قوله تعالى : ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير قوارير من فضة قدروها تقديرا
فيه التنصيص على أواني الفضة في الجنة .
وجاء بصحاف من ذهب وأكواب ، وهي محرمة في الدنيا كما هو معلوم ، وقد بين تعالى أن الذي يطوف عليهم هم : ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا [ 76 \ 19 ] .
وتقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في سورة " الطور " عند قوله : ويطوف عليهم غلمان لهم [ 52 \ 24 ] [ ص: 396 ] والقوارير جمع قارورة ، والعرب تطلق القارورة على إناء الزجاج خاصة ، ولكن الآية صريحة في أنها قوارير من فضة ، مما يدل على صحة إطلاق القارورة على غير آنية الزجاج كالفضة مثلا .
قال صاحب اللسان : والقارورة : ما قر فيه الشراب وغيره ، وقيل : لا يكون إلا من الزجاج خاصة .
وقوله تعالى : قوارير بآنية من فضة ، قال بعض أهل العلم : معناه أواني زجاج في بياض الفضة وصفاء القوارير ، قال : وهذا أحسن . اهـ . ابن سيده
وقال ابن شدياق في معجم مقاييس اللغة في مادة قر : القاف والراء أصلان صحيحان يدل أحدهما على برد ، والآخر على تمكن ، وذكر من التمكن : استقر ومستقر ، كما ذكر صاحب اللسان كثيرا من ذلك ، ثم قال : ومن الباب القر - بضم الراء - : صب الماء في الشيء . يقال : قررت الماء ، والقر : صب الكلام في الأذن ، وذكر منه الإقرار : ضد الجحود ; لاستقرار الحق به .
ثم ذكر مسألة إثبات اللغة بالسماع أو بالقياس ، فقال : وهذه مقاييس صحيحة ، فإما أن نتعدى ونتحمل الكلام ، كما بلغنا عن بعضهم أنه قال : سميت القارورة لاستقرار الماء فيها وغيره ، فليس هذا من مذهبنا . وقد قلنا : إن كلام العرب ضربان : منه ما هو قياس وقد ذكرناه ، ومنه ما وضع وضعا .
والمسألة من مباحث الأصول في الألفاظ ، هل هي بوضع لا يقاس عليه وتبقى كما وضعتها العرب ، أو أنها توضع بالقياس ؟ وفائدة الخلاف هل المسكرات كلها مثلا يتناولها مسمى الخمر بالوضع فتكون محرمة بنص : إنما الخمر والميسر الآية [ 5 \ 90 ] ، أو أنها محرمة قياسا على الخمر بجامع علة الإسكار ؟ وعليه فإذا كانت اللغة تساعد على الإطلاق قياسا ، فهو أقوى في الحكم ; بأن يأتي الحكم بالنص لا بالقياس بجامع العلة . ولعل التحقيق في هذه المسألة ما قاله علماء الوضع : من أن اللغات منها توقيفي ومنها قياسي .
وفي قوله تعالى : قدروها تقديرا [ 76 \ 16 ] توجيه إلى حسن الصنع في التسوية في التقدير ، والمقاسات .