قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127nindex.php?page=treesubj&link=28975_19814وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء الآية ، لم يبين هنا هذا الذي يتلى عليهم في الكتاب ما هو ، ولكنه بينه في أول السورة وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء الآية [ 4 \ 3 ] ، كما قدمناه عن أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها فقوله هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما يتلى [ 4 \ 127 ] في محل رفع معطوفا على الفاعل الذي هو لفظ الجلالة ، وتقرير المعنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127قل الله يفتيكم فيهن [ 4 \ 127 ] ، أيضا : ما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء ، وذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى الآية ، ومضمون ما أفتى به هذا الذي يتلى علينا في الكتاب هو تحريم
nindex.php?page=treesubj&link=33318_33307هضم حقوق اليتيمات فمن خاف أن لا يقسط في اليتيمة التي في حجره فيتركها ولينكح ما طاب له سواها ، وهذا هو التحقيق في معنى الآية كما قدمنا ، وعليه فحرف الجر المحذوف في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وترغبون أن تنكحوهن ، هو عن أي : ترغبون عن نكاحهن لقلة مالهن وجمالهن ، أي : كما أنكم ترغبون عن نكاحهن إن كن قليلات مال وجمال ، فلا يحل لكم نكاحهن إن كن ذوات مال وجمال إلا بالإقساط إليهن في حقوقهن ، كما تقدم عن
عائشة رضي الله عنها .
وقال بعض العلماء : الحرف المحذوف هو " في " أي : ترغبون في نكاحهن إن كن متصفات بالجمال وكثرة المال مع أنكم لا تقسطون فيهن ، والذين قالوا بالمجاز واختلفوا في جواز محل اللفظ على حقيقته ومجازه معا أجازوا ذلك في المجاز العقلي كقولك : أغناني زيد وعطاؤه ، فإسناد الإغناء إلى زيد حقيقة عقلية ، وإسناده إلى العطاء مجاز عقلي فجاز جمعها ، وكذلك إسناد الإفتاء إلى الله حقيقي ، وإسناده إلى ما يتلى
[ ص: 314 ] مجاز عقلي عندهم لأنه سببه فيجوز جمعهما .
وقال بعض العلماء : إن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما يتلى عليكم ، في محل جر معطوفا على الضمير ، وعليه فتقرير المعنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127قل الله يفتيكم فيهن ويفتيكم فيما يتلى عليكم ، وهذا الوجه يضعفه أمران :
الأول : أن الغالب أن الله يفتي بما يتلى في هذا الكتاب ، ولا يفتي فيه لظهور أمره .
الثاني : أن العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض ضعفه غير واحد من علماء العربية ، وأجازه
ابن مالك مستدلا بقراءة
حمزة ، والأرحام بالخفض عطفا على الضمير من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1تساءلون به [ 4 \ 1 ] ، وبوروده في الشعر كقوله : [ البسيط ]
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيام من عجب
بجر الأيام عطفا على الكاف ونظيره قول الآخر : [ الطويل ]
نعلق في مثل السواري سيوفنا وما بينها والكعب مهوى نفانف
بجر الكعب معطوفا على الضمير قبله وقول الآخر : [ الطويل ]
وقد رام آفاق السماء فلم يجد له مصعدا فيها ولا الأرض مقعدا
فقوله : ولا الأرض بالجر معطوفا على الضمير وقول الآخر : [ الوافر ]
أمر على الكتيبة لست أدري أحتفي كان فيها أم سواها
فسواها في محل جر بالعطف على الضمير .
وأجيب عن الآية بجواز كونها قسما ، والله تعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه ، كما أقسم بمخلوقاته كلها في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38فلا أقسم بما تبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=39وما لا تبصرون [ 69 \ 38 ، 39 ] ، وعن الأبيات بأنها شذوذ يحفظ ، ولا يقاس عليه وصحح
ابن القيم جواز العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض ، وجعل منه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين [ 8 \ 64 ] ، فقال إن قوله : ومن في محل جر عطفا على الضمير المجرور في قوله : حسبك ، وتقرير المعنى عليه :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64حسبك الله ،
[ ص: 315 ] أي : كافيك ، وكافي من اتبعك من المؤمنين ، وأجاز
ابن القيم والقرطبي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64ومن اتبعك ، أن يكون منصوبا معطوفا على المحل ; لأن الكاف مخفوض في محل نصب ونظيره قول الشاعر : [ الطويل ]
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فحسبك والضحاك سيف مهند
بنصب الضحاك كما ذكرنا ، وجعل بعض العلماء منه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين [ 15 \ 20 ] فقال : ومن عطف على ضمير الخطاب في قوله : لكم وتقرير المعنى عليه ، وجعلنا لكم ولمن لستم له برازقين فيها معايش ، وكذلك إعراب وما يتلى بأنه مبتدأ خبره محذوف أو خبره في الكتاب ، وإعرابه منصوبا على أنه مفعول لفعل محذوف تقديره ، ويبين لكم ما يتلى ، وإعرابه مجرورا على أنه قسم ، كل ذلك غير ظاهر .
وقال بعض العلماء : إن المراد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما يتلى عليكم في الكتاب [ 4 \ 127 ] ، آيات المواريث ; لأنهم كانوا لا يورثون النساء فاستفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، فأنزل الله آيات المواريث .
وعلى هذا القول ، فالمبين لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وما يتلى عليكم في الكتاب هو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11يوصيكم الله في أولادكم الآيتين [ 4 \ 11 ] . وقوله في آخر السورة :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [ 4 \ 176 ] ، والظاهر أن قول أم المؤمنين أصح وأظهر .
تنبيه
المصدر المنسبك من " أن " وصلتها في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وترغبون أن تنكحوهن [ 4 \ 127 ] ، أصله مجرور بحرف محذوف ، وقد قدمنا الخلاف هل هو " عن " ، وهو الأظهر ، أو هو " في " وبعد حذف حرف الجر المذكور فالمصدر في محل نصب على التحقيق ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي والخليل : وهو الأقيس لضعف الجار عن العمل محذوفا .
وقال
الأخفش : هو في محل جر بالحرف المحذوف بدليل قول الشاعر : [ الطويل ]
وما زرت ليلى أن تكون حبيبة إلي ولا دين بها أنا طالبه
بجر " دين " عطفا على محل " أن تكون " أي : لكونها حبيبة ولا لدين ، ورد أهل القول الأول الاحتجاج بالبيت بأنه من عطف التوهم ، كقول
زهير : [ الطويل ]
[ ص: 316 ] بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
بجر " سابق " لتوهم دخول الباء على المعطوف عليه الذي هو خبر ليس ، وقول الآخر : [ الطويل ]
مشائم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها
واعلم أن حرف الجر لا يطرد حذفه إلا في المصدر المنسبك من ، " أن " ، بجر " ناعب " لتوهم الباء وأجاز سيبويه الوجهين . وصلتهما عند الجمهور خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=13676لعلي بن سليمان الأخفش القائل بأنه مطرد في كل شيء عند أمن اللبس ، وعقده
ابن مالك في " الكافية " بقوله : [ الرجز ]
وابن سليمان اطراده رأى إن لم يخف لبس كمن زيد نأى
وإذا حذف حرف الجر مع غير " أن " وأن نقلا على مذهب الجمهور ، وقياسا عند أمن اللبس في قول
الأخفش فالنصب متعين ، والناصب عند البصريين الفعل ، وعند الكوفيين نزع الخافض كقوله : [ الوافر ]
تمرون الديار ولن تعوجوا كلامكم علي إذن حرام
وبقاؤه مجرورا مع حذف الحرف شاذ ، كقول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق : [ الطويل ]
إذا قيل أي الناس شر قبيلة أشارت كليب بالأكف الأصابع
أي : أشارت الأصابع بالأكف ، أي : مع الأكف إلى كليب .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وأن تقوموا لليتامى بالقسط الآية ، القسط : العدل ، ولم يبين هنا هذا القسط الذي أمر به لليتامى ، ولكنه أشار له في مواضع أخر كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [ 6 \ 152 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح [ 2 \ 220 ] ، وقوله : فأما اليتيم فلا تقهر [ 93 \ 9 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى الآية [ 2 \ 177 ] ، ونحو ذلك من الآيات ، فكل ذلك فيه القيام بالقسط لليتامى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127nindex.php?page=treesubj&link=28975_19814وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ الْآيَةَ ، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذَا الَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ فِي الْكِتَابِ مَا هُوَ ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ الْآيَةَ [ 4 \ 3 ] ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَوْلُهُ هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا يُتْلَى [ 4 \ 127 ] فِي مَحَلِّ رَفْعٍ مَعْطُوفًا عَلَى الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ ، وَتَقْرِيرُ الْمَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [ 4 \ 127 ] ، أَيْضًا : مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى الْآيَةَ ، وَمَضْمُونُ مَا أَفْتَى بِهِ هَذَا الَّذِي يُتْلَى عَلَيْنَا فِي الْكِتَابِ هُوَ تَحْرِيمُ
nindex.php?page=treesubj&link=33318_33307هَضْمِ حُقُوقِ الْيَتِيمَاتِ فَمَنْ خَافَ أَنْ لَا يُقْسِطَ فِي الْيَتِيمَةِ الَّتِي فِي حِجْرِهِ فَيَتْرُكْهَا وَلْيَنْكِحْ مَا طَابَ لَهُ سِوَاهَا ، وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ كَمَا قَدَّمْنَا ، وَعَلَيْهِ فَحَرْفُ الْجَرِّ الْمَحْذُوفُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ، هُوَ عَنْ أَيْ : تَرْغَبُونَ عَنْ نِكَاحِهِنَّ لِقِلَّةِ مَالِهِنَّ وَجِمَالِهِنَّ ، أَيْ : كَمَا أَنَّكُمْ تَرْغَبُونَ عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِنْ كُنَّ قَلِيلَاتِ مَالٍ وَجَمَالٍ ، فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ نِكَاحُهُنَّ إِنْ كُنَّ ذَوَاتُ مَالٍ وَجِمَالٍ إِلَّا بِالْإِقْسَاطِ إِلَيْهِنَّ فِي حُقُوقِهِنَّ ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الْحَرْفُ الْمَحْذُوفُ هُوَ " فِي " أَيْ : تَرْغَبُونَ فِي نِكَاحِهِنَّ إِنْ كُنَّ مُتَّصِفَاتٍ بِالْجَمَالِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ مَعَ أَنَّكُمْ لَا تُقْسِطُونَ فِيهِنَّ ، وَالَّذِينَ قَالُوا بِالْمَجَازِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ مَحَلِّ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعًا أَجَازُوا ذَلِكَ فِي الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ كَقَوْلِكَ : أَغْنَانِي زَيْدٌ وَعَطَاؤُهُ ، فَإِسْنَادُ الْإِغْنَاءِ إِلَى زَيْدٍ حَقِيقَةٌ عَقْلِيَّةٌ ، وَإِسْنَادُهُ إِلَى الْعَطَاءِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ فَجَازَ جَمْعُهَا ، وَكَذَلِكَ إِسْنَادُ الْإِفْتَاءِ إِلَى اللَّهِ حَقِيقِيٌّ ، وَإِسْنَادُهُ إِلَى مَا يُتْلَى
[ ص: 314 ] مَجَازٌ عَقْلِيٌّ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فَيَجُوزُ جَمْعُهُمَا .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ، فِي مَحَلِّ جَرٍّ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ ، وَعَلَيْهِ فَتَقْرِيرُ الْمَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَيُفْتِيكُمْ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ، وَهَذَا الْوَجْهُ يُضْعِفُهُ أَمْرَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ اللَّهَ يُفْتِي بِمَا يُتْلَى فِي هَذَا الْكِتَابِ ، وَلَا يُفْتِي فِيهِ لِظُهُورِ أَمْرِهِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْخَافِضِ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَأَجَازَهُ
ابْنُ مَالِكٍ مُسْتَدِلًّا بِقِرَاءَةِ
حَمْزَةَ ، وَالْأَرْحَامَ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=1تَسَاءَلُونَ بِهِ [ 4 \ 1 ] ، وَبِوُرُودِهِ فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ : [ الْبَسِيطُ ]
فَالْيَوْمَ قَرَّبَتْ تَهْجُونَا وَتَشْتُمُنَا فَاذْهَبْ فَمَا بِكَ وَالْأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ
بِجَرِّ الْأَيَّامِ عَطْفًا عَلَى الْكَافِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الْآخَرِ : [ الطَّوِيلُ ]
نُعَلِّقُ فِي مِثْلِ السَّوَارِي سُيُوفَنَا وَمَا بَيْنَهَا وَالْكَعْبِ مَهْوَى نَفَانِفِ
بِجَرِّ الْكَعْبِ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ قَبْلَهُ وَقَوْلُ الْآخَرِ : [ الطَّوِيلُ ]
وَقَدْ رَامَ آفَاقَ السَّمَاءِ فَلَمْ يَجِدْ لَهُ مِصْعَدًا فِيهَا وَلَا الْأَرْضُ مِقْعَدًا
فَقَوْلُهُ : وَلَا الْأَرْضُ بِالْجَرِّ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ وَقَوْلُ الْآخَرِ : [ الْوَافِرُ ]
أَمُرُّ عَلَى الْكَتِيبَةِ لَسْتُ أَدْرِي أَحَتْفِي كَانَ فِيهَا أَمْ سِوَاهَا
فَسِوَاهَا فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِالْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ .
وَأُجِيبَ عَنِ الْآيَةِ بِجَوَازِ كَوْنِهَا قَسَمًا ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ ، كَمَا أَقْسَمَ بِمَخْلُوقَاتِهِ كُلِّهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=39وَمَا لَا تُبْصِرُونَ [ 69 \ 38 ، 39 ] ، وَعَنِ الْأَبْيَاتِ بِأَنَّهَا شُذُوذٌ يُحْفَظُ ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَصَحَّحَ
ابْنُ الْقَيِّمِ جَوَازَ الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْخَافِضِ ، وَجَعَلَ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ 8 \ 64 ] ، فَقَالَ إِنَّ قَوْلَهُ : وَمَنْ فِي مَحَلِّ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ : حَسْبُكَ ، وَتَقْرِيرُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64حَسْبُكَ اللَّهُ ،
[ ص: 315 ] أَيْ : كَافِيكَ ، وَكَافِي مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَجَازَ
ابْنُ الْقَيِّمِ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64وَمَنِ اتَّبَعَكَ ، أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا مَعْطُوفًا عَلَى الْمَحَلِّ ; لِأَنَّ الْكَافَ مَخْفُوضٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ : [ الطَّوِيلُ ]
إِذَا كَانَتِ الْهَيْجَاءُ وَانْشَقَّتِ الْعَصَا فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ
بِنَصْبِ الضَّحَّاكِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَجَعَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=20وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ [ 15 \ 20 ] فَقَالَ : وَمَنْ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ : لَكُمْ وَتَقْرِيرُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ ، وَجَعَلْنَا لَكُمْ وَلِمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ فِيهَا مَعَايِشَ ، وَكَذَلِكَ إِعْرَابُ وَمَا يُتْلَى بِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَوْ خَبَرُهُ فِي الْكِتَابِ ، وَإِعْرَابُهُ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ ، وَيُبَيِّنُ لَكُمْ مَا يُتْلَى ، وَإِعْرَابُهُ مَجْرُورًا عَلَى أَنَّهُ قَسَمٌ ، كُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرٍ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ [ 4 \ 127 ] ، آيَاتُ الْمَوَارِيثِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ فَاسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَاتِ الْمَوَارِيثِ .
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَالْمُبَيِّنُ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ هُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ الْآيَتَيْنِ [ 4 \ 11 ] . وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ السُّورَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ [ 4 \ 176 ] ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ .
تَنْبِيهٌ
الْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ " أَنْ " وَصِلَتُهَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [ 4 \ 127 ] ، أَصْلُهُ مَجْرُورٌ بِحَرْفٍ مَحْذُوفٍ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ هَلْ هُوَ " عَنْ " ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، أَوْ هُوَ " فِي " وَبَعْدَ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ الْمَذْكُورِ فَالْمَصْدَرُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى التَّحْقِيقِ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ وَالْخَلِيلُ : وَهُوَ الْأَقْيَسُ لِضَعْفِ الْجَارِّ عَنِ الْعَمَلِ مَحْذُوفًا .
وَقَالَ
الْأَخْفَشُ : هُوَ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِالْحَرْفِ الْمَحْذُوفِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ : [ الطَّوِيلُ ]
وَمَا زُرْتُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ حَبِيبَةً إِلَيَّ وَلَا دَيْنٍ بِهَا أَنَا طَالِبُهُ
بِجَرِّ " دَيْنٍ " عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ " أَنْ تَكُونَ " أَيْ : لِكَوْنِهَا حَبِيبَةً وَلَا لِدَيْنٍ ، وَرَدَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الِاحْتِجَاجَ بِالْبَيْتِ بِأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ التَّوَهُّمِ ، كَقَوْلِ
زُهَيْرٍ : [ الطَّوِيلُ ]
[ ص: 316 ] بَدَا لِيَ أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى وَلَا سَابِقٌ شَيْئًا إِذَا كَانَ جَائِيًا
بِجَرِّ " سَابِقٍ " لِتَوَهُّمِ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ خَبَرُ لَيْسَ ، وَقَوْلُ الْآخَرِ : [ الطَّوِيلُ ]
مَشَائِمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً وَلَا نَاعِبٍ إِلَّا بِبَيْنِ غُرَابِهَا
وَاعْلَمْ أَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ لَا يَطَّرِدُ حَذْفُهُ إِلَّا فِي الْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ ، " أَنْ " ، بِجَرِّ " نَاعِبٍ " لِتَوَهُمِ الْبَاءِ وَأَجَازَ سِيبَوَيْهُ الْوَجْهَيْنِ . وَصِلَتُهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا
nindex.php?page=showalam&ids=13676لِعَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَخْفَشِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ عِنْدَ أَمْنِ اللَّبْسِ ، وَعَقَدَهُ
ابْنُ مَالِكٍ فِي " الْكَافِيَةِ " بِقَوْلِهِ : [ الرَّجَزُ ]
وَابْنُ سُلَيْمَانَ اطِّرَادَهُ رَأَى إِنْ لَمْ يُخَفْ لَبْسٌ كَمَنْ زَيْدٌ نَأَى
وَإِذَا حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ مَعَ غَيْرِ " أَنْ " وَأَنْ نَقْلًا عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ ، وَقِيَاسًا عِنْدَ أَمْنِ اللَّبْسِ فِي قَوْلِ
الْأَخْفَشِ فَالنَّصْبُ مُتَعَيَّنٌ ، وَالنَّاصِبُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ الْفِعْلُ ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ نَزْعُ الْخَافِضِ كَقَوْلِهِ : [ الْوَافِرُ ]
تَمُرُّونَ الدِّيَارَ وَلَنْ تَعُوجُوا كَلَامُكُمُ عَلَيَّ إِذَنْ حَرَامُ
وَبَقَاؤُهُ مَجْرُورًا مَعَ حَذْفِ الْحَرْفِ شَاذٌّ ، كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقِ : [ الطَّوِيلُ ]
إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَبِيلَةً أَشَارَتْ كَلِيبٍ بِالْأَكُفِّ الْأَصَابِعِ
أَيْ : أَشَارَتِ الْأَصَابِعُ بِالْأَكُفِّ ، أَيْ : مَعَ الْأَكُفِّ إِلَى كُلَيْبٍ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=127وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ الْآيَةَ ، الْقِسْطُ : الْعَدْلُ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذَا الْقِسْطَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ لِلْيَتَامَى ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ لَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=34وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ 6 \ 152 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [ 2 \ 220 ] ، وَقَوْلِهِ : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ [ 93 \ 9 ] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى الْآيَةَ [ 2 \ 177 ] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، فَكُلُّ ذَلِكَ فِيهِ الْقِيَامُ بِالْقِسْطِ لِلْيَتَامَى .