قوله تعالى : قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا .
قرأ جمهور القراء " كما تقولون " بتاء الخطاب . وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم كما يقولون [ 17 \ 42 ] بياء الغيبة . وفي معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير ، كلاهما حق ويشهد له قرآن . وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن الآية قد يكون فيها وجهان كلاهما حق ، وكلاهما يشهد له قرآن ، فنذكر الجميع لأنه كله حق .
الأول من الوجهين المذكورين : أن معنى الآية الكريمة : لو كان مع الله آلهة أخرى كما يزعم الكفار لابتغوا ( أي الآلهة المزعومة ) أي لطلبوا إلى ذي العرش ( أي إلى الله ) سبيلا ; أي إلى مغالبته وإزالة ملكه ، لأنهم إذا يكونون شركاءه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض . سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا !
وهذا القول في معنى الآية هو الظاهر عندي ، وهو المتبادر من معنى الآية الكريمة ، ومن الآيات الشاهدة لهذا المعنى قوله تعالى : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون [ 23 \ 91 ، 92 ] ، وقوله : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون [ 21 \ 22 ] وهذا المعنى في الآية مروي عن ، ابن عباس ، وسعيد بن جبير وأبي علي الفارسي ، والنقاش ، وأبي منصور ، وغيره من المتكلمين .
الوجه الثاني في معنى الآية الكريمة : أن المعنى لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا [ ص: 159 ] أي : طريقا ووسيلة تقربهم إليه لاعترافهم بفضله ، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه الآية [ 17 \ 57 ] ، ويروى هذا القول عن قتادة ، واقتصر عليه ابن كثير في تفسيره .
ولا شك أن المعنى الظاهر المتبادر من الآية بحسب اللغة العربية هو القول الأول ; لأن في الآية فرض المحال ، والمحال المفروض الذي هو وجود آلهة مع الله مشاركة له ، لا يظهر معه أنها تتقرب إليه ، بل تنازعه لو كانت موجودة ، ولكنها معدومة مستحيلة الوجود ، والعلم عند الله تعالى .