ثم
nindex.php?page=treesubj&link=28973قال - تعالى - : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115ولله المشرق والمغرب ) ، ذهب المفسر (
الجلال ) إلى أن المراد بالمشرق والمغرب الأرض كلها ؛ لأنهما ناحيتاها ، وقال في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115nindex.php?page=treesubj&link=28973_32265فأينما تولوا فثم وجه الله ) أي أي مكان تستقبلونه في صلاتكم فهناك وجه القبلة التي أمر الله بأن يتوجه إليها . ووجه الأستاذ الإمام هذا بقوله : إن من شأن العابد أن يستقبل وجه المعبود ، ولما كان سبحانه منزها عن
[ ص: 358 ] المادة والجهة واستقباله بهذا المعنى مستحيلا ، شرع للناس مكانا مخصوصا يستقبلونه في عبادتهم إياه . وجعل استقبال ذلك المكان كاستقبال وجهه - تعالى . ثم قال :
هذه الآية متصلة بما قبلها وهو قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=114ومن أظلم ممن منع مساجد الله ) . . . إلخ ، وأكثر المفسرين على خلاف ما قال (
الجلال ) في تفسير المشرق والمغرب ، قالوا : إن المراد بهما الجهتان المعلومتان لكل أحد ؛ ولذلك خصهما بالذكر ، فهو كقوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=17رب المشرقين ورب المغربين ) ( 55 : 17 ) وهو يستلزم ما قاله (
الجلال ) ، فإن المراد على كل حال : أية جهة استقبلت وتوجهت إليها في صلاتك فأنت متوجه إلى الله - تعالى - ؛ لأن كل الجهات له (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115إن الله واسع ) لا يتحدد ولا يحصر ، فيصح أن يتوجه إليه في كل مكان ، ( عليم ) بالمتوجه إليه أينما كان ، أي فاعبد الله حيثما كنت ، وتوجه إليه أينما حللت ، ولا تتقيد بالأمكنة ، فإن معبودك غير مقيد .
أقول : بل هو فوق كل شيء بائنا منه .
وأزيد على ذلك أن بعض رواة المأثور قالوا : إن هذه الآية نزلت قبل الأمر بالتوجه إلى قبلة معينة . وقال آخرون : إنها نزلت في تحويل القبلة عن
بيت المقدس إلى
الكعبة ، ولكن هذا فيه آيات مفصلة ستأتي في أول الجزء الثاني من هذه السورة ، وقال بعضهم : إنها نزلت في صلاة تطوع في السفر لا يشترط فيها استقبال القبلة . وقال آخرون : إنها فيمن يجتهدون في القبلة فيخطئون فإن صلاتهم صحيحة ؛ لأن إيجاب استقبال جهة معينة إنما هو للمعنى الاجتماعي في الصلاة ووحدة الأمة فيها ، والتعليل يصح في كل قول من هذه الأقوال ، فإنه أينما توجه المصلي في صلاته الصحيحة فهو متوجه إلى الله - تعالى - لا يقصد بصلاته غيره ، وهو - تعالى - مقبل عليه راض عنه ، ومن المعلوم أن
أهل الكتاب يلتزمون في صلاتهم جهة معينة كالتزام النصارى جهة المشرق ، وأن استقبال المسلمين
الكعبة يقتضي أن يصلي أهل كل قطر إلى جهة من الجهات الأربع فهم يصلون إلى جميع الجهات ، ولا ينافي ذلك توجههم إلى الله - تعالى - ، والوجه هنا قيل : إنه بمعنى الجهة وهو صحيح لغة ، والمعنى : فهناك القبلة التي يرضاها لكم . وقيل : إنه على حد (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) ( 58 : 7 ) .
ووجه المناسبة والاتصال بين هذه الآية وما قبلها ظاهر على هذا التفسير ، فإن فيها إبطال ما كان عليه أهل الملل السابقة من اعتقاد أن العبادة لله - تعالى - لا يصح أن تكون إلا في الهيكل والمعبد المخصوص ، وفي إبطال هذا إزالة ما عساه يتوهم من وعيد من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه من أنه وعيد على إبطال العبادة في المواضع المخصوصة ؛ لأنه إبطال لها بالمرة ، إذ لا تصح إلا في تلك المواضع ، فهذه الآية تنفي ذلك التوهم من حيث تثبت لنا قاعدة من أهم قواعد الاعتقاد ، وهي أن
nindex.php?page=treesubj&link=28730الله - تعالى - لا تحدده الجهات ، ولا تحصره الأمكنة ، ولا يتقرب إليه بالبقاع
[ ص: 359 ] والمعاهد ، ولا تنحصر عبادته في الهياكل والمساجد ، وإنما ذلك الوعيد لانتهاك حرمات الله وإبطال نوع من أنواع عبادته ، وهو العبادة الاجتماعية التي يجتمع لها الناس في أشرف المعاهد على خير الأعمال التي تطهر نفوسهم وتهذب أخلاقهم .
وهذا الضرب من البيان
nindex.php?page=treesubj&link=32234_32232_32450_28914مما امتاز به القرآن على سائر الكلام ، فإنك لترى فيه فنونا من الاستدراك والاحتراس قد جاءت في خلال القصص وسياق الأحكام ، تقرأ الآية في حكم من الأحكام ، أو عظة من المواعظ ، أو واقعة تاريخية فيها عبرة من العبر ، فتراها مستقلة بالبيان ، ولكنها باتصالها بما قبلها قد أزالت وهما أو تممت حكما ، وكان ينبغي لأهل العربية أن يقتبسوا هذه الضروب من البيان ، ويتوسعوا بها في أساليب الكلام ، فإن القرآن قد أطلق لهم اللغة من عقالها ، وعلمهم من الأساليب الرفيعة ما كانت تستحليه أذواقهم ، وتنفعل له قلوبهم ، وتهتز له نفوسهم ، وتتحرك به أريحيتهم ، ولكنهم لم يوفقوا لاقتباس هذه الأساليب الجديدة ، على أن ملكتهم في حسن البيان ، قد ارتفعت بعد نزول القرآن .
( قال الأستاذ الإمام ) : وسنعطي هذا الموضوع حقه من البيان في موضع تكون مناسبته أقوى من هذه المناسبة .
ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28973قَالَ - تَعَالَى - : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) ، ذَهَبَ الْمُفَسِّرُ (
الْجَلَالُ ) إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الْأَرْضُ كُلُّهَا ؛ لِأَنَّهُمَا نَاحِيَتَاهَا ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115nindex.php?page=treesubj&link=28973_32265فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) أَيْ أَيَّ مَكَانٍ تَسْتَقْبِلُونَهُ فِي صَلَاتِكُمْ فَهُنَاكَ وَجْهُ الْقِبْلَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِأَنْ يُتَوَجَّهَ إِلَيْهَا . وُوَجَّهَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هَذَا بِقَوْلِهِ : إِنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَابِدِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وَجْهَ الْمَعْبُودِ ، وَلَمَّا كَانَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهًا عَنِ
[ ص: 358 ] الْمَادَّةِ وَالْجِهَةِ وَاسْتِقْبَالُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَحِيلًا ، شَرَعَ لِلنَّاسِ مَكَانًا مَخْصُوصًا يَسْتَقْبِلُونَهُ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ . وَجَعَلَ اسْتِقْبَالَ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَاسْتِقْبَالِ وَجْهَهُ - تَعَالَى . ثُمَّ قَالَ :
هَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=114وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ ) . . . إِلَخْ ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ (
الْجَلَالُ ) فِي تَفْسِيرِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، قَالُوا : إِنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الْجِهَتَانِ الْمَعْلُومَتَانِ لِكُلِّ أَحَدٍ ؛ وَلِذَلِكَ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=17رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) ( 55 : 17 ) وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ مَا قَالَهُ (
الْجَلَالُ ) ، فَإِنَّ الْمُرَادَ عَلَى كُلِّ حَالٍ : أَيَّةُ جِهَةٍ اسْتَقْبَلْتَ وَتَوَجَّهْتَ إِلَيْهَا فِي صَلَاتِكَ فَأَنْتَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْجِهَاتِ لَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ ) لَا يَتَحَدَّدُ وَلَا يُحْصَرُ ، فَيَصِحُّ أَنْ يُتَوَجَّهَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، ( عَلِيمٌ ) بِالْمُتَوَجِّهِ إِلَيْهِ أَيْنَمَا كَانَ ، أَيْ فَاعْبُدِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ أَيْنَمَا حَلَلْتَ ، وَلَا تَتَقَيَّدْ بِالْأَمْكِنَةِ ، فَإِنَّ مَعْبُودَكَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ .
أَقُولُ : بَلْ هُوَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ بَائِنًا مِنْهُ .
وَأَزْيَدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ رُوَاةِ الْمَأْثُورِ قَالُوا : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى قِبْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ عَنْ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى
الْكَعْبَةِ ، وَلَكِنَّ هَذَا فِيهِ آيَاتٌ مُفَصَّلَةٌ سَتَأْتِي فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعٍ فِي السَّفَرِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّهَا فِيمَنْ يَجْتَهِدُونَ فِي الْقِبْلَةِ فَيُخْطِئُونَ فَإِنَّ صَلَاتَهُمْ صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّ إِيجَابَ اسْتِقْبَالِ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَعْنَى الِاجْتِمَاعِيِّ فِي الصَّلَاةِ وَوَحْدَةِ الْأُمَّةِ فِيهَا ، وَالتَّعْلِيلُ يَصِحُّ فِي كُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ، فَإِنَّهُ أَيْنَمَا تَوَجَّهَ الْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ الصَّحِيحَةِ فَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لَا يَقْصِدُ بِصَلَاتِهِ غَيْرَهُ ، وَهُوَ - تَعَالَى - مُقْبِلٌ عَلَيْهِ رَاضٍ عَنْهُ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ
أَهْلَ الْكِتَابِ يَلْتَزِمُونَ فِي صَلَاتِهِمْ جِهَةً مُعَيَّنَةً كَالْتِزَامِ النَّصَارَى جِهَةَ الْمَشْرِقِ ، وَأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْمُسْلِمِينَ
الْكَعْبَةَ يَقْتَضِي أَنْ يُصَلِّيَ أَهْلُ كُلِّ قُطْرٍ إِلَى جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ فَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى جَمِيعِ الْجِهَاتِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَوَجُّهَهَمْ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَالْوَجْهُ هُنَا قِيلَ : إِنَّهُ بِمَعْنَى الْجِهَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ لُغَةً ، وَالْمَعْنَى : فَهُنَاكَ الْقِبْلَةُ الَّتِي يَرْضَاهَا لَكُمْ . وَقِيلَ : إِنَّهُ عَلَى حَدِّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ ) ( 58 : 7 ) .
وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ وَالِاتِّصَالِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ ، فَإِنَّ فِيهَا إِبْطَالَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمِلَلِ السَّابِقَةِ مِنِ اعْتِقَادِ أَنَّ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ - تَعَالَى - لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ إِلَّا فِي الْهَيْكَلِ وَالْمَعْبَدِ الْمَخْصُوصِ ، وَفِي إِبْطَالِ هَذَا إِزَالَةُ مَا عَسَاهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ وَعِيدِ مَنْ مَنْعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ مِنْ أَنَّهُ وَعِيدٌ عَلَى إِبْطَالِ الْعِبَادَةِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَخْصُوصَةِ ؛ لِأَنَّهُ إِبْطَالٌ لَهَا بِالْمَرَّةِ ، إِذْ لَا تَصِحُّ إِلَّا فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ ، فَهَذِهِ الْآيَةُ تَنْفِي ذَلِكَ التَّوَهُّمَ مِنْ حَيْثُ تُثْبِتُ لَنَا قَاعِدَةً مِنْ أَهَمِّ قَوَاعِدِ الِاعْتِقَادِ ، وَهِيَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28730اللَّهَ - تَعَالَى - لَا تُحَدِّدُهُ الْجِهَاتُ ، وَلَا تَحْصُرُهُ الْأَمْكِنَةُ ، وَلَا يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالْبِقَاعِ
[ ص: 359 ] وَالْمَعَاهِدِ ، وَلَا تَنْحَصِرُ عِبَادَتُهُ فِي الْهَيَاكِلِ وَالْمَسَاجِدِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ الْوَعِيدُ لِانْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَإِبْطَالِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ عِبَادَتِهِ ، وَهُوَ الْعِبَادَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الَّتِي يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ فِي أَشْرَفِ الْمَعَاهِدِ عَلَى خَيْرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُطَهِّرُ نُفُوسَهُمْ وَتُهَذِّبُ أَخْلَاقَهُمْ .
وَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ الْبَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=32234_32232_32450_28914مِمَّا امْتَازَ بِهِ الْقُرْآنُ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ ، فَإِنَّكَ لَتَرَى فِيهِ فُنُونًا مِنَ الِاسْتِدْرَاكِ وَالِاحْتِرَاسِ قَدْ جَاءَتْ فِي خِلَالِ الْقَصَصِ وَسِيَاقِ الْأَحْكَامِ ، تَقْرَأُ الْآيَةَ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ ، أَوْ عِظَةٍ مِنَ الْمَوَاعِظِ ، أَوْ وَاقِعَةٍ تَارِيخِيَّةٍ فِيهَا عِبْرَةٌ مِنَ الْعِبَرِ ، فَتَرَاهَا مُسْتَقِلَّةً بِالْبَيَانِ ، وَلَكِنَّهَا بِاتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا قَدْ أَزَالَتْ وَهْمًا أَوْ تَمَّمَتْ حُكْمًا ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يَقْتَبِسُوا هَذِهِ الضُّرُوبَ مِنَ الْبَيَانِ ، وَيَتَوَسَّعُوا بِهَا فِي أَسَالِيبِ الْكَلَامِ ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ أَطْلَقَ لَهُمُ اللُّغَةَ مِنْ عِقَالِهَا ، وَعَلَّمَهُمْ مِنَ الْأَسَالِيبِ الرَّفِيعَةِ مَا كَانَتْ تَسْتَحْلِيهِ أَذْوَاقُهُمْ ، وَتَنْفَعِلُ لَهُ قُلُوبُهُمْ ، وَتَهْتَزُّ لَهُ نُفُوسُهُمْ ، وَتَتَحَرَّكُ بِهِ أَرْيَحِيَّتُهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُوَفَّقُوا لِاقْتِبَاسِ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ الْجَدِيدَةِ ، عَلَى أَنَّ مَلَكَتَهُمْ فِي حُسْنِ الْبَيَانِ ، قَدِ ارْتَفَعَتْ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ .
( قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ ) : وَسَنُعْطِي هَذَا الْمَوْضُوعَ حَقَّهُ مِنَ الْبَيَانِ فِي مَوْضِعٍ تَكُونُ مُنَاسَبَتُهُ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ .