مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ [ 36 \ 71 ] ، فَلِمَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَقْدِيمِ آيَةِ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ عَلَى آيَةِ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ؟
فَالْجَوَابُ : أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ ، وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ صِيَغَ الْجُمُوعِ تَأْتِي لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إِرَادَةُ التَّعْظِيمِ فَقَطْ ، فَلَا يَدْخُلُ فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ تَعَدُّدٌ أَصْلًا ، لِأَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ الْمُرَادَ بِهَا التَّعْظِيمُ - إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا وَاحِدٌ .
وَالثَّانِي أَنْ يُرَادَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمَعْرُوفِ ، وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ يَكْثُرُ فِيهِ جِدًّا إِطْلَاقُ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - عَلَى نَفْسِهِ صِيغَةَ الْجَمْعِ ، يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْظِيمَ نَفْسِهِ ، وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعَدُّدًا وَلَا أَنَّ مَعَهُ غَيْرَهُ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .
فَصِيغَةُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ : إِنَّا وَفِي قَوْلِهِ : نَحْنُ وَفِي قَوْلِهِ : نَزَّلْنَا وَقَوْلِهِ : لَحَافِظُونَ لَا يُرَادُ بِهَا أَنَّ مَعَهُ مُنَزِّلًا لِلذِّكْرِ ، وَحَافِظًا لَهُ غَيْرَهُ تَعَالَى .
بَلْ هُوَ وَحْدَهُ الْمُنَزِّلُ لَهُ وَالْحَافِظُ لَهُ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=58أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [ 56 \ 58 - 59 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [ 56 \ 69 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=72أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [ 56 \ 72 ] ، وَنَحْوُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ جِدًّا ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ : إِنَّا . وَفِي قَوْلِهِ : خَلَقْنَا وَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71عَمِلَتْ أَيْدِينَا إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا التَّعْظِيمُ ، وَلَا يُرَادُ بِهَا التَّعَدُّدُ أَصْلًا .
[ ص: 288 ] وَإِذَا كَانَ يُرَادُ بِهَا التَّعْظِيمُ ، لَا التَّعَدُّدُ ؛ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِهَا مُعَارِضَةُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ، لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى صِفَةِ الْيَدَيْنِ . وَالْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ : أَيْدِينَا لِمُجَرَّدِ التَّعْظِيمِ .
وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ فَيَطْلُبُ الدَّلِيلَ مِنْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْظِيمِ وَاحِدٌ حُكِمَ بِذَلِكَ ، كَالْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ .
وَإِنْ دَلَّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ حُكِمَ بِهِ .
فَقَوْلُهُ مَثَلًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=9وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ 15 \ 9 ] ، قَامَ فِيهِ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ أَنَّهُ حَافِظٌ وَاحِدٌ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=59أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [ 56 \ 59 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [ 56 \ 69 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=72أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [ 56 \ 72 ] ، فَإِنَّهُ قَدْ قَامَ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ عَلَى أَنَّهُ خَالِقٌ وَاحِدٌ ، وَمُنْزِلٌ وَاحِدٌ ، وَمُنْشِئٌ وَاحِدٌ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [ 36 \ 71 ] ، فَقَدْ دَلَّ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْيَدَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ 38 \ 75 ] ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ قَرِيبًا .
وَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ : لَحَافِظُونَ [ 15 \ 9 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=59أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [ 56 \ 59 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [ 56 \ 69 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=72أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [ 56 \ 72 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [ 36 \ 71 ] ، لَا يُرَادُ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ فَقَطْ .
وَقَدْ أَجَابَ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا فِي الْمَعْنَى .
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْيَدَيْنِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ اسْتِعْمَالًا خَاصًّا ، بِلَفْظٍ خَاصٍّ لَا تُقْصَدُ بِهِ فِي ذَلِكَ النِّعْمَةُ وَلَا الْجَارِحَةُ وَلَا الْقُدْرَةُ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَعْنَى أَمَامٍ .
وَاللَّفْظُ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الْمَعْنَى هُوَ لَفْظَةُ الْيَدَيْنِ الَّتِي أُضِيفَتْ إِلَيْهَا لَفْظَةُ " بَيْنَ " خَاصَّةً ، أَعْنِي لَفْظَةَ " بَيْنَ يَدَيْهِ " ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَمَامُهُ . وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَا يُقْصَدُ فِيهِ مَعْنَى الْجَارِحَةِ وَلَا النِّعْمَةِ وَلَا الْقُدْرَةِ ، وَلَا أَيَّ صِفَةٍ كَائِنَةٍ مَا كَانَتْ .
[ ص: 289 ] وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ أَمَامٌ فَقَطْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=31وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [ 34 \ 31 ] ، أَيْ وَلَا بِالَّذِي كَانَ أَمَامَهُ سَابِقًا عَلَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=46وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ [ 5 \ 46 ] ، أَيْ مُصَدِّقًا لِمَا كَانَ أَمَامَهُ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=25فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [ 41 \ 25 ] ، فَالْمُرَادُ بِلَفْظِ " مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ " مَا أَمَامَهُمْ .
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=57وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [ 7 \ 57 ] ، أَيْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ أَمَامَ رَحْمَتِهِ الَّتِي هِيَ الْمَطَرُ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُ الْيَدَيْنِ فِي ذَلِكَ بِنِعْمَتَيْنِ وَلَا قُدْرَتَيْنِ وَلَا جَارِحَتَيْنِ . وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ ، فَهَذَا أُسْلُوبٌ خَاصٌّ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ . بِلَفْظٍ خَاصٍّ مَشْهُورٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَلَا صِلَةَ لَهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْجَارِحَةِ ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ وَلَا بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ الثَّابِتَةِ لِلَّهِ تَعَالَى . فَافْهَمْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ " مَقَالَاتُ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافُ الْمُصَلِّينَ " الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ أَقْوَالَ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالْمُئَوِّلِينَ وَالنَّافِينَ لِصِفَاتِ اللَّهِ أَوْ بَعْضِهَا مَا نَصُّهُ :
جُمْلَةُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرُدُّونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا .
وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَرْدٌ صَمَدٌ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ، وَأَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى عَرْشِهِ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ 20 \ 5 ] ، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِلَا كَيْفٍ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ 38 \ 75 ] ، وَكَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [ 5 \ 64 ] . إِلَى أَنْ قَالَ فِي كَلَامِهِ هَذَا بَعْدَ أَنْ سَرَدَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - مَا نَصُّهُ :
فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ وَيَسْتَعْمِلُونَهُ وَيَرَوْنَهُ ، وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَقُولُ ، وَإِلَيْهِ
[ ص: 290 ] نَذْهَبُ ، وَمَا تَوْفِيقُنَا إِلَّا بِاللَّهِ ، وَهُوَ حَسَبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ ، وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ ، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ، هَذَا لَفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورِ .
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِكُلِّ مَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ وَمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرُدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَلَا يَنْفِيهِ بَلْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيُثْبِتُهُ لِلَّهِ ، بِلَا كَيْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورِ مَا نَصُّهُ :
وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ : لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا يُشْبِهُ الْأَشْيَاءَ وَإِنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وَلَا نُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فِي الْقَوْلِ ، بَلْ نَقُولُ : اسْتَوَى بِلَا كَيْفٍ . ثُمَّ أَطَالَ الْكَلَامَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28707إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُ ، ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ : وَقَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : إِنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِمَعْنَى اسْتَوْلَى . انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
فَتَرَاهُ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورِ ، بِأَنَّ تَأْوِيلَ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ ، هُوَ قَوْلُ
الْمُعْتَزِلَةِ لَا قَوْلُهُ هُوَ ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ .
وَزَادَ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ مَعَ
الْمُعْتَزِلَةِ الْجَهْمِيَّةَ وَالْحَرُورِيَّةَ كَمَا قَدَّمْنَا .
وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ
الْأَشْعَرِيَّ رَجَعَ عَنِ الِاعْتِزَالِ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا .
وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ الْحَقِّ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ بِالْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ بِكَثْرَةٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [ 7 \ 54 ] .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَئِمَّةَ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ رَجَعُوا قَبْلَ مَوْتِهِمْ عَنْهُ ، لِأَنَّهُ مَذْهَبٌ غَيْرُ مَأْمُونِ الْعَاقِبَةِ ; لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثَهَا ، لَا تَلِيقُ بِاللَّهِ لِظُهُورِهَا وَتَبَادُرِهَا فِي مُشَابَهَةِ صِفَاتِ الْخَلْقِ .
ثُمَّ نَفْيِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ ، لِأَجْلِ تِلْكَ الدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ الْمَشْئُومَةِ ، ثُمَّ تَأْوِيلِهَا بِأَشْيَاءَ أُخَرَ ، دُونَ مُسْتَنَدٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ، أَوْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ .
وَكُلُّ مَذْهَبٍ هَذِهِ حَالُهُ ، فَإِنَّهُ جَدِيرٌ بِالْعَاقِلِ الْمُفَكِّرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ .
[ ص: 291 ] وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ بِالِاسْتِوَاءِ صَادِرٌ عَنْ خَبِيرٍ بِاللَّهِ ، وَبِصِفَاتِهِ عَالِمٌ بِمَا يَلِيقُ بِهِ ، وَبِمَا لَا يَلِيقُ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [ 25 \ 59 ] .
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ، بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ، تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ وَصَفَ الرَّحْمَنَ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ خَبِيرٌ بِالرَّحْمَنِ وَبِصِفَاتِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ اللَّائِقُ مِنَ الصِّفَاتِ وَغَيْرُ اللَّائِقِ .
فَالَّذِي نَبَّأَنَا بِأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ هُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَنُ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=14وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [ 35 \ 14 ] .
وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الِاسْتِوَاءَ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ - غَيْرُ خَبِيرٍ ، نَعَمْ وَاللَّهِ هُوَ غَيْرُ خَبِيرٍ .
وَسَنَذْكُرُ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ أَئِمَّةَ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمَشْهُورِينَ رَجَعُوا كُلُّهُمْ عَنْ تَأْوِيلِ الصِّفَاتِ .
أَمَّا كَبِيرُهُمُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ ، وَهُوَ الْقَاضِي
nindex.php?page=showalam&ids=12604مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبُ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ ، فَإِنَّهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالصِّفَاتِ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ وَيَمْنَعُ تَأْوِيلَهَا مَنْعًا بَاتًّا ، وَيَقُولُ فِيهَا بِمِثْلِ مَا قَدَّمْنَا عَنِ
الْأَشْعَرِيِّ ، وَسَنَذْكُرُ لَكَ هُنَا بَعْضَ كَلَامِهِ .
قَالَ
الْبَاقِلَّانِيُّ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ مَا نَصُّهُ :
بَابٌ فِي أَنَّ لِلَّهِ وَجْهًا وَيَدَيْنِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجْهًا وَيَدَيْنِ ؟ قِيلَ لَهُ : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [ 55 \ 27 ] .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ 38 \ 75 ] ، فَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ وَجْهًا وَيَدَيْنِ .
فَإِنْ قَالُوا : فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَنَّهُ خَلَقَهُ بِقُدْرَتِهِ أَوْ بِنِعْمَتِهِ ، لِأَنَّ الْيَدَ فِي اللُّغَةِ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ ، وَبِمَعْنَى الْقُدْرَةِ ، كَمَا يُقَالُ : لِي عِنْدَ فُلَانٍ يَدٌ بَيْضَاءُ . يُرَادُ بِهِ نِعْمَةٌ .
[ ص: 292 ] وَكَمَا يُقَالُ : هَذَا الشَّيْءُ فِي يَدِ فُلَانٍ وَتَحْتَ يَدِ فُلَانٍ ، يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَفِي مُلْكِهِ .
وَيُقَالُ : رَجُلٌ أَيْدٍ إِذَا كَانَ قَادِرًا .
وَكَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا [ 36 \ 71 ] ، يُرِيدُ عَمِلْنَا بِقُدْرَتِنَا . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ
فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خَلَقْتُ بِيَدَيَّ يَعْنِي بِقُدْرَتِي أَوْ نِعْمَتِي .
يُقَالُ لَهُمْ هَذَا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ : بِيَدَيَّ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ يَدَيْنِ هُمَا صِفَةٌ لَهُ .
فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِمَا الْقُدْرَةُ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَتَانِ .
وَأَنْتُمْ لَا تَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْبَارِّي سُبْحَانَهُ قُدْرَةً وَاحِدَةً ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُثْبِتُوا لَهُ قُدْرَتَيْنِ ؟
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مُثْبِتِي الصِّفَاتِ وَالنَّافِينَ لَهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَعَالَى قُدْرَتَانِ فَبَطَلَ مَا قُلْتُمْ .
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ
آدَمَ بِنِعْمَتَيْنِ ; لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى
آدَمَ وَعَلَى غَيْرِهِ لَا تُحْصَى .
وَلِأَنَّ الْقَائِلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : رَفَعْتُ الشَّيْءَ بِيَدَيَّ أَوْ وَضَعْتُهُ بِيَدَيَّ أَوْ تَوَلَّيْتُهُ بِيَدَيَّ وَهُوَ يَعْنِي نِعْمَتَهُ .
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : لِي عِنْدَ فُلَانٍ يَدَانِ يَعْنِي نِعْمَتَيْنِ .
وَإِنَّمَا يُقَالُ لِي عِنْدَهُ يَدَانِ بَيْضَاوَانِ ، لِأَنَّ الْقَوْلَ : يَدٌ - لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْيَدِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ الذَّاتِ .
وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ لَمْ يَغْفُلْ عَنْ ذَلِكَ إِبْلِيسُ ، وَعَنْ أَنْ يَقُولَ : وَأَيُّ فَضْلٍ
لِآدَمَ عَلِيَّ يَقْتَضِي أَنْ أَسْجُدَ لَهُ ، وَأَنَا أَيْضًا بِيَدِكَ خَلَقْتَنِي الَّتِي هِيَ قُدْرَتُكَ وَبِنِعْمَتِكَ خَلَقْتَنِي ؟
وَفِي الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَضَّلَ
آدَمَ عَلَيْهِ بِخَلْقِهِ بِيَدَيْهِ - دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ مَا قَالُوهُ .
[ ص: 293 ] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ وَيَدُهُ جَارِحَةً ؟ إِذْ كُنْتُمْ لَمْ تَعْقِلُوا يَدَ صِفَةٍ وَوَجْهَ صِفَةٍ لَا جَارِحَةً .
يُقَالُ لَهُ : لَا يَجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَجِبُ إِذَا لَمْ نَعْقِلْ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا إِلَّا جِسْمًا أَنْ نَقْضِيَ نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ .
وَكَمَا لَا يَجِبُ مَتَى كَانَ قَائِمًا بِذَاتِهِ أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا أَوْ جِسْمًا ، لِأَنَّا وَإِيَّاكُمْ لَمَ نَجِدْ قَائِمًا بِنَفْسِهِ فِي شَاهِدِنَا إِلَّا كَذَلِكَ . انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَرَى أَنَّ صِفَةَ الْوَجْهِ ، وَصِفَةَ الْيَدِ ، وَصِفَةَ الْعِلْمِ ، وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ كُلَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي ، وَلَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهَا ، وَجَمِيعُ صِفَاتِ اللَّهِ مُخَالَفَةٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ خَلْقِهِ .
وَقَالَ
الْبَاقِلَّانِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ مَا نَصُّهُ :
فَإِنْ قَالُوا : فَهَلْ تَقُولُونَ : إِنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ ؟
قِيلَ : مَعَاذَ اللَّهِ ، بَلْ هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ 20 \ 5 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [ 35 \ 10 ] ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ .
وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، لَكَانَ فِي جَوْفِ الْإِنْسَانِ وَفَمِهِ وَفِي الْحُشُوشِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يُرْغَبُ عَنْ ذِكْرِهَا ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ ، وَلَوَجَبَ أَنْ يَزِيدَ بِزِيَادَةِ الْأَمَاكِنِ إِذْ خَلَقَ مِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ خَلَقَهُ ، وَيَنْقُصَ بِنُقْصَانِهَا إِذَا بَطَلَ مِنْهَا مَا كَانَ .
وَلَصَحَّ أَنْ يُرْغَبَ إِلَيْهِ إِلَى نَحْوِ الْأَرْضِ وَإِلَى وَرَاءِ ظُهُورِنَا وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَشَمَائِلِنَا .
وَهَذَا مَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى خِلَافِهِ وَتَخْطِئَةِ قَائِلِهِ ، إِلَى أَنْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ هُوَ اسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مِهْرَاقِ
لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ هُوَ الْقُدْرَةُ وَالْقَهْرُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ قَادِرًا قَاهِرًا عَزِيزًا مُقْتَدِرًا .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=59ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [ 25 \ 59 ] ، يَقْتَضِي اسْتِفْتَاحَ هَذَا الْوَصْفِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَيُبْطِلُ مَا قَالُوهُ .
[ ص: 294 ] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَفَصِّلُوا لِي صِفَاتَ ذَاتِهِ مِنْ صِفَاتِ أَفْعَالِهِ ، لِأَعْرِفَ ذَلِكَ .
قِيلَ لَهُ : صِفَاتُ ذَاتِهِ هِيَ الَّتِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهَا .
وَهِيَ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ وَالْإِرَادَةُ وَالْبَقَاءُ وَالْوَجْهُ وَالْعَيْنَانِ وَالْيَدَانِ . انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
وَقَدْ نَقَلْنَاهُ مِنْ نُسْخَةٍ هِيَ أَجْوَدُ نُسْخَةٍ مَوْجُودَةٍ لِكِتَابِ التَّمْهِيدِ
لِلْبَاقِلَانِيِّ الْمَذْكُورِ .
وَتَرَى تَصْرِيحَهُ فِيهَا بِأَنَّ صِفَةَ الْوَجْهِ وَالْيَدِ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ ، كَمَا هُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ ، أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيَّ ، كَانَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَعْظَمِ أَئِمَّةِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ ، وَقَدْ قَرَّرَ التَّأْوِيلَ وَانْتَصَرَ لَهُ فِي كِتَابِهِ الْإِرْشَادِ .
وَلَكِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِهِ الْعَقِيدَةُ النِّظَامِيَّةُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا :
اخْتَلَفَ مَسَالِكُ الْعُلَمَاءِ فِي الظَّوَاهِرِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَامْتَنَعَ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ فَحْوَاهَا وَإِجْرَاؤُهَا عَلَى مُوجَبِ مَا تُبْرِزُهُ أَفْهَامُ أَرْبَابِ اللِّسَانِ مِنْهَا .
فَرَأَى بَعْضُهُمْ تَأْوِيلَهَا ، وَالْتِزَامَ هَذَا الْمَنْهَجِ فِي آيِ الْكِتَابِ ، وَفِيمَا صَحَّ مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَذَهَبَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28709الِانْكِفَافِ عَنِ التَّأْوِيلِ وَإِجْرَاءِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَوَارِدِهَا ، وَتَفْوِيضِ مَعَانِيهَا إِلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ .
وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ لِلَّهِ بِهِ عَقَدًا - اتِّبَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ ، فَالْأَوْلَى الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الِابْتِدَاعَ ، وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ الْقَاطِعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ مُتَّبَعَةٌ ، وَهُوَ مُسْتَنَدُ مُعْظَمِ الشَّرِيعَةِ .
وَقَدْ دَرَجَ صَحْبُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِمَعَانِيهَا وَدَرْكِ مَا فِيهَا وَهُمْ صَفْوَةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُشْتَغِلُونَ بِأَعْبَاءِ الشَّرِيعَةِ .
وَكَانُوا لَا يَأْلُونَ جُهْدًا فِي ضَبْطِ قَوَاعِدَ الْمِلَّةِ وَالتَّوَاصِي بِحِفْظِهَا وَتَعْلِيمِ النَّاسِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْهَا .
[ ص: 295 ] فَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ مُسَوِّغًا أَوْ مَحْتُومًا لَأَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُمْ بِهَا فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ .
فَإِذَا انْصَرَمَ عَصْرُهُمْ وَعَصْرُ التَّابِعِينَ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنِ التَّأْوِيلِ كَانَ ذَلِكَ قَاطِعًا بِأَنَّهُ الْوَجْهُ الْمُتَّبَعُ بِحَقٍّ .
فَعَلَى ذِي الدِّينِ أَنْ يَعْتَقِدَ تَنَزُّهَ الرَّبِّ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثَاتِ ، وَلَا يَخُوضُ فِي تَأْوِيلِ الْمُشْكِلَاتِ وَيَكِلُ مَعْنَاهَا إِلَى الرَّبِّ .
وَمِمَّا اسْتُحْسِنَ مِنْ إِمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ 20 \ 5 ] ، فَقَالَ : الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ .
فَلْتُجْرِ آيَةَ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ وَقَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ 38 \ 75 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [ 55 \ 27 ] ، وَقَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [ 54 \ 14 ] ، وَمَا صَحَّ عَنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَخَبَرِ النُّزُولِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، فَهَذَا بَيَانُ مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى . انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّ رُجُوعَ
الْجُوَيْنِيِّ فِيهَا إِلَى أَنَّ الْحَقَّ هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847أَبُو حَامِدِ الْغَزَالِيِّ ، كَانَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ .
وَقَالَ فِي كِتَابِهِ : إِلْجَامُ الْعَوَامِّ عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ :
اعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ الصَّرِيحَ الَّذِي لَا مِرَاءَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَائِرِ - هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ ، أَعْنِي الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29614_28713الْبُرْهَانَ الْكُلِّيَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي مَذْهَبِ السَّلَفِ وَحْدَهُ يَنْكَشِفُ بِتَسْلِيمِ أَرْبَعَةِ أُصُولٍ مُسَلَّمَةٍ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ .
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِصَلَاحِ أَحْوَالِ الْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ .
الْأَصْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ بَلَّغَ كُلَّ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ صَلَاحِ الْعِبَادِ فِي مَعَادِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ ، وَلَمْ يَكْتُمْ مِنْهُ شَيْئًا .
[ ص: 296 ] الْأَصْلُ الثَّالِثُ : أَنَّ أَعْرَفَ النَّاسِ بِمَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ وَأَحْرَاهُمْ بِالْوُقُوفِ عَلَى أَسْرَارِهِ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ لَازَمُوهُ وَحَضَرُوا التَّنْزِيلَ وَعَرَفُوا التَّأْوِيلَ .
وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ : أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي طُولِ عَصْرِهِمْ إِلَى آخِرِ أَعْمَارِهِمْ مَا دَعَوُا الْخَلْقَ إِلَى التَّأْوِيلِ ، وَلَوْ كَانَ التَّأْوِيلُ مِنَ الدِّينِ أَوْ عِلْمِ الدِّينِ لَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَدَعَوْا إِلَيْهِ أَوْلَادَهُمْ وَأَهْلَهُمْ .
ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ : وَبِهَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الْمُسَلَّمَةِ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ نَعْلَمُ بِالْقَطْعِ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالُوهُ وَالصَّوَابَ مَا رَأَوْهُ .
انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِدْلَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيِّ هَذَا لِأَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ هُوَ الْحَقُّ - اسْتِدْلَالٌ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ ، وَوُضُوحِ وَجْهِ الدَّلِيلِ فِيهِ ، وَأَنَّ التَّأْوِيلَ لَوْ كَانَ سَائِغًا أَوْ لَازِمًا لَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ ، وَلِقَالَ بِهِ أَصْحَابُهُ وَتَابَعُوهُمْ كَمَا لَا يَخْفَى .
وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ إِلَى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَحِفْظِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ .
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَاتَ وَعَلَى صَدْرِهِ صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ .
وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْفَخْرَ الرَّازِيَّ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ أَعْظَمَ أَئِمَّةِ التَّأْوِيلِ - رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ مُعْتَرِفًا بِأَنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ هِيَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ .
وَقَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابَهُ : أَقْسَامُ اللَّذَّاتِ : لَقَدِ اخْتَبَرْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ ، وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ ، فَلَمْ أَجِدْهَا تَرْوِي غَلِيلًا ، وَلَا تَشْفِي عَلِيلًا ، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ ، أَقْرَأُ فِي الْإِثْبَاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ 20 \ 5 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=10إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [ 35 \ 10 ] ، وَفِي النَّفْيِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [ 42 \ 11 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [ 19 \ 65 ] ، وَمُنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي . ا هـ .
وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَبْيَاتِهِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا :
نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ وَغَايَةُ سَعْيِ الْعَالَمِينَ ضَلَالُ
وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مَنْ جُسُومِنَا وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ
وَلَمْ نَسْتَفِدْ مَنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلٌ وَقَالُ
[ ص: 297 ] إِلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ .
وَكَذَلِكَ غَالِبُ أَكَابِرِ الَّذِينَ كَانُوا يَخُوضُونَ فِي الْفَلْسَفَةِ وَالْكَلَامِ ، فَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِهِمْ أَمْرُهُمْ إِلَى الْحَيْرَةِ وَعَدَمِ الثِّقَةِ بِمَا كَانُوا يُقَرِّرُونَ .
وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13171الْحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالْفَلْسَفَةِ أَنَّهُ قَالَ :
وَمَنِ الَّذِي قَالَ فِي الْإِلَهِيَّاتِ شَيْئًا يُعْتَدُّ بِهِ ؟
وَذَكَرُوا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14592الشِّهْرِسْتَانِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَّا الْحَيْرَةَ وَالنَّدَمَ ، وَقَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ : لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ الْمَعَاهِدَ كُلَّهَا وَسَيَّرْتُ طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ فَلَمْ أَرَ إِلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارَعًا سِنَّ نَادِمٍ وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرَةٌ .
فَيَا أَيُّهَا الْمُعَاصِرُونَ الْمُتَعَصِّبُونَ لِدَعْوَى أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثَهَا خَبِيثٌ لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ لِاسْتِلْزَامِهِ التَّشْبِيهَ بِصِفَاتِ الْخَلْقِ ، وَأَنَّهَا يَجِبُ نَفْيُهَا وَتَأْوِيلُهَا بِمَعَانٍ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ، وَلَمْ يَقُلْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ .
فَمَنْ هُوَ سَلَفُكُمْ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ الْمُخَالِفَةِ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ ؟
إِنْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ
الْأَشْعَرِيَّ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِكُمْ ، وَأَنَّهُ سَلَفُكُمْ فِي ذَلِكَ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْكُمْ وَمِنْ دَعْوَاكُمْ .
وَهُوَ مُصَرِّحٌ فِي كُتُبِهِ الَّتِي صَنَّفَهَا بَعْدَ الرُّجُوعِ عَنِ الِاعْتِزَالِ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ هُمُ
الْمُعْتَزِلَةُ ، وَهُمْ خُصُومُهُ وَهُوَ خَصْمُهُمْ ، كَمَا أَوْضَحْنَا كَلَامَهُ فِي الْإِبَاحَةِ وَالْمَقَالَاتِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَسَاطِينَ الْقَوْلِ بِالتَّأْوِيلِ قَدِ اعْتَرَفُوا بِأَنَّ التَّأْوِيلَ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ ، وَأَنَّ الْحَقَّ هُوَ اتِّبَاعُ مَذْهَبِ السَّلَفِ كَمَا أَوْضَحْنَا ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12604أَبِي بَكْرِ الْبَاقِلَّانِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12441وَأَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847وَأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ ،
وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ ذَكَرْنَا .
فَنُوصِيكُمْ وَأَنْفُسَنَا بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَأَلَّا تُجَادِلُوا فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاكُمْ ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ فِي كِتَابِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=56إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ 40 \ 56 ] .
[ ص: 298 ] وَيَقُولُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=21وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [ 31 \ 20 - 21 ] .