قوله تعالى : ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله .
وردت هذه الآية الكريمة بلفظ الخبر ، والمراد بها الإنشاء ، وهذا النهي البليد ، والزجر العظيم عن موالاة أعداء الله ، وإيراد الإنشاء بلفظ الخبر أقوى وأوكد من إيراده بلفظ الإنشاء ، كما هو معلوم في محله ، ومعنى قوله : يوادون من حاد الله ورسوله : أي يحبون ويوالون أعداء الله ورسوله .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي والزجر العظيم عن موالاة أعداء الله - جاء موضحا في آيات أخر كقوله تعالى : قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده [ 60 \ 4 ] ، وقوله تعالى : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم [ 48 \ 29 ] ، وقوله تعالى : فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين [ 5 \ 54 ] ، وقوله تعالى : وليجدوا فيكم غلظة الآية [ 9 \ 123 ] ، وقوله تعالى : ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم [ 9 \ 73 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ولو كانوا آباءهم زعم بعضهم أنها نزلت في ، قائلا : إنه قتل أباه كافرا يوم أبي عبيدة بن الجراح بدر أو يوم أحد ، وقيل : نزلت في المنافق المشهور ، وزعم من قال ؛ أن عبد الله بن عبد الله بن أبي عبد الله استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتل أبيه عبد الله بن أبي ، فنهاه . وقيل : نزلت في أبي بكر ، وزعم من قال ؛ أن أباه أبا قحافة سب النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل إسلامه فضربه ابنه أبو بكر حتى سقط .
[ ص: 557 ] وقوله : أو أبناءهم ، زعم بعضهم أنها نزلت في أبي بكر حين طلب مبارزة ابنه عبد الرحمن يوم بدر .
وقوله : أو إخوانهم زعم بعضهم أنها نزلت في قالوا : قتل أخاه مصعب بن عمير . وقال بعضهم : مر بأخيه يوم عبيد بن عمير بدر يأسره رجل من المسلمين ، فقال : شدد عليه الأسر ، علم أن أمه ملية وستفديه .
وقوله : أو عشيرتهم قال بعضهم : نزلت في ، عبيدة بن الحارث بن المطلب ، وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهم ، لما قتلوا وعلي بن أبي طالب عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، في المبارزة يوم والوليد بن عتبة بدر ، وهم بنو عمهم ، لأنهم أولاد ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، وعبد شمس أخو هاشم كما لا يخفى .
وقوله تعالى : أولئك كتب في قلوبهم الإيمان أي ثبته في قلوبهم بتوفيقه .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من تثبيت الإيمان في قلوبهم جاء موضحا في قوله تعالى : ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة [ 49 \ 7 - 8 ] .