وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ، الضمير في قوله : عنهم [ 17 \ 28 ] ، راجع إلى المذكورين قبله في قوله : وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل الآية [ 17 \ 26 ] . ومعنى الآية : إن تعرض عن هؤلاء المذكورين فلم تعطهم شيئا لأنه ليس عندك ، وإعراضك المذكور عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها [ 17 \ 28 ] ، أي رزق حلال ; كالفيء يرزقكه الله فتعطيهم منه فقل لهم قولا ميسورا ، أي لينا لطيفا طيبا ، كالدعاء لهم بالغنى وسعة الرزق ، ووعدهم بأن الله إذا يسر من فضله رزقا أنك تعطيهم منه .
وهذا تعليم عظيم من الله لنبيه لمكارم الأخلاق ، وأنه إن لم يقدر على الإعطاء الجميل فليتجمل في عدم الإعطاء ; لأن الرد الجميل خير من الإعطاء القبيح .
وهذا الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، صرح به الله جل وعلا في سورة " البقرة " في قوله : قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى الآية [ 2 \ 263 ] ، ولقد أجاد من قال :
إلا تكن ورق يوما أجود بها للسائلين فإني لين العود لا يعدم السائلون الخير من خلقي
إما نوالي وإما حسن مردودي
والآية الكريمة تشير إلى أنه صلى الله عليه وسلم لا يعرض عن الإعطاء إلا عند عدم ما يعطى منه ، وأن الرزق المنتظر إذا يسره الله فإنه يعطيهم منه ، ولا يعرض عنهم . وهذا هو غاية الجود وكرم الأخلاق . وقال القرطبي : قولا ميسورا مفعول بمعنى الفاعل من لفظ اليسر [ ص: 87 ] كالميمون .
وقد علمت مما قررنا أن قوله : ابتغاء رحمة من ربك [ 17 \ 28 ] متعلق بفعل الشرط الذي هو تعرضن لا بجزاء الشرط .
وأجاز في الكشاف تعلقه بالجزاء وتقديمه عليه . ومعنى ذلك : فقل لهم قولا ميسورا ابتغاء رحمة من ربك ، أي يسر عليهم والطف بهم ، لابتغائك بذلك رحمة الله ، ورد ذلك عليه الزمخشري أبو حيان في " البحر المحيط " بأن ما بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبله . قال : لا يجوز في قولك إن يقم فاضرب خالدا أن تقول : إن يقم خالدا فاضرب ، وهذا منصوص عليه ، انتهى .
وعن رحمه الله : أن الضمير في قوله : سعيد بن جبير وإما تعرضن عنهم [ 17 \ 28 ] راجع للكفار ; أي إن تعرض عن الكفار ابتغاء رحمة من ربك ، أي نصر لك عليهم ، أو هداية من الله لهم ، وعلى هذا فالقول الميسور : المداراة باللسان ، قاله أبو سليمان الدمشقي ، انتهى من البحر . ويسر بالتخفيف يكون لازما ومتعديا ، وميسور من المتعدي ، تقول : يسرت لك كذا إذا أعددته ; قاله أبو حيان أيضا .