وقوله تعالى : ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم .
[ ص: 120 ] نص على أنهم لا يتمنون الموت أبدا ، وأن السبب هو ما قدمت أيديهم ، ولكن ليبين ما هو ما قدمت أيديهم الذي منعهم من تمني الموت .
وقال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في إملائه : لا يتمنونه لشدة حرصهم على الحياة كما بينه تعالى قوله : ولتجدنهم أحرص الناس على حياة [ 2 \ 96 ] فشدة حرصهم على الحياة ؛ لعلمهم أنهم إذا ماتوا دخلوا النار ، ولو تمنوا لماتوا من حينهم .
وقوله : بما قدمت أيديهم الباء سببية والمسبب انتفاء تمنيهم وما قدمت أيديهم من الكفر ، والمعاصي . ا هـ .
والذي أشار إليه الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - من الأسباب من كفرهم ومعاصيهم ، قد بينه تعالى في موضع آخر صريحا في قوله تعالى : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم [ 3 \ 181 ] .
فالباء هنا سببية أيضا أي : ذوقوا عذاب الحريق بسبب ما قدمت أيديكم من هذه المذكورات ، ولهذا كله لن يتمنوا الموت ويود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ، فقد أيقنوا الهلاك ويئسوا من الآخرة .
كما قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور [ 60 \ 13 ] ، ولهذا كله لم يتمنوا الموت ، كما أخبر الله تعالى عنهم ، والعلم عند الله تعالى .