تنبيه . 
قالوا : ذكر السماء وما بناها ; للدلالة على حدوثها ، وبالتالي على حدوث الشمس والقمر ، وأن تدبيرهما لله . 
وقوله : ونفس وما سواها   فألهمها فجورها وتقواها    [ 91 \ 7 - 8 ] ، قالوا : النفس تحمل كامل خلقة الإنسان بجسمه وروحه وقواه الإنسانية ، من تفكير وسلوك . . . إلخ . 
وقيل : النفس هنا بمعنى القوى المفكرة ، المدركة مناط الرغبة والاختيار ، وعليه ; فذكر النفس بالمعنى الأول ، تكون تسويتها في استواء خلقتها وتركيب أعضائها ، وهي غاية في الدلالة على القدرة والكمال والعلم ، كما في قوله : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم    [ 95 \ 4 ] ، وقال : وفي أنفسكم أفلا تبصرون    [ 51 \ 21 ] ، أي : من أعضاء وأجزاء وتراكيب ، وعدة أجهزة تبهر العقول في السمع ، وفي البصر ، وفي الشم ، وفي الذوق ، وفي الحس ، ومن داخل الجسم ما هو أعظم ، فحق أن يقسم بها . 
 [ ص: 540 ]   " وما سواها " : أي : بالقدرة الباهرة ، والعلم الشامل . وذكرها بالمعنى الثاني ، فإنه في نظري أعظم من المعنى الأول ; وذلك أن القوى المدركة والمفكرة والمقدرة للأمور التي لها الاختيار ، ومنها القبول والرفض والرضى والسخط والأخذ والمنع ، فإنها عالم مستقل . 
وإنها كما قلنا أعظم مما تقدم ; لأن الجانب الخلقي قال تعالى فيه : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس    [ 40 \ 57 ] ، ولكن في هذا الجانب ، قال : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا    [ 33 \ 72 ] . 
ومعلوم أن بعض أفراد الإنسان حملها بصدق وأداها بوفاء ، ونال رضى الله تعالى ، رضي الله عنهم ورضوا عنه . 
فهذه النفس في تسويتها لتلقي معاني الخير والشر ، واستقبال الإلهام الإلهي للفجور ، والتقوى أعظم دلالة على القدرة من تلك الجمادات التي لا تبدي ولا تعيد ، والتي لا تملك سلبا ولا إيجابا . 
وهنا مثال بسيط فيما استحدث من آلات حفظ وحساب ، كالآلة الحاسبة والعقل الألكتروني ، فإنها لا تخطئ كما يقولون ، وقد بهرت العقول في صفتها ، ولكن بنظرة بسيطة نجدها أمام النفس الإنسانية كقطرة من بحر . 
فنقول : إنها أولا من صنع هذه النفس ذات الإدراك النامي والاستنتاج الباهر . 
ثانيا : هي لا تخطئ ; لأنها لا تقدر أن تخطئ ; لأن الخطأ ناشئ عن اجتهاد فكري ، وهي لا اجتهاد لها ، إنما تشير وفق ما رسم لها : كالمادة المسجلة في شريط ، فإن المسجل مع دقة حفظه لها ، فإنه لا يقدر أن يزيد ولا ينقص حرفا واحدا . 
أما الإنسان : فإنه يغير ويبدل ، وعندما يبدل كلمة مكان كلمة ، فلقدرته على إيجاد الكلمة الأخرى ، أو لاختياره ترك الكلمة الأولى . 
وهكذا هنا ، فالله تعالى هنا خلق تلك النفس أولا ، ثم سواها على حالة تقبل تلقي الإلهام بقسيمه : الفجور والتقوى ، ثم تسلك أحد الطريقين ، فكأن مجيء القسم بها بعد   [ ص: 541 ] تلك المسميات دلالة على عظم ذاتها وقوة دلالتها على قدرة خالقها ، وما سواها مستعدة قابلة لتلقي إلهام الله إياها . 
				
						
						
