تنبيه 
كل ما تقدم في شأن العدة ، إنما هو في خصوص الحرائر ، وبقي مبحث الإماء    . 
أما الإماء : فالحوامل منهن كالحرائر سواء بسواء ، وغير الحوامل فالجمهور على أنها على النصف من الحرة إلا أن الحيضة لما لم تكن تتجزأ فجعلت عدتها فيها حيضتين ، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة . 
أما ذات الأشهر ، فالجمهور على أنها تعتد شهرا ونصفا ، وخالف مالك  فجعل لها ثلاثة أشهر ، فيكون مالك    - رحمه الله - وافق الجمهور في ذوات الحيض ، وخالف الجمهور في ذوات الأشهر ، وقد أخطأ ابن رشد  مع مالك  في نقاشه معه هذه المسألة ، فقال في بداية المجتهد : 
وقد اضطرب قول مالك  في هذه المسألة ، فلا بالنص أخذ ولا بالقياس عمل ، يعني أنه لم يأخذ بالنص في ذوات الحيض فيجعل لهن ثلاثة قروء ، كما أخذ به في ذوات الأشهر ، حيث جعل لهن ثلاثة أشهر بالنص ، ولا بالقياس عمل ، أي : فلم ينصف الأشهر قياسا على الحيض ، فكان مذهبه ملفقا بين القياس في ذوات الحيض ، والنص في ذوات الأشهر ، فخالف في ذلك الأئمة الثلاثة . 
واضطرب قوله في نظر ابن رشد    ; لأنه لم يطرد القياس فيهما ، ولا أعمل النص فيهما ، ولكن الحق في المسائل الخلافية لا يمكن أن يعرف إلا بعد معرفة وجهة النظر عن المخالف ، فقد يكون محقا ، وقد يكون فعلا الحق مع غيره . 
 [ ص: 211 ] وفي هذه المسألة بالذات أشار العدوي  في حاشيته : بأن وجهة نظر مالك  هي الرجوع إلى أصل الغرض من العدة وهو براءة الرحم ، والشهر والنصف لا يكفي للمرأة نفسها أن تخبر عن نفسها عما إذا كانت حاملا أم لا ، فأكمل لها المدة المنصوص عليها . 
أما الحيضتان : ففيهما بيان لبراءة الرحم . اهـ . ملخصا . 
وهذا الذي قاله العدوي  له أصل من الشرع ; لأن ذات الأقراء وجدناها في بعض الصور تعتد بحيضة ، كما جاء النص في عدة المختلعة ، وإن كان فيها خلاف ، ووجدنا الأمة تثبت براءة رحمها في غير هذا بحيضتين قطعا ، وهي فيما إذا كانت سرية لمالكها فأراد بيعها فإنه يستبرئها بحيضة ، والذي يشتريها يستبرئها بحيضة قبل أن يمسها ، ثم هو يفترشها ويأمن من أن يسقي ماءه زرع غيره ، فعلمنا أن في الحيضتين براءة للرحم ، فاكتفى بهما مالك  ووافق الجمهور . 
وأما الشهر والنصف فإنهما لا يمكن أن تتبين المرأة فيهما حملا ; لأنها مدة الأربعين الأولى وهي مرحلة النطفة ، فظهر بهذا أن الحق مع مالك  ، وأن ابن رشد  هو الذي اضطربت مقالته على مالك  ، وقد سقنا هذا التنبيه لبيان واجب طالب العلم أمام المسائل الخلافية من ضرورة البحث عن السبب ووجهة نظر المخالف وعدم المبادرة للإنكار ، لأن يكون هو أحق بأن ينكر عليه ولا يسارع لرد قول قد يكون قوله هو أولى بأن يرد عليه ، وبالله التوفيق . 
وقوله تعالى : فطلقوهن لعدتهن   ، اتفق المفسرون أن المراد لاستقبال عدتهن وفيه مبحث الطلاق السني والبدعي . واعلم أن الحامل وغير المدخول بها لا بدعة في طلاقهما  عند الجمهور ، وألحقت بهما الصغيرة ، والطلاق البدعي هو جمع الثلاث في مرة أو الطلاق في الحيضة أو في طهر مسها فيه . وعند  الإمام أبي حنيفة  رحمه الله : يفرق الطلقات على الصغيرة كل طلقة في شهر ولا يجمعها ، وقد طال البحث في حكم الطلاق البدعي ، هل يقع ويحتسب على المطلق ، أم لا ؟  
والأصل فيه حديث عبد الله بن عمر  أنه طلق امرأته وهي حائض ، فبلغ ذلك عمر فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فقال له صلى الله عليه وسلم : " مره فليراجعها "   . 
والذي عليه الجمهور أنه يعتد بتلك الطلقة ، ومن خالف فيها السنة ، وعليه أن   [ ص: 212 ] يراجعها ، وليعمل كما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فليمسكها حتى تطهر ، ثم إن شاء أمسكها ، وإن شاء طلقها في طهر لم يمسها فيه ، أي : لتستقبل عدتها ما لم تكن الطلقة الثالثة أو بالثلاث على ما عليه الجمهور . 
وقد سئل أحمد    - رحمه الله - عن الاعتداد بهذه الطلقة في الحيضة فقال : إن قوله صلى الله عليه وسلم : " فليراجعها " ، يدل على الاعتداد بها ; لأنه لا رجعة إلا من طلاق . 
وقد أطال ابن دقيق العيد  الكلام عليها في إحكام الأحكام وغيره مما لا داعي إلى سرده ، وحاصله ما قدمنا ، ولم يقل بعدم الاعتداد بها إلا  سعيد بن المسيب  وجماعة من التابعين . 
وقال أبو حيان    : إن قوله تعالى : فطلقوهن لعدتهن  على إطلاقه يشعر بالاعتداد بالطلاق سنيا كان أو بدعيا . 
				
						
						
