التنبيه الثالث
اعلم أن المقلدين للأئمة هذا التقليد الأعمى قد دل كتاب الله ، وسنة رسوله ، وإجماع من يعتد به من أهل العلم ، أنه لا يجوز لأحد منهم أن يقول : هذا حلال وهذا حرام ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=32210_32211_20580الحلال ما أحله الله ، على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه أو سنة رسوله ،
nindex.php?page=treesubj&link=32210_32211_20550والحرام ما حرمه الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه ، أو سنة رسوله .
ولا يجوز البتة للمقلد أن يزيد على قوله : هذا الحكم قاله الإمام الذي قلدته أو أفتى به .
أما دلالة القرآن على منع ذلك فقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون [ 10 \ 59 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون [ 16 \ 116 ] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=150قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا .
ومعلوم أن العبرة بعموم الألفاظ ، لا بخصوص الأسباب كما بيناه مرارا ، وأوضحنا أدلته من السنة الصحيحة .
ومما يوضح هذا أن المقلد الذي يقول : هذا حلال وهذا حرام من غير علم بأن الله حرمه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - يقول على الله بغير علم قطعا .
فهو داخل بلا شك في عموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [ 7 \ 33 ] .
فدخوله في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون كما
[ ص: 349 ] ترى ، وهو داخل أيضا في عموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [ 2 \ 169 ] .
وأما السنة ، فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع بن الجراح عن
سفيان . ح ، وحدثنا
إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم ، حدثنا
سفيان ، قال : أملاه علينا إملاء .
ح وحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16471عبد الله بن هاشم - واللفظ له - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن يعني ابن مهدي ، حدثنا
سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16589علقمة بن مرثد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16035سليمان بن بريدة عن أبيه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009441كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال : " اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله " الحديث .
وفيه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009442وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري ، أتصيب حكم الله فيهم أم لا " . هذا لفظ
مسلم في صحيحه .
وفيه النهي الصريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نسبة حكم إلى الله ، حتى يعلم بأن هذا حكم الله الذي شرعه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم ، ولأجل هذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=22241_32230_32211أهل العلم لا يتجرءون على القول بالتحريم والتحليل إلا بنص من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17406يوسف بن عدي ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16535عبيدة بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14355الربيع بن خيثم : إياكم أن يقول الرجل في شيء : إن الله حرم هذا أو نهى عنه ، فيقول الله : كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه .
قال : أو يقول : إن الله أحل هذا وأمر به ، فيقول : كذبت لم أحله ولم آمر به .
وذكر
ابن وهب وعتيق بن يعقوب أنهما سمعا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس يقول : لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا ولا أدركت أحدا أقتدي به يقول في شيء : هذا حلال وهذا حرام .
ما كانوا يجترئون على ذلك ، وإنما كانوا يقولون : نكره هذا ، ونرى هذا حسنا ، ونتقي هذا ، ولا نرى هذا .
[ ص: 350 ] وزاد
عتيق بن يعقوب : ولا يقولون حلال وحرام .
أما سمعت قول الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون [ 10 \ 59 ] .
الحلال ما أحله الله ورسوله ، والحرام ما حرمه الله ورسوله .
قال
أبو عمر : معنى قول
مالك هذا أن ما أخذ من العلم رأيا واستحسانا لم نقل فيه حلال ولا حرام والله أعلم . انتهى محل الغرض منه .
وقال
أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسيره في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام [ 16 \ 116 ] ما نصه : أسند
nindex.php?page=showalam&ids=14272الدارمي أبو محمد في مسنده أخبرنا
هارون عن
حفص عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، قال : ما سمعت
إبراهيم قط يقول : حلال ولا حرام ، ولكن كان يقول : كانوا يكرهون وكانوا يستحبون .
وقال
ابن وهب : قال
مالك : لم يكن من فتيا الناس أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام .
ولكن يقولون : إياكم وكذا وكذا . ولم أكن لأصنع هذا .
ومعنى هذا أن التحليل والتحريم إنما هو لله عز وجل وليس لأحد أن يقول أو يصرح بهذا في عين من الأعيان ، إلا أن يكون البارئ تعالى صرح بذلك عنه .
وما يؤدي إليه الاجتهاد في أنه حرام يقول : إني أكره كذا .
وكذلك كان
مالك يفعل اقتداء بمن تقدم من أهل الفتوى . انتهى محل الغرض منه .
وإذا كان
مالك nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي وغيرهما من أكابر أهل العلم لا يتجرءون أن يقولوا في شيء من مسائل الاجتهاد والرأي : هذا حلال أو حرام .
فما ظنك بغيرهم من المقلدين الذين لم يستضيئوا بشيء من نور الوحي ؟
فتجرؤهم على التحريم والتحليل بلا مستند من الكتاب إنما نشأ لهم من الجهل بكتاب الله وسنة رسوله ، وآثار السلف الصالح .
وآية يونس المتقدمة صريحة فيما ذكرنا صراحة تغني عن كل ما سواها ; لأنه تعالى لما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59فجعلتم منه حراما وحلالا [ 10 \ 59 ] أتبع ذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون .
[ ص: 351 ] ولم يجعل واسطة بين إذنه في ذلك وبين الافتراء عليه ، فمن كان عنده إذن من الله بتحريم هذا أو تحليلا فليعتمد على إذن الله في ذلك .
ومن لم يكن عنده إذن من الله في ذلك فليحذر من الافتراء على الله ، إذ لا واسطة بين الأمرين .
ومعلوم أن العبرة بعموم لفظ الآية لا بخصوص سببها .
فالذين يقولون من الجهلة المقلدين : هذا حلال وهذا حرام ، وهذا حكم الله ، ظنا منهم أن أقوال الإمام الذي قلدوه تقوم مقام الكتاب والسنة وتغني عنهما ، وأن ترك الكتاب والسنة والاكتفاء بأقوال من قلدوه أسلم لدينه أعمتهم ظلمات الجهل المتراكمة عن الحقائق حتى صاروا يقولون هذا .
فهم كما ترى ، مع أن الإمام الذي قلدوه ، ما كان يتجرأ على مثل الذي تجرءوا عليه ; لأن علمه يمنعه من ذلك .
والله - جل وعلا - يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب [ 39 \ 9 ] .
التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ
اعْلَمْ أَنَّ الْمُقَلِّدِينَ لِلْأَئِمَّةِ هَذَا التَّقْلِيدَ الْأَعْمَى قَدْ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ ، وَإِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ : هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32210_32211_20580الْحَلَالَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ ، عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=32210_32211_20550وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِهِ ، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ .
وَلَا يَجُوزُ الْبَتَّةَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَوْلِهِ : هَذَا الْحُكْمُ قَالَهُ الْإِمَامُ الَّذِي قَلَّدْتُهُ أَوْ أَفْتَى بِهِ .
أَمَّا دَلَالَةُ الْقُرْآنِ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [ 10 \ 59 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [ 16 \ 116 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=150قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ الْأَلْفَاظِ ، لَا بِخُصُوصِ الْأَسْبَابِ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِرَارًا ، وَأَوْضَحْنَا أَدِلَّتَهُ مِنَ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الْمُقَلِّدَ الَّذِي يَقُولُ : هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ قَطْعًا .
فَهُوَ دَاخِلٌ بِلَا شَكٍّ فِي عُمُومِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [ 7 \ 33 ] .
فَدُخُولُهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ كَمَا
[ ص: 349 ] تَرَى ، وَهُوَ دَاخِلٌ أَيْضًا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [ 2 \ 169 ] .
وَأَمَّا السُّنَّةُ ، فَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ
سُفْيَانَ . ح ، وَحَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، قَالَ : أَمْلَاهُ عَلَيْنَا إِمْلَاءً .
ح وَحَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16471عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16349عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16589عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16035سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنِ أَبِيهِ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009441كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : " اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ " الْحَدِيثَ .
وَفِيهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009442وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ ، وَلَكِنَ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي ، أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا " . هَذَا لَفْظُ
مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ .
وَفِيهِ النَّهْيُ الصَّرِيحُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِسْبَةِ حُكْمٍ إِلَى اللَّهِ ، حَتَّى يَعْلَمَ بِأَنَّ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِأَجْلِ هَذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=22241_32230_32211أَهْلُ الْعِلْمِ لَا يَتَجَرَّءُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ إِلَّا بِنَصٍّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13332أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جَامِعِهِ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16502عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16802قَاسِمُ بْنُ أَصْبُغَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13629ابْنُ وَضَّاحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17406يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16535عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16571عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14355الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ : إِيَّاكُمْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ : إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا أَوْ نَهَى عَنْهُ ، فَيَقُولَ اللَّهُ : كَذَبْتَ لَمْ أُحَرِّمْهُ وَلَمْ أَنْهَ عَنْهُ .
قَالَ : أَوْ يَقُولَ : إِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ هَذَا وَأَمَرَ بِهِ ، فَيَقُولَ : كَذَبْتَ لَمْ أُحِلَّهُ وَلَمْ آمُرْ بِهِ .
وَذَكَرَ
ابْنُ وَهَبٍ وَعَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَّهُمَا سَمِعَا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ : لَمْ يَكُنْ مِنَ أَمْرِ النَّاسِ وَلَا مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا وَلَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ يَقُولُ فِي شَيْءٍ : هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ .
مَا كَانُوا يَجْتَرِئُونَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ : نَكْرَهُ هَذَا ، وَنَرَى هَذَا حَسَنًا ، وَنَتَّقِي هَذَا ، وَلَا نَرَى هَذَا .
[ ص: 350 ] وَزَادَ
عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ : وَلَا يَقُولُونَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ .
أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [ 10 \ 59 ] .
الْحَلَّالُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
قَالَ
أَبُو عُمَرَ : مَعْنَى قَوْلِ
مَالِكٍ هَذَا أَنَّ مَا أُخِذَ مِنَ الْعِلْمِ رَأْيًا وَاسْتِحْسَانًا لَمْ نُقِلْ فِيهِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ .
وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ [ 16 \ 116 ] مَا نَصُّهُ : أَسْنَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14272الدَّارِمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا
هَارُونُ عَنْ
حَفْصٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشِ ، قَالَ : مَا سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيمَ قَطُّ يَقُولُ : حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ ، وَلَكِنْ كَانَ يَقُولُ : كَانُوا يَكْرَهُونَ وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ .
وَقَالَ
ابْنُ وَهَبٍ : قَالَ
مَالِكٌ : لَمْ يَكُنْ مِنْ فُتْيَا النَّاسِ أَنْ يَقُولُوا هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ .
وَلَكِنْ يَقُولُونَ : إِيَّاكُمْ وَكَذَا وَكَذَا . وَلَمْ أَكُنْ لِأَصْنَعَ هَذَا .
وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَوْ يُصَرِّحَ بِهَذَا فِي عَيْنٍ مِنَ الْأَعْيَانِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ تَعَالَى صَرَّحَ بِذَلِكَ عَنْهُ .
وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِي أَنَّهُ حَرَامٌ يَقُولُ : إِنِّي أَكْرَهُ كَذَا .
وَكَذَلِكَ كَانَ
مَالِكٌ يَفْعَلُ اقْتِدَاءً بِمَنْ تَقَدَّمُ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى . انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ .
وَإِذَا كَانَ
مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَكَابِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَتَجَرَّءُونَ أَنْ يَقُولُوا فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَالرَّأْيِ : هَذَا حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ .
فَمَا ظَنُّكَ بِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِشَيْءٍ مِنْ نُورِ الْوَحْيِ ؟
فَتَجَرُّؤُهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ بِلَا مُسْتَنَدٍ مِنَ الْكِتَابِ إِنَّمَا نَشَأَ لَهُمْ مِنَ الْجَهْلِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَآثَارِ السَّلَفِ الصَّالِحِ .
وَآيَةُ يُونُسَ الْمُتَقَدِّمَةُ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذَكَرْنَا صَرَاحَةً تُغْنِي عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهَا ; لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا [ 10 \ 59 ] أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ .
[ ص: 351 ] وَلَمْ يَجْعَلْ وَاسِطَةً بَيْنَ إِذْنِهِ فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ إِذْنٌ مِنَ اللَّهِ بِتَحْرِيمِ هَذَا أَوْ تَحْلِيلًا فَلْيَعْتَمِدْ عَلَى إِذْنِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ .
وَمِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِذْنٌ مِنَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ فَلْيَحْذَرْ مِنَ الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ ، إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ لَفْظِ الْآيَةِ لَا بِخُصُوصِ سَبَبِهَا .
فَالَّذِينَ يَقُولُونَ مِنَ الْجَهَلَةِ الْمُقَلِّدِينَ : هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ، وَهَذَا حُكْمُ اللَّهِ ، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ أَقْوَالَ الْإِمَامِ الَّذِي قَلَّدُوهُ تَقُومُ مَقَامَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتُغْنِي عَنْهُمَا ، وَأَنَّ تَرْكَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالِاكْتِفَاءَ بِأَقْوَالِ مَنْ قَلَّدُوهُ أَسْلَمَ لِدِينِهِ أَعْمَتْهُمْ ظُلُمَاتُ الْجَهْلِ الْمُتَرَاكِمَةُ عَنِ الْحَقَائِقِ حَتَّى صَارُوا يَقُولُونَ هَذَا .
فَهُمْ كَمَا تَرَى ، مَعَ أَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي قَلَّدُوهُ ، مَا كَانَ يَتَجَرَّأُ عَلَى مِثْلِ الَّذِي تَجَرَّءُوا عَلَيْهِ ; لِأَنَّ عِلْمَهُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ .
وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [ 39 \ 9 ] .