ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن . قوله : قوله تعالى : لا يسخر قوم من قوم أي لا يستخفوا ولا يستهزئوا بهم ، والعرب تقول : سخر منه بكسر الخاء ، يسخر بفتح الخاء على القياس ، إذا استهزأ به واستخف .
[ ص: 413 ] وقد نهى الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة عن السخرية من الناس ، مبينا أن المسخور منه قد يكون خيرا من الساخر .
ومن . أقبح القبيح استخفاف الدنيء الأرذل بالأكرم الأفضل ، واستهزاؤه به
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من جاء ذم فاعله وعقوبته عند الله في غير هذا الموضع ، كقوله تعالى : النهي عن السخرية الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم [ 9 \ 79 ] .
وقد بين تعالى أن ، وأن أولئك يسخرون من الكفار يوم القيامة ، كما قال تعالى : الكفار المترفين في الدنيا كانوا يسخرون من ضعاف المؤمنين في دار الدنيا زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة [ 2 \ 212 ] ، وقال تعالى : إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون إلى قوله تعالى : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون [ 83 \ 29 - 36 ] .
فلا ينبغي لمن رأى مسلما في حالة رثة تظهر بها عليه آثار الفقر والضعف أن يسخر منه ؛ لهذه الآيات التي ذكرنا .
قوله تعالى : ولا تلمزوا أنفسكم .
أي لا يلمز أحدكم أخاه كما تقدم إيضاحه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] .
وقد أوعد الله - جل وعلا - الذين يلمزون الناس في قوله تعالى : ويل لكل همزة لمزة [ 104 \ 12 ] ، والهمزة كثير الهمز للناس ، واللمزة كثير اللمز .
قال بعض العلماء : الهمز يكون بالفعل كالغمز بالعين احتقارا وازدراء ، واللمز باللسان ، وتدخل فيه الغيبة .
وقد صرح الله تعالى بالنهي عن ذلك في قوله : ولا يغتب بعضكم بعضا [ 49 \ 12 ] ، ونفر عنه غاية التنفير في قوله تعالى : أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه [ 49 \ 12 ] ، . فيجب على المسلم أن يتباعد كل التباعد من الوقوع في عرض أخيه