قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=29027_33679_29711أفرأيتم الماء الذي تشربون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون .
تضمنت هذه الآية الكريمة امتنانا عظيما على خلقه بالماء الذي يشربونه ، وذلك أيضا آية من آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته وشدة حاجة خلقه إليه ، والمعنى : أفرأيتم الماء الذين تشربون ، الذي لا غنى لكم عنه لحظة ، ولو أعدمناه لهلكتم جميعا في أقرب وقت :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون [ 56 \ 69 ] .
والجواب الذي لا جواب غيره - هو أنت يا ربنا ، هو منزله من المزن ، ونحن لا قدرة لنا على ذلك . فيقال لهم : إذا كنتم في هذا القدر من شدة الحاجة إليه تعالى فلم تكفرون به وتشربون ماءه وتأكلون رزقه وتعبدون غيره .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من الامتنان على الخلق بالماء وأنهم يلزمهم الإيمان بالله وطاعته شكرا لنعمة هذا الماء ، كما أشار له هنا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70فلولا تشكرون [ 56 \ 70 ] - جاء في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين [ 15 \ 22 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون [ 16 \ 10 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وأنزلنا من السماء ماء طهورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=49لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا [ 25 \ 48 - 49 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وأسقيناكم ماء فراتا [ 77 \ 27 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70لو نشاء جعلناه أجاجا [ 56 \ 70 ] ، أي لو نشاء جعله أجاجا لفعلنا ، ولكن جعلناه عذبا فراتا سائغا شرابه ، وقد قدمنا في سورة الفرقان أن الماء الأجاج هو الجامع بين الملوحة والمرارة الشديدتين .
[ ص: 534 ] وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كونه تعالى لو شاء لجعل الماء غير صالح للشراب - جاء معناه في آيات أخر كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=30قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين [ 67 : 30 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون [ 23 \ 18 ] ، لأن الذهاب بالماء وجعله غورا لم يصل إليه وجعله أجاجا ، كل ذلك في المعنى سواء بجامع عدم تأتي شرب الماء . وهذه الآيات المذكورة تدل على شدة حاجة الخلق إلى خالقهم كما ترى . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أأنتم أنزلتموه من المزن [ 56 \ 69 ] ، يدل على أن جميع الماء الساكن في الأرض النابع من العيون والآبار ونحو ذلك ، أن أصله كله نازل من المزن ، وأن الله أسكنه في الأرض وخزنه فيها لخلقه .
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية جاء موضحا في آيات أخر كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض [ 23 \ 18 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=21ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض [ 39 \ 21 ] ، وقد قدمنا هذا في سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين الآية [ 15 \ 22 ] ، وفي سورة " سبأ " في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=2يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها الآية [ 34 \ 2 ] . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70فلولا تشكرون [ 56 \ 70 ] ، فلولا بمعنى هلا ، وهي حرف تحضيض ، وهو الطلب بحث وحض ، والمعنى أنهم يطلب منهم شكر هذا المنعم العظيم بحث وحض .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=19609_19617_19606الشكر يطلق من العبد لربه ومن الرب لعبده .
فشكر العبد لربه ينحصر معناه في استعماله جميع نعمه فيما يرضيه تعالى . فشكر نعمة العين ألا ينظر بها إلا ما يرضي من خلقها ، وهكذا في جميع الجوارح . وشكر نعمة المال أن يقيم فيه أوامر ربه ويكون مع ذلك شاكر القلب واللسان .
nindex.php?page=treesubj&link=19609وشكر العبد لربه جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70فلولا تشكرون [ 56 \ 70 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=152واشكروا لي ولا تكفرون [ 2 \ 152 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .
وأما شكر الرب لعبده فهو أن يثيبه الثواب الجزيل من عمله القليل ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم [ 2 \ 158 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34إن ربنا لغفور شكور [ 35 \ 34 ] ،
[ ص: 535 ] إلى غير ذلك من الآيات .
تنبيه لغوي
اعلم أن مادة الشكر تتعدى إلى النعمة تارة ، وإلى المنعم أخرى ، فإن عديت إلى النعمة تعدت إليها بنفسها دون حرف الجر كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=19رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي [ 27 \ 19 ] ، وإن عديت إلى المنعم تعدت إليه بحرف الجر الذي هو اللام كقولك : نحمد الله ونشكر له ، ولم تأت في القرآن معداة إلا باللام ، كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=152واشكروا لي ولا تكفرون [ 2 \ 152 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14أن اشكر لي ولوالديك [ 31 \ 14 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون [ 16 \ 114 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون [ 29 \ 17 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وهذه هي اللغة الفصحى ، وتعديتها للمفعول بدون اللام لغة لا لحن ، ومن ذلك قول
أبي نخيلة :
شكرتك إن الشكر حبل من اتقى وما كل من أوليته نعمة يقضي
وقول
جميل بن معمر :
خليلي عوجا اليوم حتى تسلما على عذبة الأنياب طيبة النشر
فإنكما إن عجتما لي ساعة شكرتكما حتى أغيب في قبري
وهذه الآيات من سورة الواقعة قد دلت على أن اقتران جواب " لو " باللام ، وعدم اقترانه بها كلاهما سائغ ، لأنه تعالى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65لو نشاء لجعلناه حطاما [ 56 \ 65 ] ، باللام ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70لو نشاء جعلناه أجاجا [ 56 \ 70 ] ، بدونها .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=68nindex.php?page=treesubj&link=29027_33679_29711أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ .
تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ امْتِنَانًا عَظِيمًا عَلَى خَلْقِهِ بِالْمَاءِ الَّذِي يَشْرَبُونَهُ ، وَذَلِكَ أَيْضًا آيَةٌ مِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَشِدَّةِ حَاجَةِ خَلْقِهِ إِلَيْهِ ، وَالْمَعْنَى : أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِينَ تَشْرَبُونَ ، الَّذِي لَا غِنَى لَكُمْ عَنْهُ لَحْظَةً ، وَلَوْ أَعْدَمْنَاهُ لَهَلَكْتُمْ جَمِيعًا فِي أَقْرَبِ وَقْتٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [ 56 \ 69 ] .
وَالْجَوَابُ الَّذِي لَا جَوَابَ غَيْرُهُ - هُوَ أَنْتَ يَا رَبَّنَا ، هُوَ مُنْزِلُهُ مِنَ الْمُزْنِ ، وَنَحْنُ لَا قُدْرَةَ لَنَا عَلَى ذَلِكَ . فَيُقَالُ لَهُمْ : إِذَا كُنْتُمْ فِي هَذَا الْقَدْرِ مِنْ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى فَلِمَ تَكْفُرُونَ بِهِ وَتَشْرَبُونَ مَاءَهُ وَتَأْكُلُونَ رِزْقَهُ وَتَعْبُدُونَ غَيْرَهُ .
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ الِامْتِنَانِ عَلَى الْخَلْقِ بِالْمَاءِ وَأَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمُ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَطَاعَتُهُ شُكْرًا لِنِعْمَةِ هَذَا الْمَاءِ ، كَمَا أَشَارَ لَهُ هُنَا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ [ 56 \ 70 ] - جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [ 15 \ 22 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [ 16 \ 10 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=49لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا [ 25 \ 48 - 49 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا [ 77 \ 27 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَقَوْلُهُ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا [ 56 \ 70 ] ، أَيْ لَوْ نَشَاءُ جَعْلَهُ أُجَاجًا لَفَعَلْنَا ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ عَذْبًا فُرَاتًا سَائِغًا شَرَابُهُ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ أَنَّ الْمَاءَ الْأُجَاجَ هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ الْمُلُوحَةِ وَالْمَرَارَةِ الشَّدِيدَتَيْنِ .
[ ص: 534 ] وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ كَوْنِهِ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَجَعَلَ الْمَاءَ غَيْرَ صَالِحٍ لِلشَّرَابِ - جَاءَ مَعْنَاهُ فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=30قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ [ 67 : 30 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [ 23 \ 18 ] ، لِأَنَّ الذَّهَابَ بِالْمَاءِ وَجَعْلَهُ غَوْرًا لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ وَجَعْلَهُ أُجَاجًا ، كُلُّ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ بِجَامِعِ عَدَمِ تَأَتِّي شُرْبِ الْمَاءِ . وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ حَاجَةِ الْخَلْقِ إِلَى خَالِقِهِمْ كَمَا تَرَى . وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=69أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ [ 56 \ 69 ] ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْمَاءِ السَّاكِنِ فِي الْأَرْضِ النَّابِعِ مِنَ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، أَنَّ أَصْلَهُ كُلَّهُ نَازِلٌ مِنَ الْمُزْنِ ، وَأَنَّ اللَّهَ أَسْكَنَهُ فِي الْأَرْضِ وَخَزَنَهُ فِيهَا لِخَلْقِهِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=18وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ [ 23 \ 18 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=21أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ [ 39 \ 21 ] ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا فِي سُورَةِ الْحِجْرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=22فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ الْآيَةَ [ 15 \ 22 ] ، وَفِي سُورَةِ " سَبَأٍ " فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=2يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا الْآيَةَ [ 34 \ 2 ] . وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ [ 56 \ 70 ] ، فَلَوْلَا بِمَعْنَى هَلَّا ، وَهِيَ حِرَفُ تَحْضِيضٍ ، وَهُوَ الطَّلَبُ بِحَثٍّ وَحَضٍّ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُطْلَبُ مِنْهُمْ شُكْرُ هَذَا الْمُنْعِمِ الْعَظِيمِ بِحَثٍّ وَحَضٍّ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19609_19617_19606الشُّكْرَ يُطْلَقُ مِنَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ وَمِنَ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ .
فَشُكْرُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ يَنْحَصِرُ مَعْنَاهُ فِي اسْتِعْمَالِهِ جَمِيعَ نِعَمِهِ فِيمَا يُرْضِيهِ تَعَالَى . فَشُكْرُ نِعْمَةِ الْعَيْنِ أَلَّا يَنْظُرَ بِهَا إِلَّا مَا يُرْضِي مَنْ خَلَقَهَا ، وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ الْجَوَارِحِ . وَشُكْرُ نِعْمَةِ الْمَالِ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَوَامِرَ رَبِّهِ وَيَكُونَ مَعَ ذَلِكَ شَاكِرَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19609وَشُكْرُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ جَاءَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ [ 56 \ 70 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=152وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [ 2 \ 152 ] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ .
وَأَمَّا شُكْرُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ فَهُوَ أَنْ يُثِيبَهُ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ مِنْ عَمَلِهِ الْقَلِيلِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [ 2 \ 158 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [ 35 \ 34 ] ،
[ ص: 535 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
تَنْبِيهٌ لُغَوِيٌّ
اعْلَمْ أَنَّ مَادَّةَ الشُّكْرِ تَتَعَدَّى إِلَى النِّعْمَةِ تَارَةً ، وَإِلَى الْمُنْعِمِ أُخْرَى ، فَإِنْ عُدِّيَتْ إِلَى النِّعْمَةِ تَعَدَّتْ إِلَيْهَا بِنَفْسِهَا دُونَ حَرْفِ الْجَرِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=19رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ [ 27 \ 19 ] ، وَإِنْ عُدِّيَتْ إِلَى الْمُنْعِمِ تَعَدَّتْ إِلَيْهِ بِحَرْفِ الْجَرِّ الَّذِي هُوَ اللَّامُ كَقَوْلِكَ : نَحْمَدُ اللَّهَ وَنَشْكُرُ لَهُ ، وَلَمْ تَأْتِ فِي الْقُرْآنِ مُعَدَّاةً إِلَّا بِاللَّامِ ، كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=152وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [ 2 \ 152 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [ 31 \ 14 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [ 16 \ 114 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=17فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ 29 \ 17 ] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْفُصْحَى ، وَتَعْدِيَتُهَا لِلْمَفْعُولِ بِدُونِ اللَّامِ لُغَةٌ لَا لَحْنٌ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ
أَبِي نُخَيْلَةَ :
شَكَرْتُكَ إِنَّ الشُّكْرَ حَبْلُ مَنِ اتَّقَى وَمَا كُلُّ مَنْ أَوْلَيْتَهُ نِعْمَةً يَقْضِي
وَقَوْلُ
جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ :
خَلِيلَيَّ عُوجَا الْيَوْمَ حَتَّى تُسَلِّمَا عَلَى عَذْبَةِ الْأَنْيَابِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ
فَإِنَّكُمَا إِنْ عُجْتُمَا لِيَ سَاعَةً شَكَرْتُكُمَا حَتَّى أُغَيَّبَ فِي قَبْرِي
وَهَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ اقْتِرَانَ جَوَابِ " لَوْ " بِاللَّامِ ، وَعَدَمَ اقْتِرَانِهِ بِهَا كِلَاهُمَا سَائِغٌ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=65لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا [ 56 \ 65 ] ، بِاللَّامِ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=70لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا [ 56 \ 70 ] ، بِدُونِهَا .