تببيه .
فإن قيل : عموم حديث
حذيفة المذكور الذي استدللتم به ، وبيان القرآن أنه شامل للبس الفضة والشرب فيها ، وقلتم : إن كونه واردا في الشرب في آنية الفضة لا يجعله خاصا بذلك ; فما الدليل في ذلك على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؟
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه ، حدثنا
مسدد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16043سليمان التيمي ، عن
أبي عثمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007891أن رجلا أصاب من امرأة قبلة ; فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، فأنزلت عليه : ( nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) [ 11 \ 114 ] ، قال الرجل [ ص: 360 ] ألي هذه ؟ قال : " لمن عمل بها من أمتي " اهـ ، هذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في التفسير في " سورة هود " ، وفي رواية في الصحيح ، قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007892لجميع أمتي كلهم " اهـ . فهذا الذي أصاب القبلة من المرأة نزلت في خصوصه آية عامة اللفظ ، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ألي هذه ؟ ومعنى ذلك : هل النص خاص بي لأني سبب وروده ؟ أو هو على عموم لفظه ؟ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007893لجميع أمتي " معناه أن العبرة بعموم لفظ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إن الحسنات يذهبن السيئات " ، لا بخصوص السبب ، والعلم عند الله تعالى ؟
وقوله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وترى الفلك " [ 16 \ 14 ] ، أي : السفن ، وقد دل القرآن على أن : " الفلك " يطلق على الواحد وعلى الجمع ، وأنه إن أطلق على الواحد ذكر ، وإن أطلق على الجمع أنث ، فأطلقه على المفرد مذكرا في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=41وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون " [ 36 \ 41 ، 42 ] ، وأطلقه على الجمع مؤنثا في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس [ 2 \ 164 ] ، وقوله : مواخر [ 16 \ 14 ] ، جمع ماخرة ، وهو اسم فاعل ، مخرت السفينة تمخر - بالفتح - وتمخر - بالضم - مخرا ومخورا : جرت في البحر تشق الماء مع صوت . وقيل : استقبلت الريح في جريتها . والأظهر في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14ولتبتغوا من فضله [ 16 \ 14 ] ، أنه معطوف على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14لتأكلوا منه لحما طريا [ 16 \ 14 ] ، ولعل هنا للتعليل كما تقدم .
والشكر في الشرع : يطلق من العبد لربه ; كقوله هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14ولعلكم تشكرون [ 16 \ 14 ] ، وشكر العبد لربه : هو استعماله نعمه التي أنعم عليه بها في طاعته . وأما من يستعين بنعم الله على معصيته فليس من الشاكرين ; وإنما هو كنود كفور .
وشكر الرب لعبده المذكور في القرآن كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فإن الله شاكر عليم [ 2 \ 158 ] ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34إن ربنا لغفور شكور [ 35 \ 34 ] ، هو أن يثيب عبده الثواب الجزيل من العمل القليل . والعلم عند الله تعالى .
تبْبِيه .
فَإِنْ قِيلَ : عُمُومُ حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ الْمَذْكُورِ الَّذِي اسْتَدْلَلْتُمْ بِهِ ، وَبَيَانُ الْقُرْآنِ أَنَّهُ شَامِلٌ لِلُبْسِ الْفِضَّةِ وَالشُّرْبِ فِيهَا ، وَقُلْتُمْ : إِنَّ كَوْنَهُ وَارِدًا فِي الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ لَا يَجْعَلُهُ خَاصًّا بِذَلِكَ ; فَمَا الدَّلِيلُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ ؟
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ، حَدَّثَنَا
مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16043سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، عَنْ
أَبِي عُثْمَانَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007891أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً ; فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) [ 11 \ 114 ] ، قَالَ الرَّجُلُ [ ص: 360 ] أَلِيَ هَذِهِ ؟ قَالَ : " لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي " اهـ ، هَذَا لَفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ فِي " سُورَةِ هُودٍ " ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ ، قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007892لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ " اهـ . فَهَذَا الَّذِي أَصَابَ الْقُبْلَةَ مِنَ الْمَرْأَةِ نَزَلَتْ فِي خُصُوصِهِ آيَةٌ عَامَّةُ اللَّفْظِ ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَلِيَ هَذِهِ ؟ وَمَعْنَى ذَلِكَ : هَلِ النَّصُّ خَاصٌّ بِي لِأَنِّي سَبَبُ وُرُودِهِ ؟ أَوْ هُوَ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ ؟ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007893لِجَمِيعِ أُمَّتِي " مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ لَفْظِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ " ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ؟
وَقَوْلُهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وَتَرَى الْفُلْكَ " [ 16 \ 14 ] ، أَيْ : السُّفُنَ ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ : " الْفُلْكَ " يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمْعِ ، وَأَنَّهُ إِنْ أُطْلِقَ عَلَى الْوَاحِدِ ذُكِّرَ ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى الْجَمْعِ أُنِّثَ ، فَأَطْلَقَهُ عَلَى الْمُفْرَدِ مُذَكَّرًا فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=41وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ " [ 36 \ 41 ، 42 ] ، وَأَطْلَقَهُ عَلَى الْجَمْعِ مُؤَنَّثًا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ [ 2 \ 164 ] ، وَقَوْلِهِ : مَوَاخِرَ [ 16 \ 14 ] ، جَمْعُ مَاخِرَةٍ ، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ ، مَخَرَتِ السَّفِينَةُ تَمْخَرُ - بِالْفَتْحِ - وَتَمْخُرُ - بِالضَّمِّ - مَخْرًا وَمُخُورًا : جَرَتْ فِي الْبَحْرِ تَشُقُّ الْمَاءَ مَعَ صَوْتٍ . وَقِيلَ : اسْتَقْبَلَتِ الرِّيحَ فِي جَرْيَتِهَا . وَالْأَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [ 16 \ 14 ] ، أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا [ 16 \ 14 ] ، وَلَعَلَّ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَالشُّكْرُ فِي الشَّرْعِ : يُطْلَقُ مِنَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ ; كَقَوْلِهِ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=14وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [ 16 \ 14 ] ، وَشُكْرُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ : هُوَ اسْتِعْمَالُهُ نِعَمَهُ الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهَا فِي طَاعَتِهِ . وَأَمَّا مَنْ يَسْتَعِينُ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ فَلَيْسَ مِنَ الشَّاكِرِينَ ; وَإِنَّمَا هُوَ كَنُودٌ كَفُورٌ .
وَشُكْرُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [ 2 \ 158 ] ، وَقَوْله
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [ 35 \ 34 ] ، هُوَ أَنْ يُثِيبَ عَبْدَهُ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ مِنَ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .