[ ص: 402 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
سورة النجم 
قوله تعالى : وما ينطق عن الهوى  إن هو إلا وحي يوحى     . 
هذه الآية الكريمة تدل بظاهرها على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجتهد في شيء ، وقد جاءت آيات أخر تدل على أنه صلى الله عليه وسلم ربما اجتهد في بعض الأمور ، كما دل عليه قوله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم    [ 9 43 ] . 
وقوله تعالى : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض  الآية [ 8 \ 67 ] . 
والجواب عن هذا من وجهين : 
الأول : هو الذي اقتصر عليه  ابن جرير  ، وصدر به  ابن الحاجب  في مختصره الأصولي أن معنى قوله تعالى : وما ينطق عن الهوى  أي في كل ما يبلغه عن الله ، إن هو أي كل ما يبلغه عن الله إلا وحي من الله ، لأنه لا يقول على الله شيئا إلا وحي منه ، فالآية رد على الكفار حيث قالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم افترى هذا القرءان ، كما قال  ابن الحاجب    . 
الوجه الثاني : أنه إن اجتهد ، فإنه إنما يجتهد بوحي من الله يأذن له به في ذلك الاجتهاد ، وعليه فاجتهاده بوحي فلا منافاة . 
ويدل لهذا الوجه أن اجتهاده في الإذن للمتخلفين عن غزوة تبوك  ، أذن الله له فيه حيث قال : فأذن لمن شئت منهم    [ 24 62 ] ، فلما أذن للمنافقين عاتبه بقوله : عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين    [ 9 43 ] . 
فالاجتهاد في الحقيقة إنما هو الإذن قبل التبين لا في مطلق الإذن للنص عليه . 
ومسألة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم  وعدمه من مسائل الخلاف المشهورة عند علماء الأصول ،   [ ص: 403 ] وسبب اختلافهم هو تعارض الآيات في ظاهر الأمر . 
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر أن التحقيق في هذه المسألة أنه صلى الله عليه وسلم ربما فعل بعض المسائل من غير وحي في خصوصه ، كإذنه للمتخلفين عن غزوة تبوك  قبل أن يتبين صادقهم من كاذبهم ، وكأسره لأسارى بدر  ، وكأمره بترك تأبير النخل ، وكقوله : لو استقبلت من أمري ما استدبرت الحديث ، إلى غير ذلك . 
وأن معنى قوله تعالى : وما ينطق عن الهوى  لا إشكال فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق بشيء من أجل الهوى ولا يتكلم بالهوى . 
وقوله تعالى : إن هو إلا وحي يوحى  يعني أن كل ما يبلغه عن الله فهو وحي من الله لا بهوى ولا بكذب ولا افتراء  ، والعلم عند الله تعالى . 
قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى     . 
هذه الآية الكريمة تدل على أنه لا ينتفع أحد بعمل غيره    . 
وقد جاءت آية أخرى تدل على أن بعض الناس ربما انتفع بعمل غيره وهي قوله تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان  الآية [ 52 \ 21 ] ، فرفع درجات الأولاد سواء قلنا : إنهم الكبار أو الصغار نفع حاصل لهم ، وإنما حصل لهم بعمل آبائهم لا بعمل أنفسهم . 
اعلم أولا أن ما روي عن  ابن عباس  من أن هذا كان شرعا لمن قبلنا ، فنسخ في شرعنا غير صحيح ، بل آية : وأن ليس للإنسان محكمة ، كما أن القول بأن المراد بالإنسان خصوص الكافر غير صحيح أيضا . 
والجواب من ثلاثة أوجه : 
الأول : أن الآية إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه ، ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره ، لأنه لم يقل وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى ، وإنما قال : وأن ليس للإنسان . وبين الأمرين فرق ظاهر ، لأن سعي الغير ملك لساعيه ، إن شاء بذله لغيره فانتفع به ذلك الغير ، وإن شاء أبقاه لنفسه . 
وقد أجمع العلماء على انتفاع الميت بالصلاة عليه والدعاء له والحج عنه  ونحو ذلك ، مما ثبت الانتفاع بعمل الغير فيه . 
 [ ص: 404 ] الثاني : أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم ، إذ لو كانوا كفارا لما حصل لهم ذلك ، فإيمان العبد وطاعته سعي منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين ، كما وقع في الصلاة في الجماعة ، فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفردا ، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في الجماعة ، وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى : واتبعتهم ذريتهم بإيمان    . 
الثالث : أن السعي الذي حصل به رفع درجات الأولاد ليس للأولاد كما هو نص قوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى  ولكنه من سعي الآباء فهو سعي للآباء أقر الله عيونهم بسببه ، بأن رفع إليهم أولادهم ليتمتعوا في الجنة برؤيتهم ، فالآية تصدق الأخرى ولا تنافيها ، لأن المقصود بالرفع إكراه الآباء لا الأولاد ، فانتفاع الأولاد تبع ، فهو بالنسبة إليهم تفضل من الله عليهم بما ليس لهم ، كما تفضل بذلك على الولدان والحور العين والخلق الذين ينشؤهم للجنة ، والعلم عند الله تعالى . 
				
						
						
