وقد زعم الرازي أن هذه الآيات تدل على أن معارف الأنبياء بربهم استدلالية لا ضرورية ، وإلا لما احتاج إبراهيم إلى الاستدلال ، وعلى أنه لا طريق إلى معرفة الله تعالى إلا النظر والاستدلال بأحوال المخلوقات ; إذ لو أمكن تحصيلها بغير ذلك لما عدل عليه الصلاة والسلام إلى هذه الطريقة . وقد علم مما فسرنا به الآيات بطلان الحصر في هذين الزعمين وبطلان غيره من مزاعمه النظرية في هذا المقام . والحق أن معرفة الله تعالى لا تحصل على الوجه الصحيح إلا بتعليم الوحي وعلم الأنبياء به ضروري لا نظري ، فقد علمهم به ما لم يكونوا يعلمون بنظرهم من المسائل ، وعلمهم ما يثبتونها به من الحجج العقلية والدلائل ، ولكن من طرق دعوتهم إلى ما هداهم إليه ، ومن استدلالهم عليه بعد إعلامهم به ، ما هو كسبي لهم يؤدونه بنظرهم واستدلالهم ، وقد اطلعنا على نظريات فلاسفة اليونان ، وغيرهم من الفلاسفة وعلماء الكلام ، فوجدنا أكثرها في باب الإلهيات أوهاما ، وقد اعترف الرازي نفسه بذلك في آخر عمره ، وندم على ما فرط فيه ، ولنا بيتان في هذا المقام ، قلناهما في أيام تحصيل علم الكلام :
يا أيها الرجل الذي هو جاهد في الفلسفه .
ماذا يروقك من تعلــ
ـمها وأكثرها سفه