لقد أكثر الناس القول في ، ووقع فيها الإفراط والتفريط ، وكما قيل : اعتبار المناسبات في الإسلام وعدم اعتبارها
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
ومنطلقا من كلام ابن تيمية ، نقدم هذه النبذة في هذه المسألة ، وهي أنه بالتأمل في الشرع وأحداث الإسلام عامة وخاصة ، أي في عموم الأمم وخصوص هذه الأمة ، نجد المناسبات قسمين : مناسبة معتبرة عني بها الشرع لما فيها من عظة وذكرى تتجدد مع تجدد الأيام والأجيال ، وتعود على الفرد والجماعة بالتزود منها . ومناسبة لم تعتبر ، إما لاقتصارها في ذاتها وعدم استطاعة الأفراد مسايرتها .
فمن الأول يوم الجمعة ، وتقدم طرف من خصائص هذا اليوم في سورة " الجمعة " ، وكلام ابن تيمية وقد عني بها الإسلام في الحث على القراءة المنوه عنها في صلاة الفجر ، وفي الحث على أدائها والحفاوة بها من اغتسال وطيب وتبكير إليها ، كما تقدم في سورة " الجمعة " .
ولكن من غير غلو ولا إفراط ، فقد جاء النهي عن صوم يومها وحده ، دون أن يسبق بصوم قبله ، أو يلحق بصوم بعده ، كما نهى عن إفراد ليلتها بقيام ، والنصوص في ذلك متضافرة ثابتة ، فكانت مناسبة معتبرة مع اعتدال وتوجه إلى الله ، أي بدون إفراط أو تفريط .
[ ص: 383 ] ومنها يوم الإثنين كما أسلفنا ، فقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن صيامه يوم الإثنين ، فقال : " " ، وكان يوم وصوله هذا يوم ولدت فيه ، وعلي فيه أنزل المدينة في الهجرة ، وكان يوم وفاته - صلى الله عليه وسلم - ، فقد احتفى به - صلى الله عليه وسلم - للمسببات المذكورة ، وكلها أحداث عظام ومناسبات جليلة .
ابتداء من واقعة فيوم مولده - صلى الله عليه وسلم - وقعت مظاهر كونية أبرهة ، وإهلاك جيشه إرهاصا بمولده - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ظهور نجم بني الختان ، وحدثت أمه وهي حامل به فيما قيل : أنها أتيت حين حملت به - صلى الله عليه وسلم - ، فقيل لها : " إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض فقولي :
أعيذه بالواحد من شر كل حاسد
ثم سميه محمدا " ، وذكر ابن هشام : أنها رأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من أرض الشام .
وذكر ابن هشام : أن وهو غلام سمع يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة حسان بن ثابت بيثرب : يا معشر يهود ، حتى إذا اجتمعوا إليه ، قالوا : ويلك ! ما لك ؟ ، قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به .
وساق ابن كثير في تاريخه ، والبيهقي في خصائصه ، وابن هشام في سيرته أخبارا عديدة مما شهده العالم ليلة مولده - صلى الله عليه وسلم - ، نوجز منها الآتي :
عن : أن أمه حضرت مولده - صلى الله عليه وسلم - ، قالت : فما شيء أنظر إليه في البيت إلا نور ، وإني أنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول : ليقعن علي . عثمان بن أبي العاص
وعن أبي الحكم التنوخي ، قال : كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلى نسوة إلى الصبح يكفأن عليه برمة ، فأكفأن عليه - صلى الله عليه وسلم - برمة ، فانفلقت عنه ، ووجد مفتوح العينين ، شاخصا ببصره إلى السماء .
وقد كان لمولده من الأحداث الكونية ما لفت أنظار العالم كله .
ذكر ابن كثير منها انكفاء الأصنام على وجوهها ، وارتجاس إيوان ، وسقوط بعض شرفه ، وخمود نار كسرى فارس ، ولم تخمد قبلها ، وغاضت بحيرة ساوة ، فكان في ذلك إرهاص بتكسير الأصنام وانتشار الإسلام ، ودخول الفرس في الإسلام ، ثم كان بدء الوحي [ ص: 384 ] عليه - صلى الله عليه وسلم - في يوم الإثنين .