سورة النجم
قوله تعالى : والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
اختلف العلماء في المراد بهذا النجم الذي أقسم الله به في هذه الآية الكريمة ، فقال بعضهم : المراد به النجم إذا رجمت به الشياطين ، وقال بعضهم : إن المراد به الثريا ، وهو مروي عن وغيره ، ولفظة النجم علم للثريا بالغلبة ، فلا تكاد العرب تطلق لفظ النجم مجردا إلا عليها ، ومنه قول ابن عباس نابغة ذبيان :
أقول والنجم قد مالت أواخره إلى المغيب تثبت نظرة حار
فقوله : والنجم : يعني الثريا .وقوله تعالى : إذا هوى : أي سقط مع الصبح ، وهذا اختيار . وقيل : النجم الزهرة ، وقيل : المراد بالنجم نجوم السماء ، وعليه فهو من إطلاق المفرد وإرادة الجمع كقوله : ابن جرير ويولون الدبر [ 54 \ 45 ] ، يعني الأدبار . وقوله : وجاء ربك والملك صفا صفا [ 89 \ 22 ] ، أي : الملائكة ، وقوله : أولئك يجزون الغرفة بما صبروا [ 25 \ 75 ] ، أي الغرف .
وقد قدمنا أمثلة كثيرة لهذا في القرآن ، وفي كلام العرب في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى : ثم نخرجكم طفلا [ 22 \ 5 ] ، وإطلاق النجم مرادا به النجوم معروف في اللغة ، ومنه قول : عمر بن أبي ربيعة
ثم قالوا تحبها قلت بهرا عدد النجم والحصى والتراب
فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها
وعلى هذا فقوله : إذا هوى أي نزل به الملك من السماء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم . وقوله : هوى يهوي هويا إذا اخترق الهوا نازلا من أعلى إلى أسفل .
اعلم أولا أن القول بأنه الثريا وأن المراد بالنجم خصوصها ، وإن اختاره وروي عن ابن جرير وغير واحد - ليس بوجيه عندي . ابن عباس
والأظهر أن . وإن قال النجم يراد به النجوم بأنه لا يصح ، والدليل على ذلك جمعه تعالى للنجوم في القسم في قوله تعالى : ابن جرير فلا أقسم بمواقع النجوم [ 56 \ 75 ] ، لأن الظاهر أن المراد بالنجم إذا هوى هنا كالمراد بمواقع النجوم في الواقعة .
وقد اختلف العلماء أيضا في فقال بعضهم : هي مساقطها إذا غابت . وقال بعضهم : انتثارها يوم القيامة . وقال بعضهم : منازلها في السماء ، لأن النازل في محل واقع فيه . وقال بعضهم : هي مواقع نجوم القرآن النازل بها الملك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم . المراد بمواقع النجوم
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : أظهر الأقوال عندي وأقربها للصواب في نظري - أن المراد بالنجم إذا هوى هنا في هذه السورة ، وبمواقع النجوم في الواقعة هو نجوم القرآن التي نزل بها الملك نجما فنجما ، وذلك لأمرين :
أحدهما : أن هذا الذي أقسم الله عليه بالنجم إذا هوى الذي هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - على حق وأنه ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى - موافق في المعنى لما أقسم عليه بمواقع النجوم ، وهو قوله : إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون إلى قوله : تنزيل من رب العالمين [ 56 \ 77 - 80 ] .
[ ص: 464 ] والإقسام بالقرآن على صحة رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى صدق القرآن العظيم وأنه منزل من الله جاء موضحا في آيات من كتاب الله كقوله تعالى : يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم [ 36 \ 1 - 5 ] . وقوله تعالى : حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم [ 43 \ 1 - 4 ] ، وخير ما يفسر به القرآن القرآن .
والثاني : أن كون المقسم به المعبر بالنجوم هو القرآن العظيم - أنسب لقوله بعده : وإنه لقسم لو تعلمون عظيم [ 56 \ 76 ] ، لأن هذا التعظيم من الله يدل على أن هذا المقسم به في غاية العظمة .
ولا شك أن القرآن الذي هو كلام الله أنسب لذلك من نجوم السماء ونجم الأرض . والعلم عند الله تعالى .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ما ضل صاحبكم وما غوى ، قال بعض العلماء : الضلال يقع من الجهل بالحق ، والغي هو العدول عن الحق مع معرفته ، أي ما جهل الحق وما عدل عنه ، بل هو عالم بالحق متبع له .
وقد قدمنا إطلاقات الضلال في القرآن بشواهدها العربية في سورة الشعراء في الكلام على قوله تعالى : قال فعلتها إذا وأنا من الضالين [ 26 \ 20 ] ، وفي سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى : قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم الآية [ 18 \ 103 - 104 ] .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كونه - صلى الله عليه وسلم - على هدى مستقيم - جاء موضحا في آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى : فتوكل على الله إنك على الحق المبين [ 27 \ 79 ] ، وقوله تعالى : فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم [ 22 \ 67 ] ، وقوله تعالى : وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [ 42 \ 52 ] .
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الزخرف في الكلام على قوله تعالى : فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم [ 43 \ 43 ] . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة إن هو إلا وحي يوحى استدل به علماء [ ص: 465 ] الأصول على أن ، والذين قالوا إنه قد يقع منه الاجتهاد ، استدلوا بقوله تعالى : النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يجتهد عفا الله عنك لم أذنت لهم الآية [ 9 \ 43 ] وقوله تعالى : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض الآية [ 8 \ 67 ] . وقوله تعالى : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية [ 9 \ 113 ] .
قالوا : فلو لم يكن هذا عن اجتهاد ، لما قال : عفا الله عنك لم أذنت لهم الآية . ولما قال : ما كان لنبي أن يكون له أسرى ، ولا منافاة بين الآيات ، لأن قوله : إن هو إلا وحي يوحى معناه أن ، فمن يقول : إنه شعر أو سحر أو كهانة أو أساطير الأولين - هو أكذب خلق الله وأكفرهم ، ولا ينافي ذلك أنه أذن للمتخلفين عن غزوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يبلغ عن الله إلا شيئا أوحى الله إليه أن يبلغه تبوك ، وأسر الأسارى يوم بدر ، واستغفر لعمه أبي طالب من غير أن ينزل عليه وحي خاص في ذلك ، وقد أوضحنا هذا في غير هذا الموضع .