قوله : والليل إذا يسري   ، اتفق المفسرون على المعنى وهو سريان الليل ، ولكن   [ ص: 523 ] الخلاف في التعيين : هل المراد به عموم الليالي في كل ليلة أم ليلة معينة ؟ وما هي ؟ 
فقيل : بالعموم كقوله : والليل إذا عسعس    [ 81 \ 17 ] . 
وقيل : بالخصوص في ليلة مزدلفة  أو ليلة القدر . 
وأيضا يقال : إذا كان الفجر فجر النحر ، والعشر عشر ذي الحجة فيكون : والليل إذا يسري  ، ليلة الجمع . والله تعالى أعلم . 
وقد رجح القرطبي  وغيره عموم الليل ، وقد جمع في هذا القسم جميع الموجودات جملة وتفصيلا ، فشملت الخالق والمخلوق والشفع والوتر إجمالا وتفصيلا ، في انفجار الفجر ، وانتشار الخلق ، وسريان الليل ، وسكون الكون ، والعبادات في الليالي العشر . 
فكان من أعظم ما أقسم الله به قوله تعالى : هل في ذلك قسم لذي حجر     [ 89 \ 5 ] ، أي : عقل ، والحجر كل مادته تدور على الإحكام والقوة ، فالحجر ; لقوته . والحجرة ; لإحكام ما فيها . والعقل سمي حجرا - بكسر الحاء - ; لأنه يحجر صاحبه عما لا يليق . والمحجور عليه ; لمنعه من تصرفه وإحكام أمره ، وحجر المرأة لطفلها ، فهذه المقسم بها الخمسة هل فيها قسم كاف لذي عقل ؟ والجواب : بلى ، وهذا ما يقوي هذا القسم بلا شك . 
ثم اختلف في جواب هذا القسم : حيث لم يصرح تعالى به كما صرح به في نظيره ، وهو قوله : فلا أقسم بمواقع النجوم  وإنه لقسم لو تعلمون عظيم    [ 56 \ 75 - 76 ] . ثم صرح بالمقسم عليه : إنه لقرآن كريم  الآية [ 56 \ 77 ] . وهنا لم يصرح به مع عظم القسم ; فوقع الخلاف في تعيينه . 
فقيل : هو مقدر تقديره ليعذبن يدل له قوله : ألم تر كيف فعل ربك بعاد  إلى قوله : فصب عليهم ربك سوط عذاب    [ 89 \ 6 - 14 ] . 
وقيل : موجود وهو قوله : إن ربك لبالمرصاد    [ 89 \ 14 ] ، قاله القرطبي    . 
وهذا من حيث الصناعة في اللغة وأساليب التفسير وجيه ، ولكن يوجد في نظري - والله تعالى أعلم - : ارتباط بين القسم وجوابه ، وبين ما يجيء في آخر السورة من قوله   [ ص: 524 ] كلا إذا دكت الأرض دكا دكا    [ 89 \ 21 ] ، إلى آخر السورة . 
كما أنه يظهر ارتباط كبير بينه وبين آخر السورة التي قبلها ، إذ جاء فيها : فذكر إنما أنت مذكر  لست عليهم بمسيطر  إلا من تولى وكفر  فيعذبه الله العذاب الأكبر    [ 88 \ 21 - 24 ] ، والفجر  وليال عشر  إلى قوله : هل في ذلك قسم لذي حجر    [ 89 \ 1 - 5 ] ; لأن ما فيه من الوعيد بالعذاب الأكبر والقصر في إيابهم إلى الله وحده وحسابهم عليه فحسب يتناسب معه هذا القسم العظيم . 
أما ارتباطه بما في آخر السورة ، فهو أن المقسم به هنا خمس مسميات : والفجر  وليال عشر  والشفع والوتر  والليل إذا يسر    [ 89 \ 1 - 4 ] ، والذي في آخر السورة أيضا خمس مسميات : دكت الأرض دكا دكا  وجاء ربك والملك صفا صفا  وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى    [ 89 \ 21 - 23 ] . 
صور اشتملت على اليوم الآخر كله من أول النفخ في الصور ، ودك الأرض إلى نهاية الحساب ، وتذكر كل إنسان ما له وما عليه ، تقابل ما اشتمل عليه القسم المتقدم من أمور الدنيا . 
				
						
						
