قوله تعالى : ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني  حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور    . 
الضمير المرفوع في " ينادونهم " راجع إلى المنافقين والمنافقات ، والضمير المنصوب راجع إلى المؤمنين والمؤمنات ، وقد ذكر الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن المنافقين والمنافقات إذا رأوا نور المؤمنين يوم القيامة يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، قالوا لهم : انظروا نقتبس من نوركم ، وقيل لهم جوابا لذلك : ارجعوا وراءكم فالتمسوا   [ ص: 545 ] نورا ، وضرب بينهم بالسور المذكور أنهم ينادون المؤمنين : ألم نكن معكم ، أي في دار الدنيا ، كنا نشهد معكم الصلوات ونسير معكم في الغزوات وندين بدينكم ؟ قالوا : بلى ، أي كنتم معنا في دار الدنيا ، ولكنكم فتنتم أنفسكم . 
وقد قدمنا مرارا معاني الفتنة وإطلاقاتها في القرآن ، وبينا أن من معاني إطلاقاتها في القرآن الضلال كالكفر والمعاصي ، وهو المراد هنا أي فتنتم أنفسكم : أي أضللتموها بالنفاق الذي هو كفر باطن ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة    [ 8 \ 39 ] ، أي لا يبقى شرك كما تقدم إيضاحه ، وقوله : وتربصتم    [ 57 \ 14 ] ، التربص : الانتظار ، والأظهر أن المراد به هنا تربص المنافقين بالمؤمنين الدوائر أي انتظارهم بهم نوائب الدهر أن تهلكهم ، كقوله تعالى في منافقي الأعراب المذكورين في قوله : وممن حولكم من الأعراب منافقون    [ 9 \ 101 ] ، ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء    [ 9 \ 98 ] . 
وقوله تعالى : وارتبتم أي شككتم في دين الإسلام ، وشكهم المذكور هنا وكفرهم بسببه بينه الله تعالى في قوله عنهم : إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون    [ 9 \ 45 ] . 
وقوله تعالى : وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله    [ 57 \ 14 ] ، الأماني جمع أمنية ، وهي ما يمنون به أنفسهم من الباطل ، كزعمهم أنهم مصلحون في نفاقهم ، وأن المؤمنين حقا سفهاء في صدقهم ، أي في إيمانهم ، كما بين تعالى ذلك في قوله : وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون  ألا إنهم هم المفسدون  الآية [ 2 \ 11 - 12 ] ، وقوله تعالى : وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء  الآية [ 2 \ 13 ] . 
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون الأماني المذكورة من الغرور الذي اغتروا به - جاء موضحا في غير هذا الموضع كقوله تعالى : ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به  إلى قوله : ولا يظلمون نقيرا    [ 4 \ 123 - 124 ] . 
وقوله : حتى جاء أمر الله    [ 57 \ 14 ] ، الأظهر أنه الموت لأنه ينقطع به العمل . 
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وغركم بالله الغرور    [ 57 \ 14 ] ، هو   [ ص: 546 ] الشيطان ، وعبر عنه بصيغة المبالغة التي هي المفعول لكثرة غروره لبني آدم ، كما قال تعالى : وما يعدهم الشيطان إلا غرورا    [ 17 \ 64 ] . 
وما ذكره - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة من أن الشيطان الكثير الغرور غرهم بالله - جاء موضحا في آيات أخر كقوله تعالى في آخر لقمان : إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور    [ 35 \ 5 ] ، وقوله في أول فاطر : ياأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور  إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير    [ 35 \ 5 - 6 ] . 
وقوله تعالى في آية لقمان وآية فاطر المذكورتين إن وعد الله حق    [ 10 \ 55 ] وترتيبه على ذلك النهي عن أن يغرهم بالله الغرور - دليل واضح على أن مما يغرهم به الشيطان أن وعد الله بالبعث ليس بحق  ، وأنه غير واقع . والغرور بالضم الخديعة . 
				
						
						
