المبحث السابع .
موضوع الأربعين صلاة ، وهو من جهة خاص بالمسجد النبوي ، ومن جهة عام في كل مسجد ، ولكن لا بأربعين صلاة بل بأربعين يوما . أما ما يخص المسجد النبوي ، فقد جاء في حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : " ; كتبت له براءة ونجاة من العذاب ، وبرئ من النفاق من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة " .
قال المنذري في الترغيب والترهيب : رواته رواة الصحيح . أخرجه أحمد في مسنده في الأوسط . والطبراني
وفي مجمع الزوائد : رجاله ثقات . وهو عند الترمذي بلفظ : " " . من صلى أربعين يوما في جماعة ، يدرك التكبيرة الأولى ، كتب له براءتان : براءة من النار ، وبراءة من النفاق
قال الترمذي : هو موقوف على أنس ، ولا أعلم أحدا رفعه .
وقال ملا علي القاري : مثل هذا لا يقال بالرأي ، وقد تكلم بعض الناس في هذا الحديث بروايتين :
أما الأولى : فبسبب نبيط بن عمر .
وأما الثانية : فمن جهة الرفع والوقف . وقد تتبع هذين الحديثين بعض أهل العلم بالتدقيق في السند ، وأثبت صحة الأول ، وحكم الرفع للثاني . وقد أفردهما الشيخ حماد الأنصاري برسالة رد فيها على بعض من تكلم فيهما من المتأخرين . نوجز كلامه في الآتي :
قال الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة في زوائد الأربعة : نبيط بن عمر ، ذكره في الثقات ، فاجتمع على توثيق ابن حبان نبيط كل من ابن حبان والمنذري والبيهقي ، ولم يجرحه أحد من أئمة هذا الشأن . فمن ثم لا يجوز لأحد أن يطعن ولا أن يضعف من وثقه أئمة معتبرون ، ولم يخالفهم إمام من أئمة الجرح والتعديل . وكفى من ذكروا من أئمة هذا الشأن قدوة . وابن حجر
[ ص: 337 ] ذلك ; ولو فرض وقدر جدلا أنه في السند مقال ، فإن أئمة الحديث لا يمنعون إذا لم يكن في الحديث حلال أو حرام أو عقيدة ، بل كان باب فضائل الأعمال لا يمنعون العمل به ; لأن باب الفضائل لا يشدد فيه هذا التشديد .
ونقل السيوطي مثل ذلك عن أحمد ، . وابن المبارك
أما حديث إدراك تكبيرة الإحرام في أي مسجد ، فهذا أعم من موضوع المسجد النبوي الذي نتحدث عنه ، وكل أسانيده ضعيفة ، ولكن قال الحافظ ابن حجر : يندرج ضمن ما يعمل به في فضائل الأعمال . انتهى ملخصا .
وهذا الحث على أربعين صلاة في المسجد النبوي ، لعله - والله تعالى أعلم - من باب التعود والتزود ، لما يكسبه ذلك العمل من مداومة ، وحرص على أداء الصلوات الخمس ثمانية أيام في الجماعة ، واشتغاله الدائم بشأن الصلاة وحرصه عليها ، حتى لا تفوته صلاة مما يعلق قلبه بالمسجد ، فتصبح الجماعة له ملكة ، ويصبح مرتاحا لارتياد المسجد ، وحريصا على بقية الصلوات في بقية أيامه لا تفوته الجماعة إلا من عذر .
فلو كان زائرا ورجع إلى بلاده رجع بهذه الخصلة الحميدة ، ولعل في مضاعفة الصلاة بألف تكون بمثابة الدواء المكثف الشديد الفعالية ، السريع الفائدة ، أكثر مما جاء في عامة المساجد بأربعين يوما لا تفوته تكبيرة الإحرام ، إذ الأربعون صلاة في المسجد النبوي تعادل أربعين ألف صلاة فيما سواه ، وهي تعادل حوالي صلوات اثنين وعشرين سنة .
ولو راعينا أجر الجماعة : خمسا وعشرين درجة ، لكانت تعادل صلاة المنفرد : خمسمائة وخمسين سنة ، أي : في الأجر والثواب لا في العدد ، أي : كيفا لا كما ، كما قدمنا . وفضل الله عظيم .
وليعلم أن الغرض من هذه الأربعين هو كما أسلفنا التعود . والحرص على الجماعة
أما لو رجع فترك الجماعة وتهاون في شأن الصلاة ، عياذا بالله ، فإنها تكون غاية النكسة . نسأل الله العافية ، كما نعلم أن هذه الأربعين صلاة لا علاقة لها لا بالحج ولا بالزيارة ، على ما تقدم للشيخ - رحمه الله - في آداب الزيارة في سورة " الحجرات " .
وأن الزيارة تتم بصلاة ركعتي تحية المسجد ، والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى
[ ص: 338 ] صاحبيه - رضوان الله تعالى علينا وعليهم - ، ثم ، ثم إن شاء انصرف إلى أهله ، وإن شاء جلس ما تيسر له . وبالله تعالى التوفيق . الدعاء لنفسه وللمسلمين بالخير