قوله تعالى : ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين .
الحجر : منازل ثمود بين الحجاز والشام عند وادي القرى . فمعنى الآية الكريمة : كذبت ثمود المرسلين ، وقد بين تعالى ثمود لنبيه صالح - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - في مواضع أخر . كقوله : تكذيب كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون الآيات [ 26 \ 141 ] وقوله : فكذبوه فعقروها [ 91 \ 14 ] وقوله : كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر [ 54 \ 23 - 24 ] وقوله : فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين [ 7 \ 77 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وإنما قال إنهم كذبوا المرسلين مع أن الذي كذبوه هو صالح وحده ، لأن ، وهي تحقيق معنى " لا إله إلا الله " كما بينه تعالى بأدلة عمومية وخصوصية . قال معمما لجميعهم : دعوة جميع الرسل واحدة وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا الآية [ 21 \ 25 ] . وقال : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [ 16 \ 36 ] وقال : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [ 43 \ 45 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقال في تخصيص الرسل بأسمائهم : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [ 23 \ 23 ] وقال : وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [ 11 \ 50 ] وقال : وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [ 11 \ 84 ] إلى غير ذلك من الآيات .
فإذا حققت أن دعوة الرسل واحدة عرفت أن . ولذا صرح تعالى بأن من كفر ببعضهم فهو كافر حقا . قال : من كذب واحدا منهم فقد كذب جميعهم ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا [ 4 \ 150 - 151 ] ، [ ص: 390 ] وبين أنه لا تصح التفرقة بينهم بقوله : لا نفرق بين أحد منهم [ 2 \ 136 و 3 \ 84 ] ، وقوله : لا نفرق بين أحد من رسله [ 2 \ 285 ] ، ووعد الأجر على عدم التفرقة بينهم في قوله : والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم . الآية [ 4 \ 152 ] ، وقد بينا هذه المسألة في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " .