فمن ذلك كل ذي مخلب من الطير يتقوى به ويصطاد : كالصقر ، والشاهين ، والبازي ، والعقاب ، والباشق ، ونحو ذلك .
وجمهور العلماء على تحريم كل ذي مخلب من الطير كما قدمنا ، ودليلهم ثبوت النهي عنه في " صحيح مسلم " ، وغيره ، وهو مذهب ، الشافعي وأحمد ، وأبي حنيفة .
ومذهب مالك - رحمه الله : إباحة ; لعموم قوله تعالى : [ ص: 540 ] أكل ذي المخلب من الطير قل لا أجد الآية ; ولأنه لم يثبت عنده نص صريح في التحريم .
وممن قال كقول مالك : الليث ، ، والأوزاعي ، وقال ويحيى بن سعيد مالك : لم أر أحدا من أهل العلم يكره سباع الطير ، وقال ابن القاسم : لم يكره مالك أكل شيء من الطير كله ؛ الرخم ، والعقبان ، والنسور ، والحدأة ، والغربان ، وجميع سباع الطير ، وغير سباعها ، ما أكل الجيف منها ، وما لم يأكلها .
ولا بأس بأكل الهدهد ، والخطاف ، وروي على كراهة أكل الخطاف ابن رشد ; لقلة لحمها مع تحرمها بمن عششت عنده ، انتهى من " المواق " في شرحه لقول خليل في " مختصره " وطير ، ولو جلالة .
ومن ذلك الحدأة ، والغراب الأبقع لما تقدم من أنهما من الفواسق التي يحل قتلها في الحل والحرم ; وإباحة قتلها دليل على منع أكلها ، وهو مذهب الجمهور خلافا لمالك ، ومن وافقه ، كما ذكرنا آنفا .
وقالت عائشة - رضي الله عنها : ، وقال صاحب " المهذب " ، بعد أن ذكر تحريم إني لأعجب ممن يأكل الغراب ، وقد أذن - صلى الله عليه وسلم - في قتله الأبقع : ويحرم الغراب الأسود الكبير ; لأنه مستخبث يأكل الجيف فهو كالأبقع . أكل الغراب
وفي الغداف ، وغراب الزرع وجهان :
أحدهما : لا يحل ; للخبر .
والثاني : يحل ; لأنه مستطاب يلقط الحب ، فهو كالحمام ، والدجاج ، وقال في " المغني " ويحرم منها ما يأكل الجيف ، كالنسور ، والرخم ، وغراب البين وهو أكبر الغربان ، والأبقع . قال ابن قدامة عروة : . اهـ . ومن يأكل الغراب ، وقد سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - فاسقا ؟ والله ما هو من الطيبات
قال مقيده - عفا الله عنه : الظاهر المتبادر أن كل شيء أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتله بغير الذكاة الشرعية أنه محرم الأكل ; إذ لو كان الانتفاع بأكله جائزا لما أذن - صلى الله عليه وسلم - في إتلافه كما هو واضح .
وقال النووي : الغراب الأبقع حرام بلا خلاف ; للأحاديث الصحيحة ، والأسود الكبير فيه طريقان :
[ ص: 541 ] إحداهما : أنه حرام .
والأخرى : أن فيه وجهين ، أصحهما التحريم .
وغراب الزرع : فيه وجهان مشهوران : أصحهما أنه حلال ، وهو الزاغ ، وهو أسود صغير ، وقد يكون محمر المنقار والرجلين . اهـ ، منه بالمعنى في " شرح المهذب " .
ومن ذلك الصرد ، والهدهد ، والخطاف ، والخفاش وهو الوطواط .
ومذهب : تحريم أكل الهدهد والخطاف . الشافعي
قال صاحب " المهذب " : ويحرم ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتلهما ، وقال أكل الهدهد والخطاف النووي في " شرح المهذب : أما حديث النهي عن قتل الهدهد ، فرواه ، عن عبيد الله بن عبد الله : ابن عباس " ، رواه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل أربع من الدواب : " النملة ، والنحلة ، والهدهد ، والصرد أبو داود بإسناد صحيح على شرط ، البخاري ومسلم ذكره في آخر كتابه ، ورواه في كتاب الصيد بإسناد على شرط ابن ماجه ، وأما النهي عن البخاري فهو ضعيف ومرسل ، رواه قتل الخطاف البيهقي بإسناده عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية ، وهو من تابعي التابعين ، أو من التابعين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم : " " ، ثم قال : قال أنه نهى عن قتل الخطاطيف البيهقي : هذا منقطع ، قال : وروى حمزة النصيبي فيه حديثا مسندا إلا أنه كان يرمى بالوضع . اهـ
ومما ذكره النووي : تعلم أن ، والهدهد لا يجوز أكلهما في مذهب الصرد ; لثبوت النهي عن قتلهما ، وقال الشافعي النووي أيضا : وصح عن موقوفا عليه ، أنه قال : " لا تقتلوا الضفادع ; فإن نقيقها تسبيح ، ولا تقتلوا الخفاش ; فإنه لما خرب عبد الله بن عمرو بن العاص بيت المقدس قال : يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم ، قال البيهقي : إسناده صحيح .
قال مقيده - عفا الله عنه : والظاهر في مثل هذا الذي صح عن ، من النهي عن عبد الله بن عمرو أنه في حكم المرفوع ; لأنه لا مجال للرأي فيه ; لأن علم تسبيح الضفدع ، وما قاله الخفاش لا يكون بالرأي ، وعليه فهو يدل على منع قتل الخفاش ، والضفدع . أكل الخفاش والضفدع
وقال في " المغني " : ويحرم الخطاف ، والخشاف ، أو الخفاش وهو الوطواط ، وقال الشاعر : [ الكامل ] ابن قدامة
[ ص: 542 ]
مثل النهار يزيد أبصار الوري نورا ويعمي أعين الخفاش
قال أحمد : ومن يأكل الخشاف ؟ ، وسئل عن الخطاف ، فقال : لا أدري ، وقال النخعي : أكل الطير حلال إلا الخفاش ، وإنما حرمت هذه لأنها مستخبثة لا تأكلها العرب . اهـ ، من " المغني " . والخشاف هو الخفاش ، وقد قدمنا عن مالك وأصحابه جواز أكل جميع أنواع الطير ، واستثنى بعضهم من ذلك الوطواط .
وفي وجهان للشافعية : قال الببغا ، والطاوس البغوي وغيره : وأصحهما التحريم .
وفي العندليب ، والحمرة لهم أيضا وجهان : والصحيح إباحتهما ، وقال : يحرم ملاعب ظله ، وهو طائر يسبح في الجو مرارا كأنه ينصب على طائر ، وقال أبو عاصم العبادي أبو عاصم أيضا : والبوم حرام كالرخم ، قال : والضوع ، بضم الضاد المعجمة وفتح الواو وبالعين المهملة ، حرام على أصح القولين ، قال الرافعي : هذا يقتضي أن الضوع غير البوم ، قال : لكن في " صحاح الجوهري " أن الضوع طائر من طير الليل من جنس الهام ، وقال المفضل : هو ذكر البوم ، قال الرافعي : فعلى هذا إن كان في الضوع قول لزم إجراؤه في البوم ; لأن الذكر والأنثى من الجنس الواحد لا يفترقان ، قاله النووي : ثم قال : قلت : الأشهر أن الضوع من جنس الهام ; فلا يلزم اشتراكهما في الحكم .
وأما حشرات الطير ، كالنحل ، والزنابير ، والذباب ، والبعوض ، ونحو ذلك : فأكلها حرام عند ، الشافعي وأحمد ، وأكثر العلماء ; لأنها مستخبثة طبعا ، والله تعالى يقول : ويحرم عليهم الخبائث .
ومن ذلك الجلالة : وهي التي تأكل النجس ، وأصلها التي تلتقط الجلة بتثليث الجيم : وهي البعر ، والمراد بها عند العلماء : التي تأكل النجاسات من الطير والدواب .
ومشهور مذهب الإمام مالك : جواز مطلقا ، أما أكل لحم الجلالة فنجسان في مشهور مذهبه ، ما دام النجس باقيا في جوفها ، ويطهر لبنها وبولها عنده إن أمسكت عن أكل النجس ، وعلفت علفا طاهرا مدة يغلب على الظن فيها عدم بقاء شيء في جوفها من الفضلات النجسة ، وكره كثير من العلماء لحم الجلالة ولبنها ، وحجتهم حديث لبنها وبولها : ابن عباس ، قال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ألبان الجلالة النووي في " شرح المهذب " : حديث صحيح ، رواه ابن عباس أبو داود ، ، والترمذي بأسانيد صحيحة ، قال والنسائي الترمذي : هو حديث حسن صحيح . اهـ .
[ ص: 543 ] وقال النووي في : والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا اعتبار بالكثرة ، وإنما الاعتبار بالرائحة والنتن ، فإن وجد في عرقها وغيره ريح النجاسة فجلالة ، وإلا فلا . وأكل لحم الجلالة وشرب لبنها مكروه عند الشافعية ، والصحيح عندهم أنها كراهة تنزيه ، وقيل : كراهة تحريم . حد الجلالة
وقال في " المغني " : قال ابن قدامة أحمد : أكره لحوم الجلالة وألبانها ، قال القاضي في المجرد : هي التي تأكل القذر ، فإذا كان أكثر علفها النجاسة حرم لحمها ولبنها .
وفي روايتان : وإن كان أكثر علفها الطاهر لم يحرم أكلها ولا لبنها ، وتحديد الجلالة يكون أكثر علفها النجاسة لم نسمعه عن بيضها أحمد ، ولا هو ظاهر كلامه ، لكن يمكن تحديده بما يكون كثيرا في مأكولها ويعفى عن اليسير ، وقال الليث : إنما كانوا يكرهون الجلالة التي لا طعام لها إلا الرجيع وما أشبهه ، وقال ابن أبي موسى في الجلالة روايتان :
إحداهما : أنها محرمة .
والثانية : أنها مكروهة غير محرمة ، وهذا قول ، وكره الشافعي أبو حنيفة لحومها ، والعمل عليها حتى تحبس ، ورخص الحسن في لحومها وألبانها ; لأن الحيوانات لا تتنجس بأكل النجاسات ; بدليل أن شارب الخمر لا يحكم بتنجيس أعضائه ، والكافر الذي يأكل الخنزير والمحرمات لا يكون ظاهره نجسا ، ولو نجس لما طهر بالإسلام ، ولا الاغتسال ، ولو نجست الجلالة لما طهرت بالحبس . اهـ .
والظاهر كراهة ، وهو مكروه عند ركوب الجلالة ، الشافعي وأحمد ، وعمر ، وابنه عبد الله ، وروي عن مرفوعا كراهة ركوب الجلالة ، أخرجه ابن عمر البيهقي وغيره .
حكمها حكم الجلالة فيما يظهر ، فيجري فيها ما جرى فيها ، والله تعالى أعلم . والسخلة المرباة بلبن الكلبة
ومن ذلك ، فأكثر العلماء على أنها طاهرة ، وأن ذلك لا ينجسها ، وممن قال بذلك الزروع والثمار التي سقيت بالنجاسات ، أو سمدت بها مالك ، ، وأصحابهما ، خلافا للإمام والشافعي أحمد ، وقال في " المغني " : وتحرم الزروع والثمار التي سقيت بالنجاسات ، أو سمدت بها ، وقال ابن قدامة ابن عقيل : يحتمل أن يكره ذلك ولا يحرم ، ولا يحكم بتنجيسها ; لأن ، كالدم يستحيل في أعضاء [ ص: 544 ] الحيوان لحما ، ويصير لبنا ، وهذا قول أكثر الفقهاء ، منهم النجاسة تستحيل في باطنها فتطهر بالاستحالة أبو حنيفة ، ، وكان والشافعي يدمل أرضه بالعرة ويقول : مكتل عرة مكتل بر ، والعرة : عذرة الناس ، ولنا ما روي عن سعد بن أبي وقاص : كنا نكري أراضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونشترط عليهم ألا يدملوها بعذرة الناس ، ولأنها تتغذى بالنجاسات ، وتترقى فيها أجزاؤها ، والاستحالة لا تطهر ، فعلى هذا تطهر إذا سقيت الطاهرات ، كالجلالة إذا حبست وأطعمت الطاهرات . اهـ ، من المغني بلفظه . ابن عباس